منصور عطية

كالنار في الهشيم سَرَت تغريدات النجم المصري ولاعب الأهلي والمنتخب السابق محمد أبو تريكة بمواقع التواصل الاجتماعي، لتشعل معركة جانبية تحوَّلت فيها الدفة من الحديث عن أزمة النادي مع رئيس هيئة الرياضة السعودية تركي آل الشيخ، إلى اتهام أبو تريكة بالعمالة لقطر.

هاشتاجات هجومية تزعمها مشاهير سعوديون ونشرها ما يسمى بالذُّباب الإلكتروني، وأخرى دفاعية قادها عرب ومصريون من جنسيات مختلفة، تباروا في الذَّود عن النجم الخلوق والتذكير بمواقفه البطولية دفاعًا عن قضايا العرب والمسلمين.

بداية القصة تغريدات

بداية القصة كانت مع تغريدات متتالية نشرها أبو تريكة قبيل مغرب اليوم الأحد، وفق توقيت القاهرة، متحدثًا للمرة الأولى عن الأزمة الدائرة منذ أيام بين آل الشيخ والنادي الأهلي ورئيس مجلس إدارته محمود الخطيب على وجه الخصوص.

وكتب أبو تريكة مجموعة من التغريدات عبر حسابه الرسمي على تويتر بدأها: “الأهلي فوق الجميع، أتمنى من مجلس إدارة نادينا الموقر أن تفتح لنا نحن مشجعي النادي ومحبيه حسابًا بنكيًا لرد كل المبالغ التي قدمها معالي رئيس هيئة الرياضة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة”.

وأعلن أبو تريكة تنازله عن جميع مستحقاته المالية السابقة لدى النادي الأهلي على أن توضع في هذا الحساب، وكتب في تغريدة أخرى “لنساهم معًا في محو الحزن والألم الذي أصابنا جميعًا جراء الأمور الأخيرة. ومن هنا أعلن تنازلي عن جميع مستحقاتي القديمة لدي النادي على أن توضع في هذا الحساب”.

ووجَّه أبو تريكة حديثه لـ”آل الشيخ”، قائلًا: “وكلمة أخيرة لمعالي الوزير نعلم أنك تحب الأهلي، ولكنك أخطأت في حقه. من يحب الأهلي يعطي ويبذل كل نفيس في سبيل رفعته ولا ينتظر المقابل هكذا تعلمنا في مدرسة الأهلي”.

واختتم نجم الأهلي السابق تغريداته بالحديث لمجلس إدارة النادي، قائلًا: “وكلمة لمجلس إدارة نادينا الكبير أعلم أنكم تحبون وتعشقون الأهلي فيكم من هم أساطير لهذا النادي وسيبقون أساطيره، وفيكم من تربّى وكبر في هذا النادي، نشعر بحزن وألم لا أعرف كيف تزيلوه من قلوبنا وصدورنا. سامحوني لا أملك سوى هذه الكلمات أكتبها على الملأ لأنني لست بينكم. ضعوا الأهلي فوقكم”.

وفي دقائق معدودة حازت تغريدات أبو تريكة عشرات الآلاف من الإعجابات وإعادات التغريد والتعليقات المؤيدة لمبادرته.

حرب أشعلها السعوديون

وبالتوازي مع الانتشار الكبير لتغريدات أبو تريكة في مصر والعالم العربي بجميع وسائل التواصل الاجتماعي وما لاقته من تأييد، انبرى إعلاميون رياضيون سعوديون في شنّ هجوم مضاد على تريكة، وتدشين هاشتاج يتهمه بالعمالة لقطر.

من أبرز هؤلاء وأولهم في التغريد ضد أبو تريكة الإعلامي الشهير “وليد الفراج” مقدِّم برنامج “أكشن يا دوري” الذي غرد: “عزيزي الكابتن محمد أبوتريكة.. تركت ذكرى جميلة في مصر والعالم العربي ، وأعلم أنك تحت قرار الحكومة القطرية الآن ولا تملك قرارك ولهذا أتمنى أن ترفض استخدامك من أصحاب القرار في الدوحة والابتعاد عن الخلافات السياسية بين الدول، لا تخسر كل شيء يا كابتن، لا تخسر الشعب السعودي، نصيحة”.

