منصور عطية

“هو شخص يرى نفسه عظيمًا، يرتاب في الآخرين دائمًا وفي صدق نواياهم ثم يسقط هذا الارتياب عليهم, يرى نفسه محور جميع الأحداث من حوله”.. كان هذا تعريفًا مبسطًا للشخص المريض بـ”البارانويا”، أو “جنون الارتياب”، أو ما يسمى أحيانًا “جنون العظمة”.

هذا التعريف يرى كثيرون أنه ينطبق بحذافيره على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ليس تجنيًا عليه أو اتهامًا بالباطل، بل بوقائع وممارسات وقرارات وتوجهات أقدم عليها منذ توليه المنصب وسيطرته على مقاليد الأمور في البلاد.

تعزيز القوة بالقمع

الكاتبة السعودية المعارضة “مضاوي الرشيد” اعتبرت أن 3 موجات من الاعتقالات شهدتها السعودية منذ العام الماضي، تعكس “جنون العظمة” أو “البارانويا” لدى “بن سلمان”، ورغم تذليله للطريق الذي سيوصله إلى العرش فإنه يتصرف كأنه غير واثق.

وفي مقال لها بموقع “ميدل إيست آي”، قالت مضاوي، المقيمة في بريطانيا، إنه يمكن النظر إلى حملات الاعتقال تلك على أنها مؤشر لانعدام الأمن، أو إستراتيجية تعبئة شعبية لضمان الاتفاق على أسلوب قيادة “بن سلمان”، إلا أنها باتت تمنعه من التركيز على تطوير الرؤية الاقتصادية التي طرحها ليصبح وليًّا للعهد.

وبدأت الموجة الأولى باستهداف مجموعة من الإسلاميين والأكاديميين والصحفيين والشعراء في سبتمبر 2017، وتم استخدام الاتهام الجاهز بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة لتبرير معظم الاعتقالات، وكانوا من مشارب فكرية مختلفة، لكن العامل المشترك بينهم كما يبدو هو إحجامهم عن الإشادة برؤية الأمير الاقتصادية أو عدم إدانة قطر كمصدر للإرهاب، بحسب الكاتبة.

أما الموجة الثانية من الاعتقالات فكانت أكثر إثارة، حيث احتُجزت في نوفمبر 2017 شخصيات من العائلة المالكة للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وعلى رأسهم رئيس الحرس الوطني السعودي متعب بن عبدالله، والملياردير وليد بن طلال، وخضعوا للإقامة الجبرية في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض.

ووُصف اعتقالهم بأنه حملة لمكافحة الفساد واستعادة الثروات المنهوبة، لكن أيًّا منهم لم يخضع لمحاكمة علنية، بل خرجوا بعد تسويات مالية قدرت بالمليارات، مما يجعل من الصعب ابتلاع الرواية الرسمية، وفقًا لرأي المعارضة السعودية.

وفي 12 مايو الجاري، اعتُقل في الكويت الشاعر نواف الشمري، وجرى ترحيله إلى السعودية، وهو ابن عم الكاتبة، ورغم أنه كان يحمل جوازًا قطريًّا، فقد عومل بصفته معارضًا من أصل سعودي، حيث كانت عائلته آل الرشيد هي الحاكمة في “حائل”، قبل أن تنتزع منها عائلة آل سعود السلطة وتؤسس المملكة عام 1921.

وكانت هذه بداية لموجة اعتقالات ثالثة شملت سبعة من الناشطين ومحاميات في مجال حقوق المرأة، وهي خطوة غير معتادة في المملكة، حيث تبلغ أكبرهن سنًّا سبعين عامًا.

وتتساءل مضاوي الرشيد: هل يشعر “بن سلمان” بعدم الارتياح بين الوهابيين الموالين له، بعد أن سمح للنساء بقيادة السيارات والذهاب إلى الحفلات ودور السينما؟ أم يريد أن يطمئن الشيوخ بأنه مسلم معتدل يعطي المرأة حقًّا بيد، ويعتقل الناشطات بيد أخرى؟.

حرب اليمن وحصار قطر

اتهام ولي العهد السعودي بـ”البارانويا” لم يكن محض كيد من معارضة لحكم آل سعود، لكن تقارير إعلامية عالمية رأت في أحيان كثيرة أن ممارسات “بن سلمان” تدل على مرضه هذا.

في سبتمبر الماضي، وجّهت صحيفة “ذا جارديان” البريطانية، انتقادات لاذعة لـ”بن سلمان”، ووصفته بأنّه “مريض بجنون العظمة”، مشيرة في هذا الإطار لقراراته المتهورة في الحرب باليمن والأزمة مع قطر، والتي باتت تشكّل له مصدر إحراج.

