منصور عطية

يبدو أنَّ المسألة أصبحت مجرد وقت فيما يخص الموقف الكويتي من الأزمة الخليجية التي تقترب من عامها الأول، فلم يعد التساؤل هل لا تزال الكويت وسيطًا في الأزمة؟ بل أصبح متى تضمها دول الحصار رسميًا بجوار قطر؟

الموقف من حركة المقاومة الإسلامية حماس، ربما يكون آخر إرهاصات هذه التساؤلات، بعدما أقدمت الكويت على تحرك غير مسبوق في مجلس الأمن، من المؤكد أنه سيثير غضب السعودية والإمارات.

حماس قد تشعل الأزمة

وكشفت مصادر دبلوماسية بالأمم المتحدة، أنّ الكويت أعاقت صدور مسودة البيان الذي وزعته واشنطن، الثلاثاء، بشأن إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه الأراضي المحتلة.

وأوضحت المصادر، وفق تقارير إعلامية، أن مشروع البيان الأمريكي كان يتضمن “إدانة إطلاق حركة حماس الفلسطينية، الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل”.

ويتطلب إصدار البيانات الرئاسية أو الصحفية بمجلس الأمن موافقة جماعية من كل أعضاء المجلس (15 دولة).

ومنذ صباح الثلاثاء يسود التوتر قطاع غزة؛ حيث قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عشرات الأهداف في القطاع، وقالت حركتا حماس والجهاد الإسلامي: إنهما قصفتا المواقع والبلدات المحتلة المحاذية للقطاع، بعشرات القذائف الصاروخية، ردًا على الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

وتأتي هذه التطورات إثر استشهاد 4 فلسطينيين وإصابة آخر، ينتمون للحركتين جراء قصف إسرائيلي لمواقع فلسطينية، وأعلنت حماس، الأربعاء، التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل عبر وساطات (لم تحددها)، يقضي بالعودة إلى تفاهمات وقف إطلاق النار المعمول بها منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع في 2014.

ولعلَّ هذا التحرك الكويتي لن يرضي على أقل التقديرات كلًا من السعودية والإمارات، لموقفيهما المعلن والخفي من الحركة، خاصة منذ فرض الحصار على قطر قبل عام من الآن.

في نوفمبر الماضي، تم الضغط بقوة اللوبي الإماراتي والسعودي لموافقة لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي على تشريع يعاقب الحكومات والأفراد الأجانب الذين يقدمون الدعم المالي والمادي لحركة حماس.

وبحسب ما كشفته تقارير إعلامية غربية، نُشرت في وقت إعداد القانون في بداية الأزمة الخليجية يونيو الماضي، فإنَّ “إسرائيل لم تكن قادرة على الانضمام المباشر لخطوة حصار قطر التي تقودها السعودية، بسبب الاتصال المحدود بين الطرفين، لكن هذا لم يمنعها من الدعم القوي والتأييد المباشر لتحرك جماعات الضغط السعودية والإماراتية لرؤية الكونجرس الأمريكي يمرر تشريعات معادية لقطر”.

وأضاف التقرير الذي نشره موقع (ANTI WAR) الإخباري أنَّ مشروع القانون الذي يستهدف في المقام الأول معاقبة قطر لدعمها حماس، يحظى بدعم كبير من قبل أعضاء في مجلس النواب حصلوا على تبرعات من جماعات الضغط الإسرائيلية، وكذلك من تلك الموالية للسعودية.

كما أنَّ تصريحات مسئولي البلدين (السعودية والإمارات) دأبت على وصم حماس بالإرهاب والتطرف، بل اشترطوا طرد قادتها من الدوحة ووقف دعمها لعودة العلاقات مع قطر.

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أدلى بتصريحات أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي فبراير الماضي، قال فيها: إنَّ حركة حماس “متطرفة”، وإن “قطر أوقفت دعمها للحركة وهذا ساعد على تسهيل تسليم المكاتب الحكومية التي كانت تحت سيطرة الحركة إلى السلطة الفلسطينية”.

