جلال إدريس

لا يخلو عام من إعلان المملكة العربية السعودية طبع وتوزيع ملايين النسخ من القرآن الكريم وتوزيعها على الدول الإفريقية، من باب نشر وتوزيع القرآن الكريم، والمساهمة في أعمال الخير.

وتختلف أعداد نسخ المصاحف الموزعة والمنشورة من السعودية على الدول الإفريقية كل عام عما سبقه، إلا أنها عادة تتراوح بين عدة ملايين تقوم مطبعة الملك فهد بن عبدالعزيز بالإشراف على طباعتها ونسخها.

كل ما سبق يراه “مراقبون ونشطاء” أمرًا محمودًا يحسب للمملكة ولمسؤوليها، لكن هذا الفعل أثار جدلًا واسعًا داخل المملكة هذا العام، إذ إنه في الوقت الذي تنفق فيه المملكة عدة ملايين من الريالات على طباعة المصاحف وتوزيعها على فقراء إفريقيا، تنفق المملكة مئات المليارات من الدولارات على دعم البنية التحتية للولايات المتحدة الأمريكية، وإرضاءً للإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الإغداق المبالغ فيه من قبل “محمد بن سلمان” على الأغنياء في أمريكا، مقابل التقتير المبالغ فيه على الفقراء في الدول الإفريقية، دفع البعض للتساؤل عن حقيقة المساعدات الإنسانية والإغاثية التي تدعي (السعودية) أنها تقدمها للعالم، وحجم تلك المساعدات مقابل المنح والعطايا والهبات التي تقدمها لقادة الدول الغربية وأمريكا جراء صمتهم عن تجاوزات المملكة الحقوقية، ومطامع “بن سلمان” في حكم أبيه.

وإلى جانب ما سبق، فإن مفارقات أخرى تشهدها المملكة فيما يتعلق بمسألة الإنفاق، حيث يُتهم الأمير محمد بن سلمان بإهدار أموال السعوديين فيما لا جدوى ولا فائدة منه، سواء فيما يتعلق بعمليات الإنفاق الداخلية أو الخارجية.

(العدسة) ومن خلال التقرير التالي يلقي الضوء على أبرز المفارقات في هذا الملف:

مليون مصحف مقابل 430 مليار دولار

أولى المفارقات التي سبق أن أشرنا إليها، هو المبالغة في الإنفاق والإغداق على الإدارة الأمريكية، بهدف نيل الرضا والقبول من “العم سام” والفوز بدعم الأمريكان في معركة السلطة.

في مقابل هذه المبالغة في الإنفاق على الأمريكان، فإن مصادر سعودية أكدت أن حكومة “بن سلمان” اكتفت هذا العام بتوزيع مليون نسخة من القرآن الكريم على مسلمي إفريقيا، بما لا يتجاوز قيمة طبعها الخمسة ملايين ريال.

وكانت الرياض قد احتضنت في 20 مايو 2017 قمة بين الرئيس الأمريكي “ترامب” والملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، جرى خلالها بحث العلاقات بين البلدين، والسبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات.

وخلال هذه القمة السعودية الأمريكية، وقع سلمان و”ترامب” عدة اتفاقيات تعاون عسكري ودفاعي وتجاري بقيمة 460 مليار دولار، فيما قال وزير التجارة السعودي وقتها ماجد القصبي، إن بلاده منحت تراخيص للاستثمار بالمملكة لـ 23 من كبرى الشركات الأمريكية.

وأكد مسؤولون سعوديون أن “ترامب” وسلمان وقعا اتفاقيات دفاعية بقيمة 460 مليار دولار، منها 110 مليارات هي قيمة صفقات عسكرية سابقة، وستسلم بموجبها واشنطن أسلحة على الفور للجانب السعودي، بالإضافة إلى صفقات تعاون دفاعي بقيمة 350 مليارًا على مدى عشر سنوات.

هيئة الترفيه ومعدلات الفقر

مفارقة أخرى تتعلق بعملية الإنفاق، وإهدار المليارات السعودية تظهر بوضوح في الإنفاق على هيئة الترفيه السعودية في مقابل تجاهل احتياجات المواطنين.

وفي الوقت الذي كشفت فيه تقارير أن نسبة الفقر تفاقمت لتصل إلى 25% من إجمالي عدد السكان البالغ 20 مليون نسمة، بينما تتزايد معدلات البطالة، حيث يعيش نحو 5 ملايين شخص على أقل من 530 دولارًا شهريًّا في السعودية، كشفت هيئة الترفيه عن عزمها هذا العام إنفاق ما يتجاوز 36 مليار دولار على أنشطتها وفقًا لرؤية ولي العهد محمد بن سلمان “المملكة 2030”.

