العدسة – جلال إدريس

ربما يكون “جورج سوروس” رجل الأعمال اليهودي، والمضارب الأكبر في العالم، هو ترجمة حقيقية لعبارة أنّ اليهود هم القوة الحقيقية الخفية التي تتحكم في اقتصاديات العالم.
فالملياردير اليهودى الأمريكى من أصول مجرية جورج سوروس يعدّ مثالًا للشخصيات التي تتحكم في العالم؛ حيث يكفي أن الملياردير االعجوز هو الرجل القوي الذي يدير البيت الأبيض من خلف ستار.

وقد نشر موقع ويكليكس 25000 وثيقة تكشف أن سوروس الذي يبلغ 86 عامًا هو رئيس الظل للولايات المتحدة، وصانع سياسات سواء فى أمريكا أو فى أكثر من 100 دولة أخرى حول العالم لفرض أجندة سياسية يؤمن بها ويحارب بكل قوّته من أجل فرضها سواء فى الداخل أو الخارج.
ووفقًا للوثائق فإنّ لـ “سوروس” نفوذًا كبيرًا داخل البيت الأبيض، وأيضًا في الحزب الديمقراطي، من خلال عدة مؤسسات يمتلكها مثل مجموعة الأزمات الدولية والمجتمع المفتوح والتقدم وغيرها الكثير.

فمن هو جورج سوروس؟ وكيف يتحكم في اقتصاديات الدول؟ وما علاقته بالعالم العربي والإسلامي؟ وما هو الدور الذي يلعبه حاليًا لإضعاف الاقتصاد التركي؟

المولد والنشأة

ولد جورج سوروس في الثاني من شهر أغسطس عام 1930، وهو يهودي مجري المولد أمريكي الجنسية، والده محامٍ وأمه تنتمي لعائلة تملك محلًّا لبيع أقمشة الحرير..
وحسب كتاب “سوروس.. المليونير المخلص” الذي أصدره مايكل كوفمن، محرر صحيفة نيويورك تايمز عام 2002: كان والد جورج وهو مجري يهودي، سجن خلال الحرب العالمية الأولى، وهرب بعدها من روسيا لينضم إلى عائلته في بودابست، تزوج عام 1924 وهاجر عام 1947 إلى إنجلترا، حيث تقدم للدارسة في كلية لندن للاقتصاد ليكون أفقر طالب فيها فعمل كنادل ليؤمِّن لنفسه ما يقتات به، وأنهى دراسته حاصلًا على درجة البكالوريوس في الفلسفة في 1951، وخلال عام 1954 حصل على الدكتوراة في نفس التخصص، وتسلم الدكتوراة الفخرية من جامعة يال و أكسفورد، وهو رجل أعمال ومستثمر ويدعي أنه يهتم بالعمل الخيري، فيما يعرف بدعمه للسياسات الليبرالية وبدوره الفعال في مرحلة التحول من الشيوعية إلى النظام الرأسمالي في المجر في الفترة (1984-1989).

وكان “سوروس” قد أعطى أكبر منحة قدمت للجامعة الأوربية في بودابست عاصمة المجر، علمًا أنه كان قد تبرع ضد الاجتياح الصربي لمدينة سراييفو في التسعينات.
وفيما يخص حياته الاجتماعية تزوج جورج للمرة الأولى عام 1960 من أناليز ويتشاك وهي من أصل ألماني، ولم تكن يهودية وأنجبا ثلاثة أبناء هم روبورت دانيل سوروس عام ١٩٦٣، وأندريا سوروس كولومبيا عام ١٩٦٥ وجوناثين تيفادار سوروس عام ١٩٧٠، وانفصل جورج عنها عام 1983.
وتزوج بعدها في نفس العام من سوسان ويبر التي انفصل عنها عام 2005، وكانا قد أنجبا طفلين هما ألكسندر سوروس عام ١٩٨٥ جريجوري جيمس سوروس عام ١٩٨٨، تزوج بعدها وللمرة الأخيرة من تاميكو بولتن ذات الأصل الياباني.

