العدسة – معتز أشرف:

مع إطلالة عيد الفطر، تتجه الأنظار إلى منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، حيث مسلمو الروهينجا في ولاية أركان غرب ميانمار”بورما سابقًا” ومسلمو الأويغور في إقليم تركستان الشرقية (شينكيانج) في غرب الصين، والمسلمون في جمهورية إفريقيا الوسطى، لترصد أزمة إنسانية تبدد فرحة عيد الفطر التي يحرص عليها المسلمون.

نرصد مآسي الروهينجا والإيجور وإفريقيا الوسطى مع قدوم عيد الفطر.

انتهاكات مروعة

عادت قضية الروهنيجا إلى واجهة أزمات الإقليات المسلمة، بعد مخطط جرى تنفيذه في أغسطس 2017 للانتقال بحسب مراقبين من مرحلة الإبادة الجماعية البطيئة إلى مرحلة الإبادة السريعة المتطورة للعرقية الروهينجا، وهو ما أعاد للذاكرة تاريخًا حافلًا من المعاناة الإنسانية منذ عقود على أيدي البوذيين والراخين خاصة في 2012 و2016، واشتملت كل أنواع الظلم والاضطهاد من قتل، وتشريد، واغتصاب، ومصادرة وتعذيب، تم توثيقها من قبل عديد من المنظمات الحقوقية العالمية الحكومية وغير الحكومية حتى اعتبرت الأمم المتحدة الروهينجا أكثر إنسانية تعرضًا للاضطهاد في عصر الحديث.

وأعلنت الأمم المتحدة، في وقت سابق أن الظروف “غير مهيأة” لعودة اللاجئين الروهينجا من بنجلاديش إلى إقليم أراكان غربي ميانمار، مؤكدةً أن العودة يجب أن تكون طواعية وآمنة وفِي ظروف كريمة، وحسب معطيات الأمم المتحدة، فرَّ نحو 700 ألف من مسلمي الروهينجا من ميانمار إلى بنجلاديش، 60% منهم أطفال، بعد حملة قمع بدأتها قوات الأمن في 25 أغسطس 2017، ووصفتها المنظمة الدولية والولايات المتحدة بأنها “تطهيرًا عرقيًا”.

مأساة الإيجور

وفي الإيجور، عادت الأزمة بالتزامن مع نشر أخبار عن إجبار فتاة مسلمة من أقلية “الإيجور” في الصين للزواج من رجل صيني من “شعب الهان” صاحب الأغلبية هناك، تم تداول مقاطع فيديو لها على التواصل الاجتماعي في الأول من يونيو الجاري، وسادت موجة غضب واسعة على مواقع التواصل، إثر نشر مقاطع مصورة من حفل الزواج القسري للفتاة المسلمة من رجل صيني مُلْحِد بعد تعرض أهلها للإغراءات المادية التي تضمن تكفل احتياجات الحياة من تأمين صحي وفرصة للحصول على منزل ووظيفة والإعفاء من الرسوم الدراسية حتى المرحلة الجامعية مقابل زواج ابنتهم قسريًا.

وتتعرض الأقلية المسلمة هناك لانتهاكات مروعة؛ حيث تعتقل الدولة الصينية الرجال في محاولة أخيرة لإجبارهم على ترك الدين الإسلامي، بينما تُجبر الفتيات المسلمات من الأقلية الإثنية “الإيجور” خارج المعتقل على الزواج من رجال من شعب “الهان”، الأغلبية من الشعب الصيني، من خلال عرض مكافآت مالية على الأهل لقبول عرض الزواج أو بواسطة تهديدهم بالاعتقال في حالة رفض عرض الزواج.

وأعلنت الحكومة المحلية في إحدى بلدات إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية الإيجورية المسلمة عن مكافأة قدرها عشرة آلاف يوان (1630 دولارا) سنويًا، إضافة لامتيازات معيشية للمتزوجين الجدد، على أن يكون الزوج من شعب الهان وتكون زوجته من الإقليات الموجودة في شمال غرب الصين، وتحديدًا من الأقلية المسلمة الأويغور، واتهمت السلطات بارتكاب انتهاكات حقوقية في الإقليم، آخرها إجبار سكانه من الإيجور بتثبيت تطبيق على هواتفهم النقالة، يمكنها من مراقبتهم على مدار الساعة، مع عقوبات قد تصل إلى الاحتجاز 10 أيام بحق المخالفين.

