العدسة – معتز أشرف

دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر من توابع ”فجوة كبيرة“ في التمويل المطلوب للاجئين السوريين في منطقة الشرق الأوسط، وتحدثت عن تهديد الاستقرار الاجتماعي في الدول التي تستضيف اللاجئين ومستقبلهم.

نرصد الأزمة وتوابعها في المستقبل القريب.

بيان أزمة

من السر إلى العلن أصدرت الأمم المتحدة بيان أزمة ونداءً عاجلًا، بعدما تأخر دعم المانحين الدوليين المفترض عبر تقديم 5.6 مليار دولار هذا العام لدعم 5.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في الأردن، ولبنان، وتركيا، والعراق، ومصر، وأربعة ملايين مواطن من تلك الدول المستضيفة لهم، فيما كشف مديرو العديد من وكالات الأمم المتحدة في مؤتمر في عمان مع قرب حلول منتصف 2018 تم تقديم ما بين 18 و22 % فقط من التمويل المطلوب.

وكانت الأمم المتحدة قد عبّرت بالفعل عن قلقها من أن التعهدات بالمساعدات في 2018 تقل عن المستهدف بعد مؤتمر للمانحين في بروكسل في أبريل نيسان، وبرزت المشكلة بصورة أكثر حدة في لبنان والأردن اللذين يستضيفان على الترتيب أعلى وثاني أعلى حصة من اللاجئين كنسبة من عدد السكان، وقالت المفوضية: إنّ برنامج الإغاثة في لبنان لم يحصل سوى على 12 % من تمويله بينما حصل الأردن على 21 % فقط من التمويل اللازم.

وتستضيف تركيا ولبنان والأردن معظم اللاجئين السوريين بينما فرّ مئات الآلاف إلى أوروبا ومناطق أخرى، وتريد الدول الأوروبية إبقاء اللاجئين في دول حول سوريا إلى أن يتاح لهم العودة بسلام إلى بلدهم، وانتقل كثير من اللاجئين إلى مناطق فقيرة بالفعل في دول مثل لبنان، حيث تراجع النمو الاقتصادي إلى ما بين واحد واثنين في المئة سنويًا مقارنة مع ما يترواح بين ثمانية وعشرة بالمئة قبل الحرب، وهو ما يضغط على الخدمات العامة ويزيد التسابق على الوظائف.

وقال صموئيل رزق المسؤول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنَّ من الضروري للغاية دعم دول مثل لبنان والأردن وتركيا من أجل الحفاظ على التماسك الاجتماعي، فيما اعترف أمين عوض مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين  بالأزمة وحذر من مخاطرها، قائلًا ”نحن بالفعل متأخرون في تقديم المساعدة النقدية… وفي دعم الحكومات والسلطات المحلية من أجل مواصلة تقديم الخدمات للاجئين، ولكن اللاجئين والنازحين السوريين يزدادون فقرًا وديونًا مع طول أمد الحرب وإن مئات الآلاف من الأطفال يتسربون من التعليم، وبات الوضع بائسًا للغاية“.

 أوضاع بائسة!

ميدانيًا لدى لبنان ثالث أعلى معدل للدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم كما يعاني اقتصاده من الركود، فيما شارك آلاف الأردنيين في إضراب يوم الأربعاء الماضي  احتجاجًا على زيادات ضريبية بتوجيه من صندوق النقد الدولي وتراجع مستوى المعيشة، وتكافح تركيا لاحتواء التضخم في ظلّ مؤامرات واسعة ضد اقتصادها قببيل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فيما ترزح مصر تحت وضع اقتصادي غير مسبوق وصعب بحسب المراقبين، أما العراق فالوضع الاقتصادي فيه أصعب وتتحدث تقارير منذ العام 2015 عن قرب إفلاس الدولة.

أصداء الأزمة ظهرت بقوة على السطح؛ حيث دعا رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق رياض أبو كركي في وقت سابق  إلى طرد اللاجئين السوريين من الأردن وإلقائهم على الحدود كحل للأزمة الاقتصادية ونقص الاستثمارات التي تشهدها البلاد، مضيفًا في تصريحاته له: “إذا كان اللجوء السوري والاستثمار من أسباب و أبرز التحديات التي تواجهنا في الأردن.. الحل سهل جدًا تحميل اللاجئين السوريين في قلابات ورميهم خارج الحدود وتشجيع الاستثمار وتقديم كل التسهيلات للمستثمرين”، فيما صرَّح وزير الخارجية اللبناني “جبران باسيل”، في يوليو 2017 قائلًا: “نبهنا من اليوم الأول بأن ملف النازحين يُشكّل هاجسًا أساسيًّا لدينا، وأصبح حقيقة، كونه يُشكّل ملجأ ومأوى لبعض الإرهابيين”.

ووفق تقرير مشترك أصدرته مجموعة البنك الدولي والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن ما يقرب من تسعة من بين كل عشرة لاجئين سوريين مسجلين يعيشون في الأردن إما فقراء أو من المتوقع أن يكونوا فقراء في المستقبل القريب، استنادًا إلى مستوى المساعدة من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وحوالي نصف اللاجئين هم من الأطفال، والغالبية من النساء، حيث يعيش السوريون البالغ عددهم ما يقرب من 1.7 مليون شخص، ممّن تم تسجيلهم في الأردن ولبنان، في ظروف محفوفة بالمخاطر، ولا يتمتع اللاجئون إلا بالقليل من الحقوق القانونية، ويواجهون قيودًا في الحصول على الخدمات العامة، بسبب زيادة الطلب إلى مستوى لا مثيل له، وتعيش الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين على الحواف، في المناطق الحضرية أو شبه الحضرية، ويعيش الكثير منهم في مستوطنات غير رسمية، وليس في مخيمات للاجئين.