مؤسسة المجتمع المفتوح

يمتلك “جورج سوروس” عشرات وربما المؤسسات، لكن تبقى مؤسسة المجتمع المفتوح أخطرها على الإطلاق، حيث تأسست عام 1993 والهدف منها هو تقديم الدعم المالى لمنظمات المجتمع المدنى للنهوض بمجالات التعليم والصحة وحقوق الإنسان، وإنشاء وسائل إعلام مستقلة، وتحت لافتة هذا الهدف المعلن هناك هدف خفِي آخر هو التنسيق مع المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) لتغيير النظم الحاكمة فى بعض البلدان.
وبرغم “أن “سورس” يحاول دائمًا تصوير أنشطة مؤسسته “المجتمع المفتوح” على أنها جهود خيرية، وأن المؤسسة ترفع شعار “مجتمعات حية ومتسامحة تكون حكوماتها قابلة للمحاسبة ومفتوحة على مشاركة كل الناس، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك؛ حيث تتلاعب تلك المؤسسة في مصائر بعض الدول.
فعلى سبيل المثال أنهت روسيا عام 2015 عمل هذه المنظمة فى الأراضى الروسية، لأنها كانت تعمل على تهديد الأمن القومى الروسي.
داعم للإسلاموفوبيا
ووفقًا لتقارير ووثائق دولية، فإن مؤسسة سوروس للمجتمع المفتوح، أحد أكبر الداعمين للإسلاموفوبيا، أو الخوف من الإسلام في أمريكا وأوربا، رغم ادعائها خلاف ذلك؛ حيث حاولت التضخيم من ظاهرة الإسلاموفوبيا عبر استغلال الهجمات الإرهابية التى يرتكبها أعضاء من تنظيم داعش.
وأظهرت وثائق دولية أنّ مؤسسات سوروس تراجعت عن الدفاع عن اللاجئين والمهجرين، خصوصًا بعد أحداث سان برناردينو بكاليفورنيا، بل إنها أسمهت بصورة أو بأخرى في تشديد إجراءات منح تأشيرات السفر.
وقالت الوثائق: إن سوروس الذى تمكن من أن يصبح مليارديرًا بعد أن عمل كبائع متجول وحمال وجرسون فى بريطانيا، هو الممول الرئيسي لمنظمات المجتمع المدنى فى العالم، وذكرت الوثائق أن الهدف يتمثل فى استخدام ثروة ضخمة لنشر فوضى عالمية، وذلك لتحقيق أجندته التى تؤمن بسياسات النيوليبرالية.

وتؤكد الوثائق أن الثري العجوز يدعم الديمقراطيين منذ فترة طويلة في مواجهة الجمهوريين الذين يحاربهم بقوة؛ حيث إنه كان قد سخّر ثروته التي وصلت في آخر تقدير إلى 26 مليار دولار من أجل تنفيذ خططته ورؤيته.

مهندس الماسونية في العالم

يعد الملياردير اليهودي الشهير جورج سورس، هو مهندس الماسونية في العالم، كما أنه يعد أحد أهم أغنياء العالم ال52، وفقًا لتصنيفات دولية.
وفي تصريحات تنسب لـ”سوروس” فإن اليهود الأغنى في العالم والذين يتحكمون في اقتصاده، وأغنى أغنياء العالم هم في الأصل من العوائل اليهودية الحاكمة في إسرائيل وينحدرون من عوائل الأسباط الأثنى عشر، مشيًرا إلى امتلاكهم لـ 19 تريليون من النقد في العالم .
وبين جورج المقيم في الصين أن ”هذه العوائل هي من تتحكم في العالم وهم من يسيّرونه حسب رغباتهم، ويتحكمون بالسياسة النقدية ومنها صندوق النقد الدولي”.