الكويت في المربع القطري

اللافت أنّ تلك التطورات تتزامن مع تحليل سياسي للأكاديمي العماني والخبير في الشؤون الاستراتيجية، عبد الله الغيلاني، حذّر خلاله من تفاقم “التصدع الاستراتيجي بين الدول الخليجية”، إذا استمرّ تصعيد الأزمة مع قطر، كاشفًا عن دولتين أخريين سيواجهان مصير قطر.

ولم يستبعد الغيلاني أن تجد دولتا الوساطة– على حد تعبيره- الكويت وعـمان، نفسيهما في “المربع القطري”، ورأى أنّ “الأزمة الخليجية ليست من قبيل الخلافات السياسية الطبيعية ذات المستوى المتوسط، فهذا يحدث بين النظم السياسية، وأنه أمر معتاد ومقبول، لكن حينما يكون خلاف على مصالح عليا أو على إدارة نزاع معين هنا يكون الأمر مختلفًا”.

ولدى سؤاله، هل يمكن لدول خليجية أخرى أن تتعرض لما تعرضت له قطر، أوضح الغيلاني أن “الموقف الرسمي المعلن للكويت وسلطنة عمان هو الحياد، وهذا لأسباب دبلوماسية محضة”.

وتابع محذرًا: “لكن في تقديري عبر قراءتي للرأي العام الكويتي، هناك ما هو أكثر من قلق ربما هناك شعور يقترب من اليقين أن ما حدث لقطر من عدوان سياسي يمكن أن يحدث لسلطنة عمان والكويت”.

ورجَّح أن موقف الكويت وسلطنة عمان “سيتوقف على مسارات التصعيد، إذا جنحت دول الحصار إلى مزيد من التصعيد، ومزيدٍ من التضييق والحصار والنفي لقطر، ربما تجد الكويت وعمان نفسيهما في نفس المربع القطري”.

تصريحات “غير دبلوماسية”

وعلى مدار الأشهر الماضية، تسبَّبت تصريحات متبادلة بين مسؤولي السعودية والكويت في نشوب أزمات دبلوماسية كادت أن تتطور، لولا أن الطرفين التزما الهدوء وسيطرا على الوضع.

ففي مارس الماضي أطلق نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع الكويتي، ناصر صباح الأحمد الصباح تصريحات قال فيها إنّ “التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضروري باعتبارها جارًا ذا حضارة عريقة”.

وأصرّ الوزير على إقحام السعودية في الأمر عند الحديث عن الإجراءات التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان بكلمات تضمنت اتهامات ضمنية لابن سلمان بالانفراد بالقرار والديكتاتورية؛ حيث قال: “لدي احترام وتقدير كبيران لصاحب السمو الأمير محمد بن سلمان لكننا نختلف تمامًا.. نحن دولة لها دستور والطريقة التي تتعامل فيها بالنظام الدستوري والبرلمان اصعب بكثير من اتخاذ قرار من قبل الحكومة وتفعل ما تشاء فرديًا دون الرجوع للبرلمان”.

اللافت أن تلك الأزمة جاءت بعد أقل من شهرين على أزمة أخرى كادت تتطور دبلوماسيًا بسبب تغريدة للمستشار في الديوان الملكي السعودي ورئيس هيئة الشباب والرياضة “تركي آل الشيخ”.

المسؤول السعودي المثير للجدل وصف في تغريدة على تويتر وزير التجارة والصناعة والدولة للشباب الكويتي خالد الروضان بـ”المرتزق” بعد أن عبر الوزير الكويتي عن تقديره لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لما قدَّمه من أجل رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية خلال زيارة رسمية قاد فيها وفدًا كويتيًا إلى الدوحة.

وقال خالد الجار الله، نائب وزير الخارجية الكويتي، في تصريحات صحفية: إنه في إطار تلك العلاقات الأخوية “عبرنا عن الأسف والعتب للإساءة التي وجهت للفاضل الوزير خالد الروضان الذي يحظى بثقة تامة وتقدير بالغ من الجميع”.