وفي العراق تتحدث التقارير الحقوقية عن أن أوضاعًا اقتصادية وصحية غير لائقة، حيث لا يوجد تخطيط صحيح وسليم لمختلف مراحل المخيم، أما فيما يخص حضور المنظمات الدولية، فهو لا يكاد يُذكر، وهناك شح كبير في رؤية متوسطة إلى بعيدة الأمد في توقع وصول اللاجئين الجدد إلى المخيم. وفي حين أبدت السلطات الكردية في البداية سياسة ترحيبية باللاجئين، ما زال غياب دعم المجتمع الدولي سببًا في دفعهم إلى تقييد المساعدة بطرق مختلفة، وفي مصر فإنّ الأمم المتحدة تحدثت عن أن  54 % من اللاجئين السوريين في مصر يعيشون تحت خط الفقر وأن 20 % منهم عاطلون عن العمل، وفي تركيا عرضت المفوضية الأوروبية تمويلًا إضافيًا على الحكومة التركية لدعم اللاجئين السوريين على أراضيها، لقاء استمرار الأخيرة بضبط تدفق اللاجئين إلى دول الاتحاد.

ووفق دراسة لمركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط، لاتزال الدول المجاورة لسورية تتخبّط في مواجهة التحدّيات الهائلة الناجمة عن توفير السكن والرعاية الصحية أو سواها من الخدمات الأساسية للاجئين. ترزح البنى التحتية للبلدان المضيفة تحت ضغوط شديدة، وتتخبّط لمواجهة التأثير الاقتصادي الواسع الناجم عن تدفّق اللاجئين.

وأضاف المركز في تقدير موقف حديث له أن  توطين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا في المدى الطويل، وفقًا للمطالبات، يقتضي التزامات مالية دولية مكثّفة وطويلة المدى، ما يعرّض البلدان المذكورة للهشاشة والمعطوبية في حال تبدّلت أولويات المانحين ونفدَت مصادر التمويل، محذرًا من أن التعجيل في إعادة اللاجئين إلى ديارهم طبقًا للظروف الحالية سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة أصلًا في سوريا.

مستقبل اللاجئين !

الطرد بات شبحًا يلاحق اللاجئين في ظل الأوضاع البائسة المستمرة، خاصة مع استمرار الحملات المتزايدة التي تستهدف اللاجئين السوريين بالتزامن مع تزايد الدعوات لإعادة اللاجئين لدول الصراعات، بالتوازي مع خطاب إعلامي بات يرى في اللاجئين تهديدًا أمنيًّا وعبئًا اقتصاديًّا، وهو ما يزيد من انتشار الحملات الشعبوية وخطاب الكراهية والعنف ضد اللاجئين ليس فقط في أوروبا، وإنما في الشرق الأوسط أيضًا.

اللجوء إلى التطرف كان أحد المخاوف المستقبلية، بحسب مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الذي أشار إلى أن هناك مخاوف من اتجاه اللاجئين في بعض الدول إلى تبني العنف والتطرف، والانضمام إلى جماعات إرهابية وتنظيمات مسلحة، مثل “القاعدة” وداعش”، موضحًا أنه مع تفاقم أزمة اللاجئين السوريين في ظل تدهور الوضع بالبلاد، باتت هذه المخاوف محل اهتمام عدد من المراكز البحثية، ومنها مؤسسة “راند” الأمريكية، ففي تقرير صادر بعنوان: “تقليل مخاطر تطرف اللاجئين: دروس لمنطقة الشرق الأوسط من أزمات سابقة”، تطرق عدد من الباحثين في مؤسسة “راند”، إلى توضيح الدوافع التي قد تؤدي إلى زيادة مخاطر تطرف اللاجئين، وكيفية تجنبها، مع استعراض بعض التجارب التاريخية في هذا الصدد، والاستفادة منها في التعامل مع الحالة السورية.

وفي تقدير موقف للمركز طرح بُعد آخر للمستقبل في ظل الوضع الراهن، وذلك تحت عنوان “فرص وتحديات دمج اللاجئين السوريين في الاقتصاديات المحلية”؛ حيث رصد تحرك العديد من الدول المستضيفة للاجئين السوريين في تطبيق سياسات متماسكة لدمجهم داخل الاقتصاديات المحلية عبر تأهيلهم للالتحاق بسوق العمل، وحفز استثماراتهم، لا سيما من ذوي “الملاءة المالية”، وهي سياسة تستهدف بالأساس تخفيف الأعباء المالية التي تتحملها الحكومات لتوطينهم، وفي الوقت نفسه تساعد في دمجهم بالمجتمعات المحلية في النهاية، مشيرًا إلى أن تركيا أكثر النماذج نجاحًا في استيعاب السوريين داخل اقتصادها، سواء بسوق العمل أو استقبال استثماراتهم، فقد أصبحت السوق التركية مقصدًا رئيسيًّا لاستقبال الاستثمارات السورية المتخارجة من سوريا.