ووفقًا لتغريدة قديمة على حساب “هيئة الترفيه” على موقع التدوين المصغر “تويتر”، نقلًا عن الرئيس التنفيذي لهيئة الترفيه السعودية، فإن “الإنفاق الاستهلاكي المتوقع على الترفيه سيبلغ 36 مليار دولار بحلول العام 2030، إلى جانب توفير أكثر من 114 ألف وظيفة مباشرة، و110 آلاف غير مباشرة”.

‏وأكد المسؤول السعودي على “دور الترفيه كأحد أذرع برنامج جودة الحياة ضمن رؤية “المملكة 2030″، وعلى أهمية الدور الاقتصادي الكبير الذي يلعبه قطاع الترفيه، وما له من آثار إيجابية على تنوع مصادر الدخل، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بشكل سنوي”.

وكانت السعودية أقرت خطة لرؤية البلاد في العام 2030، لجذب الإنفاق الوطني على الترفيه والسياحة في الخارج، والمقدر بنحو 22 مليار دولار.

ووفقًا لمراقبين، فعلى الرغم من الثروات النفطية الهائلة للمملكة العربية السعودية، إلا أنها لم تستطع منع تسلل الفقر إلى ملايين السعوديين، حيث تشير التقديرات والإحصائيات غير الرسمية إلى أن معدل الفقر في السعودية وصل إلى 25% من السعوديين، البالغ عددهم نحو 20 مليون مواطن، أي ما يعادل 5 ملايين مواطن، وهو ما أكده تقرير أمريكي نشر في صحيفة الرياض قبل عدة سنوات.

ما يبرر زيادة معدلات الفقر في السعودية تخصيص أكثر من 30 مليار ريال في الموازنات العامة للمملكة لبرامج معالجة الفقر والمخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والضمان الاجتماعي.

ورغم الإعلان عن هذه المبالغ إلا أن الحكومة السعودية لا تعلن عن أعداد الفقراء بشكل رسمي حتى يتاح للجميع قراءة حقيقية لواقع الفقر اجتماعيًّا وسياسيًّا.

بذخ “بن سلمان” وتقتيره على الشعب

وإلى جانب إهدار أموال السعوديين في تثبيت دعائم ملكه، فإن الأمير السعودي محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة، يعد أحد أكثر الأمراء بذخًا بين الحكام العرب؛ حيث إن الرجل لديه نهم بشراء الأشياء النفيسة والغالية، ولو على حساب ثروات بلاده، التي يدعي أنه يسير على خطة تقشف للحفاظ عليها.

المثير في الأمر أن “بن سلمان” الولوع بشراء الأشياء الغالية والنفيسة، يضيق على شعب المملكة بصورة غير مسبوقة، حيث فرض -وللمرة الأولى- على مواطني المملكة ما يعرف بضريبة القيمة المضافة، كما قام برفع الدعم جزئيًّا عن أسعار الوقود والمحروقات، ويتبنى أيضًا خطة تقشفية بالغة الصعوبة.

صحيفة “نيويورك تايمز” ركزت قبل عدة أسابيع على التناقض بين تقشف الأمير السعودي محمد بن سلمان على شعب السعودية، وبين إسرافه على نفسه وبذخه في شراء أشياء بأرقام خرافية.

بذخ “بن سلمان” وصل إلى حد شراء 3 أشياء فقط بمجموع مليار و300 مليون، وكانت عبارة عن (يخت، ولوحة، ومنزل).

الصحيفة، أوضحت أن المشتري هو ذاته الذي يتبنى سياسة تقشف صارمة في بلاده، ونقلت عن العضو السابق في المخابرات المركزية الأمريكية بروس ريدل، قوله: إن “الأمير محمد بن سلمان حاول أن يبني لنفسه صورة الإصلاحي المحارب للفساد، لكن تلك الوقائع تضرب تلك الصورة”.

كما اشترى “بن سلمان” أيضًا قصر لويس الرابع عشر في فرنسا، والذي يحتوي على 15 ألف ورقة من الذهب، و10 غرف نوم، وقاعتين للرقص، وغرفة للتأمل، وأحواض سباحة داخلية وخارجية، وملعب إسكواش، وصالة رياضية، ومسرح وسينما وملهى ليلي خاص، وقبو للخمور، وتمثال لويس الرابع عشر المصنوع من رخام الكرارا التركي.

بذخ “بن سلمان” أيضًا أوصله لشراء يخت قيمته حوالي 550 مليون دولار، العام الماضي، خلال إجازة “بن سلمان” في جنوب فرنسا، لم تستغرق سوى ساعات أخلى بعدها البائع اليخت في نفس اليوم.

اليخت صُنع في عام 2011، ويصل طول اليخت إلى 440 قدمًا، ويضم حمامات سباحة، و12 غرفة فاخرة، ومنصتين لهبوط الطائرات الهليكوبتر.