العدسة – معتز أشرف:
في مطالعة دورية جديدة لخبراء مركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط، برزت مسألة إبعاد إيران عن حدود الجولان في سوريا، وسط حديث لا يتوقف عن المواجهة بين طهران وتل أبيب، تقف فيه الجولان كبنزين بجوار حريق، بحسب الخبراء الذين أكدوا أن القرار الإيراني المتوقع هو القبول بالاتفاق الإسرائيلي- الروسي الذي ينص على تجميد نشاط قواتها في المنطقة المتاخمة لحدود الجولان، وذلك كإجراء براجماتي في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها في مرحلة ما بعد إلغاء أمريكا للاتفاق النووي المشترك.
إبعاد متوقع!
في المطالعة الدورية التي وصلت “العدسة” يرى إليوت أبرامز الزميل الأول في دائرة الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، والمساعد الخاص سابقًا للرئيس، ونائب مستشار الأمن القومي أن قدرة إيران على البقاء قرب حدود الجولان تعتمد إلى حدّ كبير على روسيا، التي توفّر غطاء جويًا وقدرًا من الردع لإسرائيل، لكن، وكما يبدو الآن، إذا لم يرغب الروس بأن تهدّد إيران إسرائيل من الجولان، ستجد الجمهورية الإسلامية صعوبة جمّة في البقاء هناك.
وفيما يخص تقديره للموقف المعقد في هذه الجبهة قال أبرامز: ثمة أمران واضحان وضوح الشمس: الأول أن إسرائيل عازمةٌ على منع إيران من استنساخ ما فعلته في جنوب لبنان مع حزب الله جنوبي سوريا، والثاني أن روسيا لا ترغب في رؤية إيران تهدّد إسرائيل أو تُسيطر بالكامل على سوريا، وبالتالي السيناريو الأفضل بالنسبة إلى روسيا يتمثّل في وجود قواعد لها في سوريا وبقاء نظام الأسد ضعيفاً في دمشق ومعتمداً عليها، وليس على إيران، وعلى المدى الطويل، يمكن لروسيا – على عكس إيران – القبول بتسوية مُتفاوض عليها تُنتج نظامًا جديدًا في دمشق، طالما تكون المصالح الروسية مُصانة معه، لذا قد لا “توافق” إيران على البقاء بعيدًا عن تلك الحدود، لكن سياسة القوة والتوازن العسكري يشيران إلى أنه سيتمّ إبعادها بالفعل.
الخطوة البراجماتية
من جانبه يشير علي هاشم “مراسل بي بي سي لشؤون إيران” إلى أن أحد الأهداف الإيرانية الرئيسية في سوريا، عدا الحفاظ على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في سُدة الحكم، كان الاحتفاظ بموقع عسكري متقدّم ضد إسرائيل، وقد شمل ذلك وضع الأسس اللازمة لنشر الحلفاء والأسلحة قرب مرتفعات الجولان، لذا سيمثّل التخلّي عن هذا الهدف انتكاسة كُبرى لطهران، لكن من المعروف عمومًا أن طهران تتصرّف ببراجماتية حين يتعلّق الأمر بالتهديدات المُحدقة بها، خصوصًا إذا ما كانت نتائجها ستُضرّ إلى حدٍّ كبير بنفوذها في سوريا.
وأوضح أنه إذا ما نُفِّذ الاتفاق الذي وُقِّع مؤخرًا بين روسيا وإسرائيل حول إبقاء إيران وحلفائها بعيدًا عن الجولان، وعلى منح الجيش السوري اليد العليا في المنطقة، ستحاول طهران وحلفاؤها على الأرجح تطبيق معادلة شبيهة بتلك التي طُبِّقَت في لبنان عقب حرب العام 2006 والقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي المعادلة التي تنطوي على الحفاظ على وجود هادئ لإيران وحلفائها، فيما تعمل على توطيد قدراتها إلى حين حلول الجولة المقبلة من المواجهات، لكن هذا الأمر لن يتحقّق بيُسرٍ في سوريا، لأن إسرائيل والولايات المتحدة وحتى روسيا لن تغضّ الطرف عن هكذا محاولات.
لا خيارات
سنام فاكيل، المحاضرة في دائرة دراسات الشرق الأوسط في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في بولونيا- إيطاليا، والزميلة المساعدة في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، المعهد الملكي للشؤون الدولية تحسم الأمر تمامًاـ فهي ترى بوضح أن إيران حاليًا لا تملك خيارًا آخر سوى القبول بالاتفاق الإسرائيلي- الروسي الذي ينصّ على تجميد نشاط ميليشياتها في المنطقة المتاخمة لحدود الجولان.
وأوضحت أنه على ضوء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران والعقوبات الأمريكية المُرتقَبة، ترزح طهران تحت وطأة ضغوط سياسية هائلة لإبقاء كفة الزخم الدولي، ولاسيما الأوروبي، راجحة لصالحها، فأي تصعيد عسكري في المنطقة قد يقلب مدّ التأييد إلى جزرٍ يؤرِق إيران، في وقتٍ هي في حاجة ماسّة إلى أطواق النجاة الاقتصادية والسياسية.
