العدسة – معتز أشرف:

لعيد الفطر زاوية مختلفة لدى بعض الأسر، ومنهم أسر الضحايا في نقاط النزاع والصدام في المنطقة العربية في ظل أطماع باتت معروفة في السياسة الخارجية بالضرورة من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وولي عهد السعودية محمد بن سلمان وآخرين، وفق مراقبين ومعارضين.
نرصد العيد من هذه الزاوية ونسلط الضوء على هذه الأسر “الضحايا الأحياء” الذين دومًا ما يلتقون بذوويهم مع إطلالة عيد الفطر عند المقابر، وما أصعبه من لقاء.

أحزان اليمن

في اليمن الأحزان لا تتوقف مع كل عيد، بسبب عدم توقف أعداد الضحايا بسبب أطماع الأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد اللذين يقودان التحالف العربي هناك، وبحسب تقارير محلية يمنية تزايدت مقابر الشهداء بشكل لافت، والتي تحولت إلى مزارات خلال أيام عيد الفطر، حيث ‘نافست’ الحدائق والملاهي في استقطاب الناس.

وساهم اندلاع الصراع في توسع أعداد المقابر بشكل غير مسبوق، لكثرة الضحايا الذين سقطوا في النزاع المسلح، وشهدت المقابر في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية خلال أيام عيد الفطر الماضي إقبالًا كبيرًا، خصوصًا من قبل ذوي ضحايا الحروب، لزيارة أضرحة أحبابهم وإلقاء التحية على رفاتهم، رافعين أكفّهم بتلاوة القرآن وقراءة الأذكار.

ولا يُعرف الرقم الدقيق لضحايا الحرب في اليمن؛ إذ تقول منظمة الصحة العالمية إنّ الأرقام المسجلة في المرافق الصحية منذ 26 مارس 2015، تاريخ تدخُّل التحالف العربي في الحرب لمساندة قوات الحكومة الشرعية، تشير إلى أكثر من 8 آلاف قتيل، دون تحديد نسبة المدنيين والعسكريين من هذا الرقم، في ظل تكتم أطراف الصراع عن إيراد الرقم الحقيقي لعدد مقاتليهم الذين سقطوا في المعارك، بينما أعلنت المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة، مؤخرًا، أن 5 آلاف مدني هم ضحايا الحرب في اليمن منذ 26 مارس 2015، لكن الحكومة الشرعية تؤرّخ النزاع منذ اجتياح الحوثيين لصنعاء في 21 سبتمبر 2014، وتقول إنه منذ ذلك اليوم، وحتى مطلع يونيو 2017 قتل 11 ألفًا و251 شخصًا، بينهم 1080 طفلًا و684 امرأة .

وفي أحدث إحصائيات لوزارة حقوق الإنسان التابعة لحكومة الإنقاذ بصنعاء في مارس 2018 قالت إن أكثر من 10300 من النساء والأطفال ما بين قتيل وجريح نتيجة غارات التحالف منذ بدء الحرب وحتى الٱن، وقال بيان صادر عن الوزارة: إن 247 ألف طفل لقوا مصرعهم، من إجمالي 2.5 مليون طفل وامرأة يعانون من سوء التغذية نتيجة الحصار، وأن ما يزيد عن 1200 شخص فارقوا الحياة بسبب الفشل الكلوي نتيجة الحصار، بالإضافة إلى 6 آلاف يعانون من انعدام الأدوية والمستلزمات الطبية لإجراء عملية الغسيل الكلوي.

ودفع السعوديون الثمن كذلك، وتتردد أنباء أن عدد القتلى من جنود المملكة منذ بدء التحالف ضرباته في اليمن يلامس الخمسة آلاف جندي، في صمت مريب حيال الأرقام الحقيقية للقتلى، الا أن انتماء بعض الجنود لقبائل معينة أفسح المجال أمام معرفة تقريبية لأعدادهم.

آلام سوريا

وفي سوريا صوت الآلام يغطي على صوت التهاني بعيد الفطر، ومنذ تحول الانتفاضة ضد نظام الأسد التي بدأت في مارس 2011 إلى نزاع مسلح، سقط أكثر من 350 ألف قتيل وأدّى إلى تهجير نحو نصف السكان، ووفق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” الذي يستند إلى شبكة واسعة من المصادر في سوريا، فقد سقط 353.935 قتيلًا منذ 15 مارس 2011، بينهم أكثر من106.390 مدني؛ وفي عدادهم «19.811 طفل و513.12 امرأة»، وفي هذا البلد الذي كان يقطنه نحو 23 مليون نسمة قبل النزاع، اضطر نحو نصف السكان إلى مغادرة منازلهم بينهم 6.6 مليون نزحوا داخل البلاد.

وتستقبل مدن كغوطة دمشق الشرقية وإدلب وريف حمص وحماة آلامًا لم يألفها سكانها من قبل، وتشير تقارير إعلامية عربية إلى أن السوريين يسارعون لزيارة المقابر، حيث يرقد أحبابهم ليلقوا على رفاتهم السلام ويعايدونهم قبل الأحياء، حاملين بأيديهم القرآن الكريم، رافعين أكفّهم لتلاوة الدعاء وقراءة الأذكار، حيث يحمل الجميع باقات من الآس (الذي يباع عند مداخل المقابر بسعر نصف دولار للباقة الواحدة / 100 ليرة سورية) مكللة ببطاقات كُتِب على بعض منها إهداءات مؤلمة، تتمنّى للمتوفي عيدًا سعيدًا والرجاء بلقاء قريب!