وصرح سورس أن ”غالبية اليهود الأسباط لديهم نسب قديم مع الملكة إليزابيت وعائلة جورج بوش، وإضافة إلى العائلة المالكة في فرنسا أو يعودوا للأسر الحاكمة“.
وكشف أن من بين هذة العوائل يوجد 4 عائلات يهودية مسيطرة على الأقتصاد ككل، وعلى صندوق النقد الدولى، باللإضافة على استيلائهم على الأعلام الألماني والأمريكي، مشيرًا الى أنّ “البعض الآخر يتحكم في تكنولوجية المعلومات التي من خلالها يتحكمون في مراقبة مشاهير العالم في الفن والاقتصاد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الخاص بهم “.

مضارب دولي كبير

يعدّ “سوروس” أحد أكبر المضاربين الدوليين، حيث ربح مليار دولار عام 1992 من عملية مضاربة كبّدت الاقتصاد البريطانى خسائر فادحة، ففي يوم الأربعاء الأسود 16 سبتمبر عام 1992 باع على المكشوف أكثر من 10 مليارات دولار من الجنيهات الإسترلينية، مستفيدًا من تردد بنك انجلترا المركزي بين رفع معدلات الفائدة إلى مستويات مماثلة لآلية الصرف الأوروبية أو تعويم عملته، الأمر الذي أجبر البنك المركزي على سحب عملته من آلية الصرف الأوروبية وعلى تخفيض قيمة الإسترليني، وفاز “سوروس” من هذه العملية بـ 1.1 مليار دولار، فعرف باسم «الرجل الذي حطم بنك إنجلترا».
كما أنه يتحكم فى مظاهرات الشارع الأمريكى عبر تبرعاته لحركة «احتلوا وول ستريت»، وهى الحركة التى انتشرت فى كل أنحاء العالم، أو لحركة «حياة السود تهم» من أجل إعادة هيكلة الشرطة الأمريكية.

حتى آسيا وفرنسا لم تنجيا من تلاعب “سورس” في البورصات والعملات، ففي عام 1997، وخلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت الأسواق الآسيوية، اتهم مهاتير بن محمد رئيس مجلس الوزراء الماليزي ، “سورس” باستخدام ثروته لمعاقبة منظمة الآسيان بعد ضم ميانمار كعضو جديد فيها، وأسماه مهاتير حينها بـ “الغبي والأبله”.

مجرم الحرب الاقتصادية

كما أطلقت عليه السلطات التايلاندية لقب “مجرم الحرب الاقتصادية ” الذي يشرب دم الشعب، وفي عام 1988، عرض عليه الانضمام إلى عملية استحواذ للبنك الفرنسي سوسيته جنرال، فرفض، لكنه بعد فترة وجيزة اشترى بعض الحصص في البنك، ما دفع بالسلطات الفرنسية إلى إجراء تحقيق عام 1989 .
وأصدرت محكمة فرنسية حكمًا على “سورس” عام 2002 بدفع مليوني دولار؛ بسبب استخدامه معلومات داخلية في الصفقة المذكورة، غير أن “سورس” نفى هذه المعلومات واستأنف الحكم مبررًا بأن عميلة الاستحواذ كانت علنية، وفي عام 2006.
كما أيدت المحكمة العليا في فرنسا إدانته بجريمة استخدام المعلومات الداخلية، إلا أنَّ جميع عمليات “سورس” المضاربية وتخمين العملات لم تكن ناجحة، فعلى سبيل المثال خسر حوالي مليار دولار خلال أزمة السوق الروسي عام 1998.

