العدسة – معتز أشرف:
بدأت المعركة المؤجلة ضد مدينة الحديدة الساحلية في اليمن، بشعارات برَّاقبة وأجندات سرّية مشبوهة، رغم مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الذي أطلق ناقوس الخطر من التداعيات الإنسانية الكارثية من الهجوم على ميناء الحديدة، ولكن دون جدوى، فلماذا الحرص الإماراتي السعودي على استهداف الميناء الأبرز في المساعدات الإنسانية؟!
إصرار مشبوه!
الحديدة أكبر ميناء يمني ويمثّل شريان حياة لأغلبية سكان البلاد الذين يعيشون في مناطق تحت سيطرة الحوثيين، وإليه وُجِّهت الأنظار قبل فترة من الجميع، بحسب أجندات كل طرف، لكن الأمم المتحدة حذرت من أن أي هجوم عسكري أو حصار سيقوم به التحالف الذي تقوده السعودية للمدينة الساحلية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهي هدف قديم في الحرب، قد يُودِي بحياة 250 ألف شخص، في مخاوف أن يزيد الهجوم من عدم وصول الغذاء والوقود والأدوية لليمنيين ويفاقم أكبر أزمة إنسانية في العالم.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة يعيش 600 ألف شخص في المنطقة، وفي أسوأ سيناريو يمكن أن تُسْفِر المعركة عن مقتل ما يصل إلى 250 ألفًا، وعن قطع المساعدات والإمدادات الأخرى عن الملايين الذين يواجهون الجوع والمرض. وقال مارك لوكوك، مسؤول المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة: ”إذا لم يعمل (ميناء) الحديدة بشكل فعّال لأي فترة من الزمن، فإنَّ العواقب الإنسانية ستكون كارثية“.
كما حذرت منظمة أوكسفام، وهي واحدة من أكبر المنظمات الخيرية بالعالم في مجال الإغاثة من الكوارث، من هجوم محتمل، وقال محسن صديقي مدير برنامج المنظمة في اليمن: ”رسالتنا واضحة.. إذا وقع هذا الهجوم فسيكون من الصعب للغاية إذًا تصور مدى صعوبة الموقف الذي سيعانيه شعب اليمن خاصة في الحديدة“.
وأعلنت منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية غير الحكومية التي تُعنى بالدفاع عن حقوق الطفل أن 300 ألف طفل عالقون بالحديدة، غرب اليمن بعد استهدافها من السعودية والإمارات، فيما حذرت المنظمة من خطورة إغلاق ميناء الحديدة بعد بدء الهجوم السعودي الإماراتي، مؤكدة أنه سيتسبب في خسائر كبيرة بالأرواح وتدمير للبنية التحتية، كما أكد الصليب الأحمر الدولي أن الهجوم على الحديدة سيتسبّب على الأرجح في تفاقم الوضع الإنساني باليمن.
ولكن في إصرار مشبوه، بحسب مراقبين، بدأت قوات التحالف الإماراتي السعودي هجومًا الأربعاء على مدينة الحديدة الساحلية في اليمن تحت شعار ”النصر الذهبي“، في أكبر معركة في الحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات بين التحالف وحركة الحوثيين المتحالفة مع إيران، ونفّذت طائرات وسفن التحالف ضربات تستهدف تحصينات الحوثيين دعمًا لعمليات القوات اليمنية البرية التي احتشدت جنوبي المدينة المطلة على البحر الأحمر، وذلك بعد انتهاء مهلة حددتها الإمارات للحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، لتسليم الميناء الوحيد الخاضع لسيطرتهم.
أهداف الضربة
رسميًا ثمّنت الحكومة المعترف بها دوليًا الضربة الإماراتية السعودية في أعقاب لقاء ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، مساء الثلاثاء، الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بعد توتر في العلاقات بين البلدين، ووفق الوكالة الإماراتية الرسمية للأنباء بحث بن زايد وهادي في أبوظبي سبل تعزيز العلاقات والتعاون والتنسيق المشترك بين البلدين، إضافة إلى تطورات الأوضاع على الساحة اليمنية.
وقالت الحكومة اليمنية في بيان لها: ”تحرير ميناء الحديدة يشكل علامة فارقة في نضالنا لاستعادة اليمن من الميليشيات التي اختطفته لتنفيذ أجندات خارجية ويمثل بداية السقوط للحوثيين وسيؤمن الملاحة البحرية في مضيق باب المندب وسيقطع أيادي إيران التي طالما أغرقت اليمن بالأسلحة التي تسفك بها دماء اليمنيين الزكية“.
قناة سكاي نيوز الأمريكية طرحت المصلحة الأمريكية في الضربة، موضحة أن السيطرة على الميناء ستؤدي إلى قطع شريان طهران في اليمن، بوقف إمداد إيران للحوثيين بالأسلحة، كما سيمنع الميليشيات من استخدامه كقاعدة لانطلاق أعمالها الإرهابية في الساحل الغربي وتهديد حركة الملاحة البحرية والتجارة العالمية عبر البحر الأحمر.
وبحسب المعلن رسميًا من الإمارات فإن قوات التحالف تهدف إلى استمرار الميناء في العمل، لكنها حذّرت من أن الحوثيين يمكن أن يخربوا البنية التحتية ويزرعوا ألغامًا برّية وبحرية مع انسحابهم، فيما تدعي الرياض أن الحوثيين يستخدمون الميناء لتهريب أسلحة إيرانية الصنع تشمل صواريخ يطلقونها على مدن سعودية وهي اتهامات نفتها حركة الحوثي وإيران.