وأشارت الي أن هذا الأمر لا يغيّر حسابات طهران طويلة المدى والمتعلّقة بقيمة استثماراتها الاستراتيجية في سوريا، فإيران تعرف حق المعرفة أن رياح المصالح الروسية والإسرائيلية والأمريكية والسورية تجري بما لا تشتهيه سفنها، ومع أنها ستحترم قواعد اللعبة الجديدة في المدى القصير، إلا أنها ستواصل لعبة النفس الطويل وترسّخ وجودها أكثر فأكثر في أطلال دولة سوريا الواهِنة.
ضغط داخلي
المحللة السياسية كامليا انتخابي فرد لفت الانتباه إلى بعد مهم في المشهد، حيث أشارت إلى أنه خلال الاحتجاجات التي اندلعت في إيران- سواء التي نفّذها أولئك الساخطون على الصعوبات الاقتصادية أو على تقسيم مقاطعة كازرون في جنوب غرب إيران، أو الصوفيون الذين يدّعون أن من حقّهم زيارة أوليائهم- كانت الهتافات واحدة: “اتركوا سوريا واهتمّوا بنا!” في إشارة إلى قيام النظام الإيراني بإنفاق الأموال التي تخرج من جيوب الإيرانيين لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وأضافت أن إسرائيل أقدمت مؤخرًا على قصف القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، مدعيةً أن طهران تعزّز وجودها هناك لاستهداف إسرائيل، كما طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن تغادر وحدات الحرس الثوري الإيراني سوريا، وإلّا سيتمّ إسقاط نظام الأسد، وبالتالي فمن أجل إنقاذ الرئيس السوري، وتهدئة الإيرانيين الغاضبين المستائين من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وخفض تكلفة الوجود الإيراني في سوريا والتوترات الإقليمية، يبدو أن الحرس الثوري الإيراني مستعد للانسحاب من الجولان، فبالنسبة إلى طهران، الأولوية هي التعامل مع المحتجين داخل البلاد، الذين لا تقلّ مطالبهم عن هدف تغيير النظام.
واعتبرت “فرد” أن تصريح 2 يونيو، الذي أدلى به الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، لصحيفة “شرق” الإيرانية، بأنه “لا وجود لمقاتلين إيرانيين، ولا حتى على المستوى الاستشاري، في جنوب سوريا”، يعبر عن المحاولات الهادفة إلى تخفيف التوترات المحلية وتقليص حجم التواجد الإيراني في الجولان.
هضبة محورية
هضبة الجولان التي تقدر مساحتها الإجمالية بـ 1860 كم2 تقع في منتصف ما يعرف ببلاد الشام على بعد 60 كم إلى الغرب من مدينة دمشق، وتتوسط الجولان أربع دول هي سوريا والأردن ولبنان وإسرائيل وهي كانت تتبع إدارياً وبالكامل لمحافظة القنيطرة السورية، قبل أن تحتل إسرائيل في حرب 1967 ثلثي مساحتها.
وبحسب مراقبين زاد الصراع السوري توتر الوضع في منطقة الشرق الأوسط منذ ربيع عام 2011، فمع بداياته سجلت واقعة فتح الجيش الإسرائيلي النار على لاجئين فلسطينيين وسوريين كانوا يحاولون عبور خط وقف اطلاق النار، مما أسفر عن مقتل نحو 30 شخصًا وفقا للأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين، كانت الجولان مسرحًا للقتال العنيف بين المعارضة والنظام السوري.
وفي يونيو 2007 أعلنت إسرائيل استعدادها استبدال الأرض مقابل السلام مع سوريا شريطة أن تقطع دمشق علاقاتها بطهران وأن تطرد من ترابها ما تسميه إسرائيل “الجماعات الإرهابية”، في أغسطس 2007 أعلن فاروق الشرع نائب الرئيس السوري عن عدم إرادة دمشق في الدخول في حرب ضد إسرائيل لاستعادة مرتفعات الجولان، ولكن في 23 أبريل 2008 كان الإعلان عن استعداد إسرائيل للانسحاب من هضبة الجولان مقابل السلام مع سوريا، ولكن توقفت المفاوضات الجديدة في عام 2011 بسبب النزاع في سوريا والحرب الدائرة منذ سنوات.
ويطمع الإسرائيليون بهضبة الجولان؛ لأنهم يعتبرونها ذات أهمية كبيرة بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي، فبمجرد الوقوف على سفح الهضبة، يستطيع الناظر تغطية الشمال الشرقي من فلسطين، بالعين المجردة بفضل ارتفاعها النسبي، وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا، فالمرتفعات تكشف أراضيها أيضاً حتى أطراف العاصمة دمشق، وتعد بحيرة طبرية أهم مورد مياه شرب حاليًا لإسرائيل، في ظل ندرة المياه في المنطقة.
اضف تعليقا