العدسة – معتز أشرف:

بالتزامن مع الزيارة المقررة بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لواشنطن للاجتماع بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أصدر المرصد السياسي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني المقرَّب من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية تقدير موقف مهم حذّر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التفريط في التحالف مع تركيا، مشيرًا إلى أنّه رغم وجود اختلافات لا يمكن تجاوزها بين البيت الأبيض وتركيا، إلا أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انتظار توتر تركي أمريكي لصالحه. نرصد أبعاد التحذير..

ملف الاختلافات 

في تقدير الموقف الذي حمل عنوان “العقوبات على تركيا: التوفيق بين وجهات النظر المتباينة في واشنطن” وأعدَّه أحد أهم رجال معهد واشنطن سونر چاغاپتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في المعهد، سلط االضوء علي زيارة وزيري الخارجية مؤكدًا أنها تأتي في وقتٍ حسّاسٍ تمرّ به العلاقات الأمريكية- التركية؛ إذ تواجه العلاقات الثنائية أكبر أزمة لها منذ حرب قبرص عام 1974، حيث انتهى ذلك النزاع بحظرٍ أمريكي مؤذٍ على توريد الأسلحة إلى أنقرة- وعانت العلاقة بشدة ولم تتطبع تمامًا لحوالى نصف عقدٍ، وشكّلت سابقة لأي تدهور آخر في العلاقات إذا لم يجد البلدان وسيلة لسد الفجوات المتسعة بينهما حول القضايا الحالية.

وأشار المعهد في تقدير الموقف الذي وصل “العدسة” إلى أنَّ هناك اختلافات لا يمكن تفاديها في الوقت الحالي؛ حيث تؤدي عدة عوامل إلى تقويض العلاقة الثنائية، ومنها: المطالب التركية بتسليم فتح الله كولن، والتحالف التكتيكي الأمريكي مع «وحدات حماية الشعب»، حيث إن هذه الجماعة السورية الكردية هي فرعٌ من «حزب العمّال الكردستاني»، المعترف به كجماعة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ولكن مع اعتزام الرئيس ترامب عدم إرسال المزيد من القوات البرية إلى سوريا، ستستمر واشنطن في الاعتماد على «وحدات حماية الشعب» لاحتواء تنظيم «الدولة الإسلامية» .

من أبرز الخلافات بين البلدين بحسب المعهد قرار تركيا بشراء بطاريات الصواريخ الروسية “إس-400″،  بعد أن خاب أمل أنقرة بسبب رفض واشنطن تزويدها بأنظمة دفاع صاروخية من نوع “باتريوت” وفق شروط مؤاتية؛ حيث لجأت تركيا إلى شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية للحصول على صفقة أفضل من واشنطن، بما فيها عمليات نقل تكنولوجية محتملة، لكن التصرف الحالي المعادي لتركيا في الكونجرس الأمريكي سيجعل من الصعب التوصل إلى مثل هذه الصفقة، وقد يهدف أردوغان أيضًا إلى ردع أي مؤامرات مستقبلية ضده، فخلال محاولة الانقلاب عام 2016، قصفت طائرات تركية من طراز “إف-16” قصره، وقد يعتقد أن المنظومة الروسية الصنع ذات الدرجة العالية من التشغيل الآلي ستحميه بشكلٍ أفضل من قواته الجوية المتوافقة مع قدرة حلف “الناتو”، فضلًا عن اعتقال خمسة مواطنين أمريكيين في تركيا، وأبرزهم القسّ أندرو برونسون الذي دعا إلى إطلاقه الرئيس ترامب شخصيًا عبر “تويتر”. وقال أردوغان: إنه يعتبر هؤلاء الموقوفين بمثابة أوراق مساومة، آملًا مقايضتهم بكولن.

انتهاكات تركيا بحسب توصيف المعهد للعقوبات الأمريكية ضد إيران من أهم الخلافات؛ حيث ستُقرر وزارة الخزانة الأمريكية ما إذا كان هناك احتمال فرض غرامة على “بنك خلق” المملوك للدولة بسبب هذه الانتهاكات، وسيؤدّي العقاب الحاد بشكلٍ مؤكَّد تقريبًا إلى تفاقم التأثير المفسد الذي تُحدثه هذه المسألة على العلاقات الثنائية حيث تنظر أنقرة إلى القضية المرفوعة ضد “بنك خلق” – بما فيها حُكم القاضي الأمريكي على المدير حقان أتيلا بالسجن لمدة اثنين وثلاثين شهرًا- على أنها سياسية بطبيعتها،  وعارضت السلطات التركية ذلك الحُكم الصادر في يناير الماضي، بسبب أن المحاكم الأمريكية لم تتخذ إجراءات مماثلة ضد مصارف أخرى ومديرين آخرين بسبب انتهاك العقوبات على إيران (على سبيل المثال، “بي إن بي باريبا” – BNP Paribas). وبناءً على ذلك، ستؤدي الغرامة الكبيرة ضد “بنك خلق” إلى ترسيخ قناعة أردوغان والعديد من النخب التركية بأن واشنطن تتربص لهم.

وأكّد تقدير الموقف أن انعدامًا كبيرًا للثقة بين النخب السياسية، لا سيما بشأن مسائل الشرق الأوسط، منذ صعود أردوغان إلى السلطة في عام 2003، سبب تقويضًا للعلاقات نظرًا للخلافات حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، بما فيها حرب العراق عام 2003، وأزمة “الأسطول” التركية- الإسرائيلية عام 2010، وقرار أنقرة عام 2010 بالتصويت ضد العقوبات الإيرانية المدعومة من قبل الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي.

