إبراهيم سمعان
التصريحات الروسية إلى جانب الاشتباكات المسلحة الأخيرة بين طهران وتل أبيب على الأراضي السورية، تميل فيها كفة الميزان بوضوح لصالح الجانب الإسرائيلي.
تحت هذه الكلمات قالت صحيفة “لوريون لوجور” الناطقة بالفرنسية: لو كانت سوريا ملعبًا، لفازت إسرائيل في الجولة الأولى ضد إيران، مشيرة إلى أنه بالتوازي مع محاربة المتمردين لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، قامت إيران بصبر بنسج شبكتها عبر الأراضي السورية من خلال إنشاء قواعد للتدريب والاستخبارات.
وأضافت: “من أجل تأسيس وجود دائم أقرب ما يمكن إلى الحدود الإسرائيلية، أرادت طهران بناء قاعدة بحرية في طرطوس، وهو طلب رفضته موسكو على ما يبدو”.
وأوضحت أنه في مواجهة الاستيطان المنهجي للإيرانيين بالقرب من حدودها، هاجمت إسرائيل بلا هوادة في الأشهر الأخيرة قواعد ومرافق للقوات الإيرانية في سوريا، حيث إنه في عام 2015 بالفعل، أدت غارة إسرائيلية على الجولان السوري إلى مقتل 12؛ ستة جنود إيرانيين، بما في ذلك جنرال، وستة مقاتلين من حزب الله.
استمرت لعبة (القط والفأر) لعدة أشهر، فزيادة الضربات الجوية الإسرائيلية ضد القواعد الإيرانية في سوريا، سواء جنوب دمشق أو مطار T4 الشهير في محافظة حمص، يوضح الزيادة في الأنشطة الإيرانية بهذا المجال، تكتب الصحيفة.
ولفتت إلى أن الاشتباكات بين الجانبين بلغت ذروتها يوم 11 مايو، عندما ضرب الجيش الإسرائيلي عشرات الأهداف العسكرية الإيرانية في سوريا ردًّا على إطلاق القوات الإيرانية نحو عشرين قذيفة على مواقع في الجولان.
فمنذ ذلك الحين يدل هذا على تفوق عسكري “ساحق” وفعالية أجهزة ومخابرات تل أبيب، وبحسب وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، دمرت “كل البنية التحتية الإيرانية في سوريا”، حيث وصفت هذه العملية بأنها أهم هجوم جوي إسرائيلي في سوريا منذ عام 1974.
روسيا
وتقول الصحيفة: إلى جانب هذا النجاح العسكري، تبدو المساعي الدبلوماسية الإسرائيلية أيضًا ناجحة، فالجهود المستمرة التي يبذلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأهمية التهديد الإيراني لأمن إسرائيل تؤتي أكلها.
“نتنياهو” بدأ بإقناع الرئيس الروسي في سبتمبر 2015 خلال كل مناسبة، أن الوجود الإيراني في سوريا يشكل تهديدًا إستراتيجيا لإسرائيل، وفي الوقت نفسه تعمل الحكومة الإسرائيلية على عدم إحراج الروس في هذا المجال.
فبالإضافة إلى آلية التعاون بين الجيشين، لم تستهدف الغارات الإسرائيلية الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في الميدان لدعم الغارات الجوية الروسية ضد المتمردين، ولطالما كانت الغارات الإسرائيلية تستهدف منشآت عسكرية من طائرات بدون طيار أو صواريخ، وأيضًا مستودعات للأسلحة.
جنوب سوريا
وتؤكد الصحيفة أنه إضافة إلى ذلك، حاولت إسرائيل عبثًا، في نوفمبر الماضي، فرض شروطها على الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين روسيا والولايات المتحدة والأردن بشأن جنوب سوريا، كان الإسرائيليون يطالبون في ذلك الوقت بمنطقة عازلة طولها 60 كم بين حدودها والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، في النهاية وصل هذا إلى 20 كم فقط، ما أثار استياء الإسرائيليين.
وتشير إلى أنه يوم الأحد الماضي، أكد المسؤولون الإسرائيليون أنه على روسيا الآن تقبل مطالبهم، وعلى ما يبدو رُفضت مشاركة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في الهجوم السوري القادم لاستعادة درعا، كما اقترحت موسكو نشر رجال شرطة روس على حدود الجولان.
كما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان (OSDH)، نقلًا عن “هآرتس”، إن القوات الموالية لإيران وحزب الله تستعد لمغادرة جنوب سوريا، بما في ذلك مناطق درعا والقنيطرة، بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل، لكن هذه المعلومات، وفقا للصحيفة الإسرائيلية، نفاها مسؤولون مقربون من النظام السوري.
في الوقت نفسه، زار ليبرمان موسكو، والتقى بوزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، حيث كان الموضوع الرئيسي هو التوتر بين الإسرائيليين والإيرانيين في سوريا، وكتب “ليبرمان” عقب لقائه بساعة ونصف مع نظيره الروسي: “إن إسرائيل تقدر تفَهُّم روسيا للمخاوف الأمنية، لاسيما حول الوضع على حدودنا الشمالية”.
وتقول “لوريون لوجور”: أصبح التغيير في الموقف الروسي واضحًا منذ الاشتباكات بين الإيرانيين والإسرائيليين يوم 11 مايو، والتي وقعت بعد اجتماع آخر بين “نتنياهو” و”بوتين”، فهذا الأخير كان أكثر وضوحًا عندما اجتمع بعد بضعة أيام مع الرئيس السوري في سوتشي، وقال إنه يجب على جميع “القوات الأجنبية الانسحاب من الأراضي السورية”.
وأضافت أن روسيا تريد بقاء نظام بشار الأسد، لكن احتمالات نشوب نزاع بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل داخل الأراضي السورية قد يزعزع استقرار دمشق، وبالتالي، تدمير جهود روسيا التي تدخلت في سوريا منذ سبتمبر 2015 لدعم النظام السوري.
في الواقع، نشوب نزاع مسلح بين اثنين من اللاعبين الإقليميين على الأراضي السورية، من شأنه أن يقوض النجاحات العسكرية من الروس، الذين يحاولون الآن ترجمتها إلى انفراجة سياسية، ويسعون للحصول على موافقة من قبل مختلف الأطراف، في ظل رفض إسرائيل أي وجود عسكري إيراني في جميع أنحاء الأراضي السورية.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستقبل إيران الشروط الروسية، بعد أن تكبدت ثمنًا باهظًا للحفاظ على الأسد في السلطة؟ الجواب سيكون في الجولة الثانية…
اضف تعليقا