دموع بمصر

وفي مصر مازالت دموع كثيرة تسكب تحت واقع الأزمة السياسية بعد إطاحة الرئيس الحالي الجنرال عبد الفتاح السيسي برئيسه د.محمد مرسي في 3 يوليو 2013، ويتصدرها قوائم الذين ارتقوا في المجزرة الشهيرة في رابعة العدوية والنهضة خلال فض قوات من الجيش والشرطة المصرية للاعتصام بالقوة، في 14 أغسطس 2013، في الميدانين المذكورين، وقدرت منظمات حقوقية محلية ودولية (غير رسمية) أنّ أعداد القتلى تجاوزت الألف، بالإضافة إلى المئات من المختفين قسريًا خلال الفض، غير أنّ تقديرات المعارضين تصل بالأعداد إلى 4 آلاف ضحية.

كما برز في الفترة الأخيرة ظهور ضحايا قُتِلوا بدم بارد عقب إخفاء قسري تتهم به وزارة الداخلية المصرية، ووصلت أعداد المختفين قسريًا في عام 2017، رقمًا مزعجًا للحقوقيين حددوه بـ” 762 “حالة، بجانب سقوط أعداد من الشرطة والجيش في إطار الحرب المعلنة ضد الإرهاب بلغت وفق تقديرات غير رسمية المئات؛ حيث يقدر عدد ضحايا الشرطة خلال العامين 2014 و2015 بعدد 290، لكن لا يوجد إحصائيات رسمية.

زيارة المقابر هي العادة الأشهر في مصر بحسب تقارير محلية، لكن بعد الأزمة السياسية في العام 2013 بات الحديث عنها كبيرًا، مع زيادة أعداد الضحايا الذين انضموا لشهداء ثورة 25 يناير الذين لم يتم القصاص لهم حتى الآن وفق أهالي الشهداء ومراقبين وحقوقيين.

طقوس فلسطينية

ومع استمرار العدوان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، وفي القلب منها قطاع غزة، اعتاد آلاف الفلسطينيين في القطاع، صبيحة أول أيام عيد الفطر، التوجه إلى المقابر، لتلاوة الفاتحة على أرواح ذويهم الراحلين، ودرج الغزيّون، خلال زيارتهم للمقابر عقب صلاة العيد، على نثر الزهور على القبور، وتوزيع الحلوى على الأطفال الزائرين لتهنئتهم بالعيد.
وخاضت إسرائيل حربًا على قطاع غزة في السابع من يوليو 2014 استمرت 51 يومًا وأسفرت عن مقتل نحو 2200 فلسطيني، وإصابة نحو 11 ألفًا آخرين، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.

ومع ساعات اليوم الأول من العيد، تتحول المقابر في نابلس وقت الضحى إلى مزار لآلاف المواطنين الذين يقصدونها كواحدة من المحطات الرئيسة التي لا ينبغي تجاوزها في العيد؛ حيث يحرص الكثيرون على زيارة المقابر فور انتهاء صلاة العيد، أو خلال ساعات النهار، وفي مقابر نابلس، يجتمع الأقارب، لاسيما الأشقاء أو أبناء العم، في صباح العيد، ويتحلّقون حول قبر الأب أو الجد أو من سواهما، ويقرؤون بالعادة سورة الفاتحة وسورة (يس) بصوت جهوري وبشكل جماعي.

قهر ليبيا

وفي ليبيا لا تزال فرحة العيد غائبة في ظل الصراع المستمر ودور الجنرال خليفة حفتر في تقويض مكاسب الثورة، لكن لا تزال زيارة القبور مستمرة للترحم على شهداء ثورة 17فبراير وما بعدها من مراحل .
الأرقام تتضارب حول أعداد الضحايا والمهجّرين والنازحين؛ فقد أكدت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة «فاو»، في تقرير حديث لها، أن عدد الوفيات الناجمة عن المعارك في ليبيا بلغ 2527 شخصًا في الأعوام بين 2011 و2015، أما أعداد الوفيات الناجمة عن النزاع الليبي ككل، والتي تتضمن وفيات المعارك، والأمراض والإصابات والعنف خارج ميادين المعارك.فقدرت بـ15371 شخصًا، وذلك خلال الفترة الفاصلة ما بين 15 فبراير 2011 إلى 29 ديسمبر 2016.

عادة بالبحرين

ومن عادات أعداد كبيرة من البحرينيين الشيعة القيام بالزيارة الجماعية لمراقد الضحايا في المواجهات مع ملك البحرين حمد بن خليفة آل عيسي، والتي كثيرًا ما تدعو لها دائرة الشهداء في جمعية الوفاق في ثاني أيام عيد الفطر المبارك، ومن بين المشاركين قيادات من المعارضة والمجلس العلمائي ونشطاء، إلى جانب أعداد كبيرة من المواطنين توزعوا على 5 مجموعات زاروا مقابر البحرين في مختلف المناطق والمحافظات.
وترفض الجهات الرسمية الأرقام الأهلية المتعلقة بعدد ضحايا أحداث البحرين منذ 14 فبراير 2011، كما تضاربت الأرقام الرسمية بهذا الشأن، وأصبح لكل جهةٍ رقمٌ.