محطم بنك إنجلترا

طبع يوم الأربعاء الأسود 16 سبتمبر عام 1992 حياة سوروس بأحرف من نور، فهذا اليوم استقى شهرته من شهرة جورج السريعة، التي ظهرت على العلن عندما باع على المكشوف أكثر من 10 مليارات دولار من الجنيهات الإسترلينية مستفيدًا من تردد بنك انجلترا (المركزي) بين رفع معدلات الفائدة إلى مستويات مماثلة لآلية الصرف الأوروبية أو تعويم عملته. الأمر الذي أجبر البنك المركزي على سحب عملته من آلية الصرف الأوروبية وعلى تخفيض قيمة الاسترليني .
وفاز سوروس من هذه العملية ب 1.1 مليار دولار، فعرف باسم ‘الرجل الذي حطم بنك انكلترا’.
وفي 26 أكتوبر عام 1992، نقلت صحيفة التايمز البريطانية عن سوروس قوله: ‘خططنا لبيع أكثر من 10 مليارات دولار في الأربعاء الأسود.
ففي الواقع عندما قال نورمان لامونت (مستشار الخزينة)، قبل تخفيض قيمة الإسترليني، إنه ينوي اقتراض حوالي 15 مليار دولار لحماية العملة، أردنا الاستمتاع لأن المبلغ يعادل الذي أردنا بيعه تقريبًا’. وحسب كتاب Inside the house of money الذي صدر حديثًا عن الكاتب ستيفن دروبني، كان ستانلي دراكن ميلر، الذي يعمل لمصلحة سوروس، هو من اكتشف ضعف الجنيه الإسترليني في حينها.

محارب للاقتصاد التركي

ومؤخرًا تلقي الدولة التركية باللائمة على اللوبي اليهودي للانخفاض المفاجئ لقيمة العملة في البلاد، وطالما وجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أصابع الاتهام إلى لوبي الفائدة لتقلبات سعر العملة.
وفي أواخر الشهر الماضي وجَّه الأكاديمي والمحلل الإسرائيلي إيدي كوهين، تهديدات للاقتصاد التركي، مشيرًا إلى تأثير اللوبي اليهودي، وذلك في معرض تقييمه لتذبذب سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار. وقال كوهين في تدوينة على موقع تويتر مخاطبًا أردوغان: “ألا تعلم أن نصف ثروة العالم لعائلة يهودية واحدة فقط وهي الداعم الأول لإسرائيل فكيف بأثرياء اليهود الكثر الآخرين”.
ويتهم “جورج سوروس” بأنه أحد المضاربين في الاقتصاد التركي والساعين لضرب الليرة التركية في مقتل، خصوصًا مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية التركية، وذلك لإضعاف موقف الرئيس التركي “أردوغان” الذي يعتبره الماسونيون أبرز أعدائهم.

ووفقًا للمحلل السياسي البريطاني آدم غاري، فإن المضاربين في العملات الغربية في الأسابيع القليلة الماضية، ومن بينهم المنظمات الخاضعة لقيادة أو نفوذ جورج سوروس، كانوا يتكهنون بانهيار الليرة التركية، فيما اعتبره الرئيس التركي أردوغان محاولة واضحة للتدخل في شؤون تركيا قبل الانتخابات القادمة.
وتابع بالقول إن أهم ما يميز الاقتصاد التركي الحديث ويزعج سوروس والمضاربين الغربيين هو أنه غير قابل للقياس الكمي، ذلك أنه خلال عهد أردوغان وسّعت تركيا شراكاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا وإيران وفي إفريقيا مع دول مثل السودان، حيث تشارك تركيا في مشاريع تنموية طويلة الأجل ستكون ذات منفعة متبادلة لجميع الأطراف.

وختم المحلل البريطاني بأنّ من المؤكد أن محاولات سوروس والمضاربين الغربيين للتدخل في الشؤون السيادية لتركيا لم تنتهِ بعد، لكن في معركة السيطرة على مصير تركيا، وجّه الرئيس أردوغان صفعة قوية لجورج سوروس وزملائه المضاربين من رجال العصابات، وهو ما يعد انتصارًا ليس لأنقرة فقط، ولكن للشرق بأكمله.