انقسامات في الولايات المتحدة

 

ورصد معهد واشنطن في تقريره انقسامات في الولايات المتحدة الأمريكية، موضحًا أن هناك عدة معسكرات في واشنطن تتناقش بشأن كيفية التعامل مع هذه الاختلافات مع تركيا، ومن غير المحتمل أن يتم حل أي من القضايا المذكورة أعلاه في أي وقتٍ قريب، ناهيك لصالح الاستفادة من العلاقات الثنائية؛ وفي الواقع لا يشير مسار هذه الأحداث حاليًّا إلا بالمزيد من التدهور، ومع ذلك، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين العمل على تخطّي الخلافات الكبيرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية- وداخل السلطة التنفيذية نفسها- التي من الأفضل اعتماد مقاربة سياسية إزاءها لمعالجة هذه القضايا.

وأشار إلى أنّه في الكونجرس الأمريكي، يريد العديد من المشرعين اعتماد مقاربة تستخدم القوة مع أردوغان، وهم يعتقدون أنها قد تحاكي رد موسكو عندما أسقطت تركيا طائرة روسية انتهكت أجواءها في نوفمبر 2015. فبعد أن فرض الكرملين عقوبات صارمة سافر أردوغان إلى سانت بطرسبرج في أغسطس 2016 واعتذر شخصيًّا من فلاديمير بوتين. وفي وقت لاحق، بدأت تركيا وروسيا بتهدئة التوترات بينهما حول الحرب الأهلية في سوريا في حين اتفقتا على بعض الصفقات الخاصة هناك، ويبدو أن الكونجرس الأمريكي يعتقد أن الموقف القوي المماثل للولايات المتحدة هو فقط الذي سيقنع أردوغان بتبني سياسات ودية تجاه المصالح الأمريكية، ويشمل التشريع عقوباتٍ تستهدف مسؤولين أتراكًا كانوا السبب وراء اعتقال المواطنين الأمريكيين، وكذلك إجراءات لتأخير المشاركة التركية في مشروع “جوينت سترايك فايتر” (مشروع JSF) لطائرات “إف-35” إذا أكملت أنقرة عملية شراء بطاريات الصواريخ “إس-400” من روسيا، كما أنَّ عملية الشراء نفسها قد تعرّض تركيا لتدابير عقابية عبر “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”.

وأوضح المعهد أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية  لا يدعمان فرض عقوبات على أنقرة – على الأقل ليس قبل الانتخابات التركية في 24 يونيو. وبدلًا من ذلك، يريدان أن يقوما بمحاولة أخرى عبر إدارة المشاكل المختلفة مع أردوغان، باعتقادهما أن تركيا ما زالت أكبر من قائدها الذي طالت ولايته، وبالمثل تُبدي وزارة الدفاع الأمريكية استياءها من سياسة العقوبات، على الرغم من أن “القيادة المركزية الأمريكية”، التي يغطي نطاق مسؤوليتها سوريا، لا تؤيد السياسات الموالية لأردوغان.

بوتين يترقب!

ولفت تقرير المعهد الانتباه إلى أنه على الرغم من أنه لا يجب التقليل من شأن غضب الكونجرس الأمريكي إزاء أردوغان، فإنّ أولئك الذين يدافعون عن نهج “بوتين” الصارم يميلون إلى إساءة فهم العلاقة بين روسيا وتركيا علي رغم أن  العلاقات الحميمة في مجال الطاقة بين موسكو وأنقرة، لا توفر أي تقارب بينهما فهما على طرفيْ نقيض بشأن معظم القضايا الإقليمية تقريبًا، بدءًا من سوريا وإلى أوكرانيا- وليس هذا بالأمر المفاجئ نظرًا إلى الخصومة التاريخية بينهما، وفي المقابل، تبقى العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا مترسخة في حلف “الناتو” وفي عقودٍ من التعاون العسكري الثنائي، بغضّ النظر عن خلافاتهما، وبالتالي، فإنّ تعامل واشنطن مع هذا الحليف له تداعيات عبر النظام الأمني بأكمله الذي تقوده الولايات المتحدة، بما يتجاوز العلاقة مع أنقرة.

وأكد تقدير الموقف أن من شأن أي عقوبات أمريكية أن تخدم الهدف الأسمى الذي يطمح إليه بوتين وهو: التسبب بخلافٍ بين تركيا والولايات المتحدة، فبعد أن عرض على أنقرة صفقات متنوعة في سوريا، بما فيها الضوء الأخضر لمطاردة «وحدات حماية الشعب»، يبدو أن بوتين استجلب الأتراك إلى المكان الذي يريده بالضبط، أي كحلفاء “للناتو” خاب أملهم ويعملون غالبًا مع روسيا، ومن شأن العقوبات أن تقرّب تركيا أكثر فأكثر من موسكو- وربما بشكلٍ دائم، مشددًا على أنه إذا تخلى الكونجرس الأمريكي عن محور “معاقبة تركيا”، ستحظى إدارة ترامب بالمزيد من الوقت لحل المشاكل التكنولوجية والسياسية الخاصة بعملية شراء بطاريات الصواريخ “إس-400″، وتتفادى في الوقت نفسه انهيار العلاقات الثنائية.