العدسة – معتز أشرف:
5 مكاسب تركية متميزة رصتدها “العدسة” ولدت من رحم خارطة طريق “منبج” بعد تواصل وزيري الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والتركي مولود جاويش أوغلو.
ولكن في الأفق ثغرات تضرب هذه المكاسب، فمن يكسب في نهاية هذه الجولة في ظل الجدل الميداني اللاحق للاتفاق؟! وهو ما نحاول الإجابة عليه؟!
نقطة تحول
“نقطة تحول في العلاقة بين البلدين”.. هكذا وصف جاويش أوغلو القرار قبل اللقاء نظرًا إلى اقتران الاتفاق كذلك بتصريح ثانٍ من وزير الخارجية التركي، أفاد بأن الاتفاق على تسلم مقاتلات أمريكية من طراز «إف ـ 35» لا يزال قائمًا دون أي تغيير، وأضاف أن بلاده ترفض «لغة التهديد في الكونجرس بصدد تسليم الصفقة».
وتنص خريطة الطريق حول منبج على العهدة إلى مفارز من الجيش التركي وعناصر مشتركة من الاستخبارات التركية والأمريكية بمراقبة الأمن في المدينة بعد انسحاب إرهابيي “ب ي د/ بي كا كا”، على أن تعقب ذلك مرحلة تالية تتضمن اعتماد آلية مراقبة وتشكيل إدارة محلية خلال 60 يومًا، وتأسيس مجلس مدني وآخر عسكري لضمان الأمن والاستقرار لسكان المدينة من كل الأعراق.
كما أعلن وزير الخارجية التركي، وجود تاريخ محدد لتطبيق خارطة طريق في “منبج” السورية، مشيرًا إلى أن الأمر يتعلّق بأقل من 6 أشهر، مضيفًا: “سنعمل أولًا على معالم خارطة طريق من أجل إخراج (ب ي د) من منبج”، مؤكّدا تأمين عودة من اضطروا لمغادرة ديارهم تحت ضغط التنظيم الإرهابي إلى منازلهم بالمدينة.
5 مكاسب
الاتفاق بحسب مراقبين حقق 5 مكاسب متميزة للأتراك، حيث يعتبر الاتفاق بحسب مراقبين انتصارًا استراتيجيًا لتركيا وهو المكسب الأول، كونه يعزّز وجودها العسكري في عمق الأراضي الحدودية مع سوريا بصفة إجمالية، وعلى امتداد المزيد من المناطق ذات الأغلبية الكردية بصفة محددة، كما أنه يستكمل العملية العسكرية التركية الناجحة في إخراج القوى العسكرية الكردية من عفرين، ويتلاقى مع خريطة ميدانية أخرى سبق أن رسمتها تركيا في عملية «درع الفرات»، ما يمنح أنقرة ورقة قوة إضافية حين يأزف زمن التفاوض على اقتسام الكعكة بين مختلف القوى الدولية المتطاحنة في سوريا، وليس غريبًا بالتالي أن يتحمس جاويش أوغلو للاتفاق فيلوح بأنه يمكن أن يطبق في مناطق أخرى من سوريا، أي تلك التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”.
المكسب الثاني بحسب البيان المشترك الأمريكي- التركي حول اتفاق منبج هو أنه مبدأ أبرم بين «عضوين في حلف شمال الأطلسي ما زالا ملتزمين بمعالجة هواجسهما المشتركة بروحية الشراكة بين الحلفاء»، فإنَّ واشنطن قد تكون سعت أيضًا إلى أغراض تكتيكية من وراء هذا التعاطي الإيجابي مع المصالح التركية، وبذلك ضاعت على كثير من المتربصين بتركيا قبيل الانتخابات الكثير من الأحلام، ومن المكاسب التركية كذلك توجيه ضربة للقوى الكردية التي تصفها بالإرهابية في سوريا؛ حيث تلقت ضربة غدر جديدة من الحليف الأمريكي تضاف إلى سابقة عفرين، وقبلها تل رفعت، في انتظار مواقع خذلان أخرى محتملة.
الاتفاق يعتبر من زواية رابعة انتصارًا دبلوماسيًا لأنقرة على الساحة الدولية بحسب محللين، حيث تراجعت قوة الولايات المتحدة في الدفاع عن وجهة نظرها، وفضلت التخلي عن إدارة منبج لصالح الأتراك، لخلق توازن في علاقاتهم مع روسيا، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى التأثير بصورة إيجابية على العلاقات التركية- الأمريكية.
ووفق السفير التركي السابق أوغوز جليك الذي شغل منصب سفير الجمهورية التركية لدى دمشق (2000-2004) فإنَّ عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات شكلتا وجه الانتصار العسكري التركي في سوريا فيما شكل الاتفاق حول منبج وجه الانتصار الدبلوماسي، ويثبت بحسب ما بثته وكالة الأناضول الرسمية أهمية وقوة الدبلوماسية التركية ودورها في المنطقة، ويمهّد الطريق أمام إعادة أجواء الثقة بين أنقرة وواشنطن وتبديد الأجواء السلبية من أجل إقامة تعاون يستند إلى أسس متينة في سوريا.