وقالت الصحيفة، إن الأمير البالغ من العمر 31 عامًا، جمع قوة عظمى، وهيمن على السياسة الاقتصادية والدبلوماسية والمحلية في السعودية، وهو المعروف باسم (إم بي إس) يُعتبر مهندس المستنقع الدموي للحرب في اليمن، وصاحب الموقف المتعنت في النزاع الخليجي حاليًا مع الجارة قطر.

وأشارت الصحيفة، إلى “فشل ذريع” ينتظر محمد بن سلمان، من خلال المعطيات الحالية، سواء على صعيد خياراته الخارجية، أو تلك المتعلقة بالشأن الداخلي للمملكة.

وفي هذا الإطار، قالت الصحيفة: “إذا كانت الأشهر القليلة الأولى قد شكّلت دليلًا يمكن الاعتماد عليه للحكم على توجهات الأمير السعودي، فإنّ طوالع المستقبل تشي بإشارات سيئة”.

ولفتت إلى أن “انقلاب القصر” الذي شهد صعود “بن سلمان” للإمساك بزمام السلطة في المملكة، كان ناعمًا “بلا دماء”، ووفق الصحيفة، فإنّه يمكن استخلاص مدى تمزيق الخلافات بيت الأسرة الحاكمة في السعودية، من التقارير التي تستقي مصادرها من داخل البلاط الملكي، وتشير إلى أنّ المنافس الرئيسي الآخر للعرش (الأمير محمد بن نايف) لديه مشكلة إدمان على المخدرات.

وبشأن حملة الاعتقالات التي طالت أكاديميين وإسلاميين ودعاة، قالت الصحيفة: “”أيًّا كان التوجّه العام، لولي العهد السعودي، فإن هذه الحساسية المفرطة، والتعصّب في وجه المعارضة، يكاد يكون مرض جنون العظمة”.

ورغم الأزمة المالية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، “قام ولي العهد بدفع برنامج سلطوي (رؤية 2030) يعتمد على الخصخصة وتخفيض الدعم المالي الحكومي لتحقيق التوازن، وهي خطوات تهدد العقد الاجتماعي بين الأسرة الحاكمة ورعاياها، وأغلبهم دون سن الخامسة والثلاثين”.

وعلى الساحة الدولية- بحسب الصحيفة- اضطرت المملكة للتراجع ومواجهة وضع غير متوازن، جراء الأحداث القائمة، وعدم كفاءة الرياض في التعامل معها.

ولفتت إلى أنّ الحرب في اليمن، المكلفة في أرواح المدنيين، والحصار المفروض على قطر، هما نتيجة لهاجسين استنزافيين للمملكة؛ الحد من نفوذ إيران في العالم العربي، والتخلّي عن أية نفحة من الإسلام السياسي.

ورغم ما يحيط بولي العهد السعودي من هالة لصعود اسمه، فإن الصحيفة توقعت فشله نتيجة قراراته التي اتخذها حتى الآن داخليًّا وخارجيًّا، واختتمت افتتاحيتها بالقول: إن “ولي العهد السعودي لديه جانب الرؤية، ولكن تهوره في الحكم، يؤدي إلى تحويل هذا الجانب إلى مجرد سراب”.

مشروعات وهمية

موقع “دويتشه فيله” الألماني، وصف مشروع “نيوم” الذي أعلن عنه “بن سلمان”، في أكتوبر الماضي، واجهة لإستراتيجية دعائية من أجل جذب المستثمرين الأجانب، وأن حملات الاعتقال ليست لمكافحة الفساد أو التطرف، لكن لقمع خصومه السياسيين ومعارضيه.

وقالت في تقرير لها: “اندفاع محمد بن سلمان في خططه الإصلاحية قد يعود بنتائج عكسية على المملكة، لأن  تحويل السعودية إلى بلد عصري يتطلب أكثر من التخطيط لمشاريع تتسم بجنون العظمة”.

وتابع التقرير: “نعم، لا شك أنه من الضروري أن تخلّص الرياض نفسها من الاعتماد الاقتصادي الكلي على النفط، لكن علينا ألا ننسى أن ملوك السعودية وضعوا هذا الهدف نصب أعينهم قبل 40 عامًا تقريبًا، دون أن يكون لذلك أثر كبير حتى الآن”.

وأضاف الموقع بشأن المشروعات الأسطورية التي يعلنها “بن سلمان” ضمن رؤيته (2030): “علينا ألا ننسى أيضًا أن تمويل مثل هذه المشاريع سيكون صعبًا في ظل تراجع أسعار النفط في الأعوام القليلة الماضية وتزايد المديونية في موازنة الدولة”.

واختتم التقرير: “كذلك يبقى مخطط ولي العهد السعودي حول تدمير المتطرفين اليوم وفورًا -كما أعلن في مؤتمر الرياض (الإعلان عن نيوم)- مبهمًا وفضفاضًا، لذلك فإن كلام محمد بن سلمان لا يدل فقط على السذاجة السياسية، بل على مبالغة في تقدير الذات، وهذه صفات تضر بصاحبها، ليس فقط في عالم السياسة”.