وعلى الرغم من الهجوم الذي واجهه الفراج بعد كتابة تلك التغريدة من متابعيه المصريين والسعوديين والعرب على حد سواء، إلا أنه استتبعها بالمزيد؛ حيث كتب: “بعيدًا عن الرياضة، يعتبر تركي آل الشيخ هدفًا رئيسيًا للحكومة القطرية واستخدمت ضده كل ما تستطيع من أدوات إعلامية في تركيا والدوحة وهذا كله نتيجة خطة السعودية لاستعادة دورها وتأثيرها الرياضي العربي والإقليمي والقاري والدولي، تغريدات أبوتريكة هى جزء من خطة قذرة وأدواتها أكثر قذارة”.

وهكذا بدأ الفراج حملة شرسة للهجوم على أبو تريكة، على الرغم من أنَّ تغريدات اللاعب السابق لم تسيء إلى السعودية ولا إلى شخصية آل الشيخ بل خاطبهم بألفاظ محترمة “المملكة العربية السعودية الشقيقة” و”معالي.. آل الشيخ”.

بعدها بدقائق تبيَّن أن الفراج ليس وحده بل هو فقط أشعل الفتيل عبر هاشتاجين هجوميين هما (#آل_الشيخ_أكبر_من_الأهلي) و(أبو_تريكة_عميل_قطر)، تضمنا تغريدات موجَّهة كان أبطالها إعلاميين رياضيين سعوديين أمثال عادل التويجري وأحمد الرباعي، تبعهم فنانون مشاهير أمثال فايز المالكي.

لكن الانتشار السريع للهاشتاجين وتصدرهما منصة تويتر، كان وراءه فيما يبدو من يطلق عليهم “الذباب الإلكتروني”، وهي تلك الحسابات مجهولة الهوية التي توجّه بالنشر الكثيف على هاشتاج معين للإيحاء بأن ما ينشرون عنه رأي عام.

السحر انقلب على الساحر

لكن يبدو أنَّ السحر انقلب على الساحر، فمن خلال تتبع غالبية التعليقات عبر الهاشتاجين، تبين أن كِفة النشر فيهما رجّحت لصالح أبو تريكة والدفاع عنه وعن النادي الأهلي، بعدما خرج الأمر من الهجوم على تغريداته إلى الإساءة للأهلي ولمصر والمصريين.

ولم يكتفوا بذلك بل دشنوا هاشتاجات أخرى للدفاع عن أبو تريكة والأهلي وردّ الإساءة، مثل (أدعم_أبو_تريكة)، سخر فيه كثيرون من الإساءات السعودية والمقارنة بين آل الشيخ وكيان النادي الأهلي، مُذكّرين بأن تأسيس الأهلي في مصر عام 1907 سبق بعشرات السنين تأسيس المملكة العربية السعودية ذاتها.

وكانت هناك تغريدات عنصرية تصف المصريين بالطعمية (لفظ مسيء يطلقه بعض السعوديين على المصريين بغرض الإهانة اللفظية)، ردّ عليها مصريون بوصف “آل الشيخ” بـ”شوال الرز”.

وكان لافتًا أيضًا مجموعة كبيرة من التغريدت والتعليقات العقلانية التي حاولت أن تفوِّت الفرصة على من أطلق الهاشتاجات لاستغلال الأزمة والوقيعة بين الشعبين المصري والسعودي.

لكن الملاحظة الأبرز كانت في الكيفية التي نجح من خلالها مطلقو الهاشتاجات في تحوير القضية واستغلال الأزمة الخليجية وإقامة أبو تريكة في قطر لشن هجوم عليه، مستغلين أيضًا الإعلام المصري الموالي للسلطة في مصر وإدراج اللاعب على قائمة الإرهابيين.

فتحول الحديث من الأزمة بين آل الشيخ والنادي الأهلي، إلى قطر والأزمة الخليجية واتهام أبو تريكة بالعمالة والإرهاب، إلى الحدّ الذي صُوِّر فيه أبو تريكة أداة في يد قطر للإساءة إلى السعودية.

وعلى طريقة تعاطي الإعلام السعودي والمصري مع الأزمة الخليجية والتصريحات الملفقة لأمير قطر حينها، تعاطى الذباب الإلكتروني السعودي وبعض المصريين من أتباع الإعلامي أحمد موسى وغيره مع تغريدات أبو تريكة.

فهم اتهموه بالإساءة للسعودية ولآل الشيخ والعمالة لقطر، رغم أن تغريداته انصبت على النادي الأهلي ولم تتحدث عن المملكة والوزير إلا بكل توقير واحترام، كما لم يذكر قطر لا من قريب ولا من بعيد.