وتُتَّهم الإمارات بأن لها خططًا سرية للهيمنة على ثروات اليمن، وفرض الوصاية على قراره السياسي، وسبق أن وصف هادي الإمارات بعد توتر بالعلاقات بـ”الاستعمار الغبي”، ويأتي الميناء في إطار خطة أطماع معروفة للإمارات على البحر الأحمر.
وفي قراءة مبكرة للأطماع المحتملة كما حدث في سقطرى، عبّرت الحكومة اليمنية عن حرصها على بسط سيطرتها على المؤسسات الحكومية الحيوية في مدينة الحديدة، في حال نجاح قوات الشرعية والقوات التابعة للتحالف العربي المساند لها في استعادة السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي، في محاولة لعدم تكرار ما حدث في المحافظات الجنوبية المحررة، التي تخلّت فيها عن المؤسسات الحكومية تحت ضغط الإمارات، التي عملت على دعم كيانات موازية لأجهزة الدولة، والتي سرعان ما حلّت بديلة للحكومة الشرعية المقيمة في العاصمة السعودية الرياض، ما قلّص دورها الإداري والسياسي والأمني في كل من عدن وحضرموت وشبوة.
ويشير مراقبون إلى أنّ الحكومة الشرعية، التي تحاول أن تكون حاضرة في الساحل الغربي، من خلال إعلان استعدادها لتشغيل ميناء الحديدة، الذي ما تزال جماعة الحوثي تسيطر عليه، وميناء المخا الاستراتيجي، قد تواجه عراقيل متوقعة من قبل القوات الإماراتية، خاصة فيما يتعلّق بميناء المخا، الذي بات محررًا وتحت سيطرة قواتها، لكن اللقاء الذي جمع الأطراف الإماراتية اليمنية بالتزامن مع اللقاءات التي جمعت الملك السعودي وولي عهده في الرياض مع هادي، يضع الجانب الإماراتي أمام اختبار حسن النوايا لتجسيد هذا التقارب، عبر تسليم إدارة الموانئ اليمنية إلى الحكومة الشرعية.
جماعة الحوثي ترى بحسب منصات إعلامية لها أن أهداف ما تسميه “العدوان” تأتي في سياق الفشل السعودي الإماراتي، ودليلًا على اعتراف الإمارات بهزيمتها في معركة الساحل الغربي، وذلك- كما تقول- “بعد عدة أسابيع من المواجهات الضارية بين الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة، وقوات العدوان السعودي وميليشياته على جبهة الساحل الغربي شمال غرب اليمن من جهة ثانية، حيث لم يستطع العدوان تحقيق أيّ تقدم على الأرض متكبّدًا خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد، وعاجزًا عن الوصول إلى ميناء الحديدة ومحاصرته”.
أولوية في أجندات الصراع
وبحسب دراسة حديثة بعنوان “ميناء الحُدَيِّدة: الدور والآفاق في الحرب اليمنية“، فإن أهمية الميناء له أبعاد متداخلة مع الولايات المتحدة الأمريكية وصراعاتها ووكلائها في المنطقة في مواجهة إيران، وهو الإطار الذي تسير فيه أطماع الإمارات والسعودية في تقديم دور الشرطي في المنطقة لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وازدادت أهمية السيطرة على ميناء الحديدة مع تزايد تعرض سفن التحالف وسفن تابعة للبحرية الأمريكية لهجمات صاروخية وزوارق موجهة، في البحر الأحمر، كان من بينها استهداف السفينة الإماراتية سويفت في أكتوبر 2016، كما تزداد أهمية الميناء للتحالف المدعوم من الغرب وأمريكا بحسب الدراسة في إطار البُعد الجيوسياسي للحرب القائمة في اليمن، الذي تتجاوز أهدافه مسألة دحر الانقلاب، إلى أهداف أخرى ذات صلة بتنافس دول التحالف مع دول إقليمية أخرى، مثل إيران وتركيا، على النفوذ في البحر الأحمر، وخليج عدن، وغربي المحيط الهندي وما يواجهه الأمن الوطني لدول التحالف من تهديدات إيرانية تمتد من الخليج العربي إلى خليج العقبة، واستمرار إيران في تطوير قدراتها في مجال ما يوصف بـ”المياه الزرقاء” البحرية، التي تتيح لها استعراض قواتها في هذه المناطق.
وفي المقابل يُدرُّ ميناء الحديدة لسلطة الحوثيين إيرادات جمركية ورسومًا خدمية كبيرة، ويدرك الحوثيون أن خروج الميناء من سيطرتهم بأية طريقة، إنما يمثِّل بداية لانهيار سطوتهم التي تواجه، أصلًا، الكثير من العقبات الاقتصادية فضلًا عن أن المناطق الواقعة في الخطوط الخلفية لقوات الحوثيين في الحديدة وسواحلها، مثل: باجل، والضحي، وبيت الفقيه ونحوها، يرتبط مصيرها بمصير مدينة الحديدة والمناطق الساحلية التي ترابط فيها تلك القوات دفاعًا عن هذا العمق، وعن المراكز الحيوية في المدينة، كالقواعد، والموانئ، والمطارات.
اضف تعليقا