العدسة – معتز أشرف

بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية تاريخ حافل من العداء، قد يسقط على أعتاب فندق كابيلا بجزيرة سنتوسا السياحية قبالة ميناء سنغافورة، عندما يلتقى الرئيسان المثيران للجدل؛ دونالد ترامب وكيم جونج أون، بعد طول ترقب وانتظار من مستفيدين كثيرين من السلام في هذه البقعة من الأرض، لكن الخلافات والقلق بحسب ما رصد “العدسة” مازالا يتحديان التفاهمات وروح التفاؤل، وهو ما نستعرضه في سياق هذا التقرير.

مصداقية ترامب

بعد إلغاء الاتفاق النووي مع ايران، تحدث كثيرون عن مصداقية الولايات المتحدة في ظل وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وربطوا بين الإلغاء وبين الاتفاق المزمع مع كوريا الشمالية في قمة سنغافورة، وبحسب صحيفة “The Wall Street Journal” الأمريكية، قال أشخاصٌ مطلعون على الاتفاق مع إيران منذ وقتٍ طويل إنَّ مصير الاتفاق قد يُؤثر بشدة على الدبلوماسية الأمريكية المُتَّبعة مع بيونج يانج، مؤكدين أنَّ التخلي عن الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه عام 2015 سيدفع كيم إلى استنتاج أنَّ الضمانات الأمنية التي يسعى للحصول عليها من أمريكا في مقابل تقليص برنامجه النووي لا يمكن الاعتماد عليها.

هذه الهواجس حاضرة في قمة سنغافورة بالطبع، لكن في الوقت الحالي، تقول بعض هذه الأصوات بحسب الصحيفة: إنَّهم يخشون حدوث العكس. فمع فتح نافذةٍ دبلوماسية مفاجئة مع كوريا الشمالية، قد يرى ترامب أنَّ إلغاء الاتفاق الإيراني يُعزِّز موقفه في المحادثات مع كيم، وفقًا للصحيفة الأمريكية.

إيران من جانبها لم تتوانَ عن استغلال الفرصة لضرب مصداقية ترامب؛ حيث حذرت الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون من عدم إمكانية التنبؤ بتصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال بهرام قاسمي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الاثنين: “نرحب أيضًا بأي مبادرة من أجل تحقيق السلام والاستقرار في كوريا.. إلا أنه يتعين على كوريا الشمالية الحذر من الولايات المتحدة وخاصة ترامب”.

وفي هذا السياق تقول ويندي شيرمان المفاوضة البارزة في الاتفاق الإيراني التي عَملَت لسنواتٍ في الملف الدبلوماسي مع كوريا الشمالية خلال إدارة كلينتون: “المنطق هو أنَّه في حال تراجعت الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي، سيقوِّض ذلك مصداقية واشنطن، ومع ذلك، قد يعتقد الرئيس، بسبب الطريقة التي يعمل بها، أنَّه بإلغاء الصفقة يقول إنَّه لن يتفاوض على ما يصفه بـ”اتفاقٍ سيئ”. وسيكون ذلك كارثيًا لأنَّه حينها ستكون لديه أزمتان نوويتان في نفس الوقت”، فيما أكد تشاغاي تزورييل مدير عام وزارة الاستخبارات الإسرائيلية أن كوريا الشمالية وإيران ربما يكونان قد تشاورا فيما يتعلَّق بكيفية مقاومة الضغط الدولي على أعمالهم النووية.

صورة ترامب الذهنية محل اختبار كذلك، وهو ما أشارت إليه صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز عقب إلغاء أول قمة مقترحة مع كوريا الشمالية، حيث وصفت الصحيفتان ترامب بأنه متهور وتعوّد التعجل والارتجال الخالي من أي تخطيط وإستراتيجية، مؤكدين أن تعامله مع كوريا الشمالية غريب وغير مفهوم.

تفاهمات أم خلافات  

دونالد ترامب أبدى تفاهمات كثيرة متفائلة منذ وصوله إلى سنغافورة، مؤكدًا أن “تسير الأمور بشكل جيد” مع كوريا الشمالية، ومبديًا تفاؤله بالنتائج المتوقعة للقمة التاريخية التي تجمعه بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الثلاثاء، وأضاف في مؤتمر صحفي في مالبي في كندا، حيث عقدت قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى: “لدي انطباع بأن كيم جونغ أون يريد أن يفعل شيئًا مهمًا لشعبه إنها فرصة فريدة لن تتكرر أبدًا، وإنني في مهمة سلام وعلينا التوصل إلى نزع أسلحة، يجب أن نبدأ شيئًا ما ونعتقد فعلًا أن كوريا الشمالية ستصبح مكانًا رائعًا في وقت قريب جدًا”.

وعلى الجانب الآخر تحدثت وسائل إعلام حكومية في كوريا الشمالية عن إمكانية أن تأسيس “علاقة جديدة” بين بيونغيانغ وواشنطن، وذلك قبل القمة التاريخية المرتقبة بين البلدين، ووفق مراقبين تمثل النبرة التي تحدثت بها وسائل الإعلام في كوريا الشمالية تحولًا بارزًا في لهجة هذه الدولة التي ظلت في حالة عداء مع الولايات المتحدة لعقود، حيث قالت وسائل الإعلام الحكومية الكورية الشمالية: إن الزعيمين سيبحثان آلية لسلام دائم في شبه الجزيرة الكورية، علاوة على قضية نزع السلاح النووي.

