العدسة – معتز أشرف

هذه جولة انتخابية فاصلة تأتي في ظل توتر بالغ في باكستان، يترقبها الجميع بدقة واهتمام، تدور فيها رحى معركتين؛ الأولى في الصناديق بين الأحزاب المتصارعة، خاصة حزبي الرابطة والإنصاف، والثانية في الكواليس بين الدولة العميقة “الجيش والمخابرات”، وبين العائد للانتقام ممن عزلوه “نواز شريف”، وهي أجواء نتوقف عند مظاهرها ومؤشراتها القريبة وفرص الفرقاء فيها.

وبدأ السباق!

هذه هي المرة الأولى فى تاريخ باكستان التي شهدت العديد من الانقلابات العسكرية، التي تنهي فيها حكومتان مدنيتان ولاية تشريعية كاملة، وتعتبر هذه المرة الثالثة منذ الانتخابات العامة في 2002، التي تكمل فيها المجالس النيابية دورتها الكاملة قبل أن يجري تسليم الصلاحيات من حكومة منتخبة إلى أخرى جديدة ومنتخبة أيضًا، وهو ما ثمّنه وزير المالية الباكستاني، مفتاح إسماعيل، قائلًا في تصريحات صحفية: «إنه ثاني برلمان ينهي ولايته، ننتظر بفارغ الصبر لنرى حكم الشعب على أدائنا».

ودرات عجلة الاستعداد للانتخابات بعد ولادة متعسرة لمباحثات المعارضة والسلطة، وذلك بإشارة من رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي قال فيها: إن باكستان عيَّنت كبير القضاة السابق ناصر الملك رئيسًا مؤقتًا للوزراء والذي عمل أيضًا كرئيس مؤقت للجنة الانتخابية في باكستان، وذلك لحين إجراء انتخابات عامة حتى 25 يوليو، كما سيتم حل الحكومة والبرلمان الحاليين يوم الخميس، وأضاف عباسي للصحفيين وهو يجلس بجوار زعيم المعارضة سيد خورشيد أحمد شاه ”لا يمكن لأي باكستاني أن يعترض على هذا الاسم“.

وجاء الاتفاق كطوق نجاة، بعد أن كادت أن تفشل المباحثات بين رئيس الوزراء شهيد خاقان عباسي وزعيم المعارضة في «الجمعية الوطنية» خورشيد شاه إلى طريق مسدود بشأن تسمية القائم بأعمال رئيس الوزراء بعد عقد ستة اجتماعات، وكان من المرتقب في حال الفشل في المباحثات أن يتولى المتحدث باسم الجمعية الوطنية، إياد صادق، تشكيل لجنة برلمانية من ثمانية أعضاء لاتخاذ قرار في غضون ثلاثة أيام من تاريخ إخطار اللجنة.

وعد عمران أم الجيش!

في هذا الأثناء وعد حزب السياسى الباكستانى عمران خان بطل الكريكيت السابق والمحسوب على الدولة العميقة وخاصة المؤسسة العسكرية، بطرد الحكام “الفاسدين” بحسب تعبيره وتعبيرات الدولة العميقة بحق رئيس الوزراء المعزول نواز شريف، وكتب الحزب فى تغريدة على تويتر الأحد أن “الأمة الباكستانية يمكنها أن ترى فجر باكستان جديدة لا يحكمها الفاسد”. وأرفقت التغريدة برسم كتب عليه “انتهت لعبة المافيا”، وأضافت حركة الإنصاف فى تغريدة أخرى “أوقفونا إذا استطعتم”.

ويتهم بطل الكريكيت السابق بعد سنوات من صعوده فى المعارضة بموالاة الدولة العميقة، وعادة يُقصد بـ”الدولة العميقة” في باكستان كل من الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية، فضلًا عن بيروقراطية مدنية متشعبة في كافة المؤسسات تقدم الدعم للقوى العسكرية والأمنية، ولا يمكن تحديد نطاق هذه الدولة، بحسب مراقبين وهي أقرب لمصطلح “دولة داخل الدولة”.

عمران خان يؤكد باستمرار أنه يريد تخليص باكستان من الفساد، كما وعد بتوظيف استثمارات فى التعليم والصحة، ويتمتع عمران خان بشعبية كبيرة بحسب وكالة الأنباء الفرنسية بين الشباب والطبقات الوسطى، لكن حزب الرابطة الإسلامية يتمتع بدعم كبير فى البنجاب، الولاية التي تضمّ أكبر عدد من السكان فى باكستان والتي تعد أساسية فى الاقتراع.

الفقراء والشباب هما من يخاطبهما عمران خان بوضوح، واستعرض خان أمام حشد انتخابي مؤخرًا خطة مؤلفة من 11 نقطة لبدء عهد جديد من الرخاء بعد إجراء الانتخابات العامة التي يأمل أن تجعل منه رئيسًا للوزراء؛ حيث وعد بتغييرات جذرية لصالح الفقراء وذلك في مستهل حملته الانتخابية من مدينة لاهور التي لطالما كانت معقلًا لسلطة رئيس الوزراء المخلوع نواز شريف، وقال: “اليوم نحن في مفترق طرق.. حان وقت الطموح الجامح وتغيير أقدارنا، وهذا النظام لا يمكنه أن يعمل إلا إذا وقفنا مع الكادحين.. أنا أقف معكم.. حان الوقت لباكستان جديدة”.