ورأى أن تلك الإساءة “تمس العلاقات الأخوية الحميمة والمتميزة بين البلدين الشقيقين”، معربًا عن ثقته بأن “الأشقاء في المملكة لن يقلوا عنا حرصًا على علاقاتنا الأخوية والبعد بها عن كل ما من شأنه المساس والإساءة لها”، لكن هؤلاء الأشقاء خيَّبوا ظن المسؤول الكويتي، فقد اعتبرت الرياض تعليق آل الشيخ “لا يتجاوز المألوف”، كونها صدرت منه بصفته رئيس اللجنة الأولمبية وهو منصب لا صفة سياسية له.

المقدمات تقود إلى النتائج

ولم تكن العلاقات بأي حال من الأحوال على طبيعتها بين السعودية والكويت منذ اندلاع الأزمة الخليجية وإعلان الأخيرة وساطتها للحل؛ حيث تخلل تلك الفترة الممتدة على مدار أكثر من 10 أشهر العديد من الشواهد التي أبقت فقط على شعرة معاوية في تلك العلاقات التوترة.

ففي يناير الماضي، وقبل أيام قليلة من تغريدة “آل الشيخ”، زار وزير الدفاع الكويتي الدوحة والتقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعد أيام من استقبال الكويت نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية على رأس وفد رفيع.

وفي نوفمبر، افتتح رئيس أركان القوات المسلحة القطرية، الفريق الركن طيار غانم بن شاهين الغانم، ملحقية عسكرية لبلاده في الكويت، واعتبر البيان الصادر عن وزارة الدفاع القطرية، أنَّ افتتاح الملحقية “يعكس توسع المصالح المشتركة وما وصلت إليه آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين في جميع المجالات، لا سيما في المجال الدفاعي والتعاون العسكري”.

تعاون عسكري غير مسبوق بين قطر أحد طرفي الأزمة والكويت صاحبة دور الوساطة، يلقي بظلال الشك والريبة على هذا الدور إلى حدّ يصبح معه في عداد الموتى.

هذا الاستنتاج يترافق مع اتهامات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للكويت بعدم الحياد في الأزمة الخليجية، وبأنها تتخذ موقفًا محابيًا لقطر.

ففي أواخر أكتوبر الماضي، نشر حساب “العهد الجديد” على تويتر، ما قال إنّها تفاصيل ما جرى بين العاهل السعودي وأمير الكويت خلال زيارة الأخير إلى الرياض، منتصف الشهر ذاته لبحث تداعيات الأزمة الخليجية.

وقال الحساب الذي يعرف نفسه بأنّه قريب من مراكز صنع القرار في السعودية، إن أمير الكويت “شعر بأنه لا يوجد حل للأزمة المتواصلة منذ شهور، وأن الدور قادم على الكويت”.

الملك سلمان اتهم الكويت صراحة بعدم الحياد وبأنها تتخذ موقفًا محابيًا لقطر، رغم أنها تقود جهو الوساطة بين رباعي الحصار وقطر منذ اندلاع الأزمة في يونيو الماضي، وبحسب التغريدات، قال الملك للأمير: إحنا نعرف موقفكم مع قطر وليس محايد، فرد عليه: يا طويل العمر، ما شفت كلمتي في المؤتمر الصحفي مع ترامب، قال: شفتها، وهي مع قطر.

وأشار حساب “العهد الجديد” إلى أنَّه عقب محادثاتهما، جلس أمير الكويت على مأدبة الغداء وهو ضيق الصدر ولم يأكل، ليوصل إلى السعوديين رسالة احتجاج.

وبالتزامن مع افتتاح الملحقية العسكرية، نفت وزارة الدفاع الكويتية، الأنباء التي تداولتها وسائل إعلام ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حول وجود تحركات عسكرية (لم تسمِّ مصدرها) تجاه البلاد.

وفي هذا السياق لا يمكن نسيان الأزمة التي سببتها تصريحات أمير الكويت، بنجاح بلاده في منع عمل عسكري ضد قطر من جانب دول الحصار.

وفي المقابل، أصدرت دول حصار قطر بيانًا مشتركًا قالت فيه إنها “تأسف على ما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري”، مؤكدة أن “الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحًا بأي حال، وأن الأزمة مع قطر ليست خلافًا خليجيًا فحسب، لكنها مع عديد من الدول العربية والإسلامية”.