لكن في المقابل ومع استمرار وجود اختلافات بشأن ما سيترتب على نزع السلاح النووي، أجرى مسؤولو البلدين محادثات استمرت ساعتين لتحقيق تقدم في جدول أعمال القمة قبل انعقادها الثلاثاء.

وأوضح وزير الخارجية الأمريكي مايك بامبيو أن اجتماعات مفصلة وشاملة جرت مع الكوريين الشماليين، مؤكدًا أن الرئيس مستعد جدًا لمحادثاته مع زعيم كوريا الشمالية الثلاثاء، وأن الموقف الأمريكي واضح ولم يتغير، مضيفًا أن الولايات المتحدة “ملتزمة” بنزع كامل ونهائي للسلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، وبشكل يمكن التحقق منه.

وتصريحات بامبيو قد تعيد الحديث إلى نقطة الصفر ما لم يحدث توزان في الاجتماعات والتصورات الثنائية للبلدين، بحسب مراقبين، وذلك حين أعلن ترامب في كلمة ألقاها بعد إلغائه أول قمة مقترحة في وقت سابق مواصلة حملة العقوبات على بيونج يانج ما لم تغير من موقفها، بالتزامن مع تأكيد وزارة الدفاع الأمريكية أن سياسة الضغوطات على كوريا الشمالية ستتواصل.

ويعد نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية القضية المركزية في الإعداد لمحادثات القمة، وسبب كل الخلافات السابقة حيث ترغب الولايات المتحدة في أن تتخلى بيونج يانج عن أسلحتها النووية، لكن من المتوقع أن تقام كوريا الشمالية ذلك، ومن غير الواضح ماذا ستطلب في المقابل، غير أن كيم قال في وقت سابق إنه يرغب في التركيز على بناء اقتصاد بلاده، ومن ثم يريد إلغاء العقوبات وجذب الاستثمارات الدولية، فيما قالت الولايات المتحدة إنها لا تتوقع بالضرورة التوصل لاتفاق نهائي في سنغافورة، ووصف ترامب القمة بأنها “موقف تعارف”، وقال “الأمر سيكون عملية ذات خطوات”.

من جانبه صرح مسؤول بالإدارة الأمريكية، بأن الجانب الأمريكي يمضي إلى المحادثات بإحساس بالتفاؤل مع جرعة مساوية من التشكك، نظرًا لتاريخ كوريا الشمالية الطويل في تطوير الأسلحة النووية، وأضاف المسؤول ”لن يفاجئنا أي سيناريو“.

مستفيدون كثيرون

كوريا الشمالية ستكون أول المستفيدين من عقد القمة، ومن المتوقع بحسب وكالة رويترز أن تركز محادثاتهما على إنهاء برامج الأسلحة النووية والصواريخ في كوريا الشمالية مقابل حوافز دبلوماسية واقتصادية، وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن ترامب ”مستعد بالكامل“ للمحادثات ومتفائل أن النتيجة ستكون ”ناجحة“.

ترامب كذلك مستفيد من القمة، ولذلك لجأ إليها رغم إلغائه من طرفه ثم عودته إليها، حيث يرى فيها “فرصة فريدة” لتسوية المشكلة النووية الكورية الشمالية التي أخفق جميع الرؤساء قبله في تسويتها.

وفي الخلفيات يوجود دومًا مستفيدون من الأزمات، ويعتقد المراقبون أنه إذا تم رفع العقوبات الدولية ضد كوريا الشمالية، فإن الصين ستكون واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسية للمساعدة في إعادة بناء اقتصاد كوريا الشمالية، وبالنسبة لجارة أخرى، وهي اليابان، سيجلب السلام في شبه الجزيرة الكورية منزوعة السلاح النووي راحة البال إلى اليابان، فقد أجرت كوريا الشمالية تجارب نووية كان أحدثها في سبتمبر وأجرت تجارب على نحو 24 صاروخًا العام الماضي، حلق بعض منها فوق جزيرة اليابان الرئيسية.

وفى الوقت ذاته، تسعى موسكو من جانبها إلى زيادة التعاون الاقتصادي مع كوريا الشمالية وقدمت دعمًا وثيقًا للبلاد في الجهود الرامية إلى إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية حتى يمكن رفع العقوبات المفروضة على بيونج يانج.

وتشترك روسيا في حدود مع كوريا الشمالية ولديها علاقات دبلوماسية وثيقة نسبيًا مع الدولة الشيوعية المعزولة. والتقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع كيم في الأسبوع الماضي، وأصبح من الممكن حاليًا عقد اجتماع بين كيم والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقال لافروف للصحفيين في كوريا الشمالية إنّ روسيا تؤكّد “التزامها بأوثق تعاون مع كوريا الشمالية لحل جميع المهام الثنائية والدولية، مشددًا أن كوريا الشمالية لن تنهي برنامجها النووي دون رفع العقوبات بالكامل.