معركة موازية!

وعلى التوازي مع الانتخابات يرى مراقبون أن معركة أخرى لا تقل أهمية ستشتعل لتصفية حسابات بين “الدولة العميقة” والجيش في قلبها والسلطة السياسية وفي مقدمتها حزب الرابطة الإسلامية، والتي بدأت مع قرار المحكمة الدستورية بمنع رئيس الوزراء المعزول نواز شريف، من ممارسة السياسة، على خلفية “وثائق بنما”، حيث يتهم نواز شريف خان بأنه دمية لمؤسسة الجيش التي تتمتع بنفوذ واسع ولها تاريخ من التدخل في السياسة، لكن خان ينفي التواطؤ مع الجيش كما ينفي الجيش التدخل في السياسة، لكن عندما ركز الشارع الباكستاني على “وثائق بنما” بشأن الفساد استغل حزب حركة الإنصاف وقائده عمران خان القصة، خاصة أنها التي أشعلت فتيل عزل نواز شريف (67 عامًا) من منصبه، وكانت رغبة “الإنصاف” زجّ “الرابطة الإسلامية- جناح نواز شريف” في الانتخابات مبكرًا عبر تأجيج الصراع الداخلي المحتمل في الحزب، ولكن لم تأتِ الرياح بما تشتهي السفن.

وفي انتخابات عام 2013 أصبح حزب عمران خان من أبرز الأحزاب السياسية الباكستانية، وكان الاتهام يلاحقه بأن الجيش والاستخبارات يدعمانه بعد رحيل مشرف عن السلطة،، حيث حصل الحزب في تلك الانتخابات على 30 مقعدًا برلمانيًا وأصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان بعد حزب “الرابطة الإسلامية” الحاكم الذي حصل على الأغلبية المطلقة، وعلى الرغم من أن المعارضة في البرلمان يقودها حزب “الشعب” الباكستاني، إلا أنّ “الإنصاف” كان منذ البداية حزبًا مناوئًا لنواز شريف، وعندما أصدرت المحكمة الباكستانية قرارًا بعدم أهلية شريف للترشح اعتبر حزب خان هذا الأمر انتصارًا كبيرًا له.

فرص الفرقاء!

الفرص متقاربة، لكن قد يحقق حزب حركة الإنصاف مفاجأة، ووفق مراقبين لوكالة فرانس برس أن حركة الإنصاف تخوض الانتخابات فى ظروف مناسبة لها، لكنه لا يتوقع فوزها فى الاقتراع بما يتيح لها تشكيل الحكومة، مؤكدين أنّ “هناك أمرًا واحدًا واضحًا، وهو أن عدد مقاعد حركة الإنصاف سيرتفع وعدد مقاعد حزب الرابطة الإسلامية- جناح نواز سينخفض، لكن لا نستطيع أن نتكهن بحجم ذلك حاليًا”.

وفي المقابل يرى البعض أن حصيلة أداء حزب الرابطة الإسلامية- جناح نواز قد تكون أفضل، فقد تراجع غياب الأمن إلى حد كبير، وتمت تسوية أزمة الطاقة الخطيرة مع ما تسببه من انقطاع للتيار الكهربائي، إلى حد كبير. ومؤخرًا تم تدشين مطار دولي جديد في إسلام آباد. كما تم شق العديد من الطرق، لكن حزب الرابطة الاسلامية- جناح نواز واجه ضربات قاسية عديدة، ففي يوليو الماضي، أنهت المحكمة العليا ولاية نواز شريف على رأس الحكومة بعد الكشف عن عقارات فخمة تمتلكها عائلته عبر شركات اوف-شور ومنع القضاء بعد ذلك شريف من قيادة الحزب الذي أسسه ثم من المشاركة في أي اقتراع مدى الحياة.

معسكر نواز شريف ينفي التهم عنه ويرى أنه وقع ضحية لمؤامرة حاكها الجيش الباكستاني الذي يتمتع بنفوذ كبير ويُعدّ من ألدّ أعدائه، لكن الضربات جاءت قاسية له، ففي أبريل الماضي، أقيل وزير الخارجية خواجة آصف أيضا بسبب مخالفته القواعد الانتخابية، وبعد أسبوع أطلق رجل النار على وزير الداخلية إحسان إقبال الذي يتعافى حاليًا من الجروح التي أصيب بها، وعلى الرغم من الأحكام القضائية الصادرة ضد حزب الرابطة، فاز الحزب مؤخرًا في انتخابات فرعية عدة، ما يؤكد رجحان بقائه في الحكم وفق مراقبين لتبقى باكستان ملتهبة جوًا وأرضًا.