البعد الإنساني وحل ملف إعادة المهجرين مكسب خامس للأتراك وهو ما عبّر عنه رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، عبد الرحمن مصطفى، حيث أكد أن إخراج وحدات حماية الشعب الكردية من كافة المناطق السورية هي خطوة هامة، وتصب في مصلحة تخفيف المعاناة عن المدنيين، موضحًا أنّ الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها تلك الميليشيات بحقّ السكان لا تختلف عمّا يقوم به نظام الأسد، وخاصة عمليات القتل والاعتقال، وآخرها كان اعتقال عضو الائتلاف الوطني عبد الحميد تمو، كما لفت إلى أنّ هناك تظاهرات واسعة من السكان في مختلف المناطق، تطالب بخروج ميليشيا «ب واي دي» بسبب الجرائم المرتكبة بشكل يومي، والعقلية الاستبدادية المماثلة لعائلة الأسد وحكمها، وهو ما يدعم ملف إعادة المهجرين من إلى مناطقهم ومنازلهم، مشيرًا إلى أن تلك المليشيات ارتكبت عمليات تهجير واسعة بحق السكان.
ثغرات وعقبات
ورغم المكاسب التركية فإن الاتفاق الذي يتحدث فقط عن خروج للقوى الكردية، لا ينص على خروج المجلس العسكري لمنبج، وهو تشكيل عربي من منبج يعتبر جزءًا من قوات سوريا الديمقراطية الخاضعة لهيمنة الأكراد، كما أن العبارات الفضفاضة في الاتفاق مثل «مراقبة أمريكية– تركية مشتركة في دوريات عسكرية» تعني أن الجانب الأمريكي لم يوافق على دخول القوات التركية لمنبج، أو إخضاعها لسيطرة أنقرة كما باقي مناطق «درع الفرات»، وإنما سيقتصر وجودها على نقاط مراقبة في ريف منبج، كما أن الفصائل الموالية لتركيا كـ«درع الفرات»، لن يكون لها دور في المدى المنظور وفق مراقبين.
ميدانيًا فإنَّ إعلان القوى الكردية عن سحب عشرات المستشارين الأكراد في منبج، ترافق مع إعلان آخر للمجلس العسكري في منبج، بأنه لن يخرج من المدينة، وهذا يعني أن النفوذ الكردي في منبج سيبقى موجودًا بوجود قوات سوريا الديمقراطية من خلال مكونها العربي مجلس منبج العسكري، ووفق تقرير لصحيفة “القدس العربي” فإنَّ من سينسحب من منبج هو الميليشيات الكردية فقط، مع بقاء مجلس منبج العسكري ريثما تكتمل بنود الاتفاق وبعدها يحدث اندماج أو تقاسم سيطرة مع الجيش الحر المتواجد في جرابلس والريف الشمالي، ولكن مراقبين تحدثوا أن سير الاتفاق يعتمد على مدى التوافق في ملفات أخرى بين أمريكا وتركيا، فيمكن لأمريكا أن تبطئ بالاتفاق أو تسرع به حسب استجابة تركيا بقضايا أخرى».
ومن أبرز الملاحظات بحسب بعض المراقبين أنَّ التشديد التركي على خروج إرهابيي “ب ي د/ بي كا كا” ، لن يكون حلًا نهائيًا لمسألة منبج على اعتبار أنّ الغالبية العظمى من قادة ومقاتلي «مجلس منبج العسكري» والذين ينحدرون من فصيلي «جند الحرمين» و«كتائب شمس الشمال» وفصائل صغيرة أخرى، ما يعني أن تشكيل المجلس العسكري الجديد للمدينة لن يكون تحت السيطرة التركية على غرار منطقة «درع الفرات».
وجود قوات عسكرية ووحدات استخباراتية مشتركة بين أمريكا وتركيا، في مرحلة التحضير لتشكيل الإدارتين المدنية والعسكرية، لا يعني بحسب البعض خروج أمريكا من منبج، وقد تنادي أصوات ببقاء عناصر المخابرات والجنود الأمريكان بحجة ان تركيا تريد تغيير هوية المدينة وتضيق أمنيًا على المكون الكردي الذي يشكل أقلية داخلها.
في المقابل أكد مسؤولون أمريكيون بارزون أن خارطة الطريق خطوة في تقرير الاستقرار والتفاهم مع تركيا مبددين كل المخاوف، وقالوا: “نأمل بأن تتخذ الخطوات في أقرب وقت. وهذا ما ترغب به تركيا التي هي حليفتنا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)”.
وأضافوا وفق ما نقلته وكالة الأناضول التركية أن الهدف ليس سيطرة الولايات المتحدة أو تركيا على المنطقة، وإنما تشكيل سكان منبج لقيادتهم وجعلهم يتمكنون من تحقيق الأمن فيها، موضحين أن “القسم الأكبر من المجلس العسكري في منبج يتكون من العرب، وبالطبع هذا الوضع يشكل جزءًا مهمًا من المجلس، وهذا (المجلس) سيبقى مكانه وسيعمل مع الأتراك، وبذلك فإنهم (الأتراك) سيرتاحون على المدى الطويل في إجراء الترتيبات”.
اضف تعليقا