وفي محاولة لخلع أبناء الإقليم عن هوياتهم الإسلامية التركية، عملت الصين بحسب تقارير اعلامية على إجبار الأويغور على ترك لغتهم الأويغورية، وفرض تعلمهم للغة الصينية، كما منعت السلطات الشعائر الإسلامية المعروفة، مثل ارتداء الحجاب، وكذلك تم منع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت، بالإضافة إلى وضع عراقيل أمام الذهاب إلى المساجد، كمنع دخول مَن عمرهم أقل من 18 عامًا لأي مسجد في أنحاء تركستان الشرقية، كما زادت حدة التطرف الصيني ضد المسلمين الأويغور، حتى تم إجبارهم على تناول الطعام في نهار رمضان، كما تم إجبارهم على المشاركة في تناول الأطعمة التي تحرمها الشريعة الإسلامية، مثل لحم الخنزير أو اللحم غير المذبوح على الطريقة الإسلامية.

وقالت الناشطة الأويغورية في حقوق الإنسان روقية توردش: إن نساء الأويغور هدف مباشر لعدوان الحكومة الصينية، بسبب الذبح العرقي فى الصين، وأضافت في حوارها مع مجلة المجتمع أن المرأة الأويغورية هي الهدف الأكثر ضعفًا لسياسة الطفل الواحد في الصين، مضيفة أنه خلافًا لمعظم النساء الصينيات من إثنية الهان، تقاوم نساء الأويغور سياسة الطفل الواحد للصين، ولا يدعم أي منهم طوعًا سياسة الطفل الواحد، ويواجهن الإجهاض القسري غير المهني في العيادات الطبية المتخلفة ويتحملن العذاب العقلي الهائل والمعاناة الجسدية.

محنة إفريقيا الوسطى

أتون اضطهاد المسلمين فُتح على مصراعيه في إفريقيا الوسطى، منذ مارس 2013، حين أطاح ما كان يعرف سابقًا بتحالف “سيليكا”، وهو ائتلاف عسكري وسياسي ذو أغلبية مسلمة، بالرئيس المسيحي، فرانسوا بوزيزي.
ومارست الميليشيات المسيحية منذ ذلك الوقت عمليات قتل وحشية ضد المدنيين المسلمين، تمثلت في حرق الجثث وبتر الأعضاء وتدمير المساجد وتهجير أعداد كبيرة من السكان المسلمين” ووفقًا للمفوضية فهناك ما مجموعه 2.7 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية، مشيرة إلى مواجهة كل من برامج المساعدة الإنسانية لجمهورية إفريقيا الوسطى وخطة الاستجابة الإقليمية للاجئين نقصًا شديدًا في التمويل.

وأدَّت أعمال العنف الطائفية إلى نزوح ربع سكان البلاد -البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة- عن مناطقهم خوفًا من الهجمات الانتقامية، ومنذ ديسمبر 2013 بلغ عدد الذين لجأوا إلى دول مجاورة لإفريقيا الوسطى ربع مليون. كما تفيد التقارير التي نشرها “مركز آدم الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات في العالم” بأنّ أعمال العنف المتواصلة في إفريقيا الوسطى مازالت تهدد أرواح آلاف الأشخاص من مختلف الأعمار، لاسيما بعد انتشار مشاعر الكراهية بين المسلمين والمسيحيين، وظهر ذلك جليًا في أساليب القتل التي تشهدها البلاد.
وفي قرية “دمبي” جنوب شرقي جمهورية إفريقيا الوسطى قُتل إمام مسجد و26 من المصلين، يوم 10 أكتوبر 2017، في هجوم شنته ميليشيات محسوبة على “أنتي بالاكا”، ذات الغالبية المسيحية، على المسجد، في مذبحة جديدة ترفع مؤشر عدّاد المجازر بحق مسلمي هذا البلد الإفريقي الغني بالموارد المعدنية، وسط القارة السمراء.

عيد بلا فرحة

والأوضاع هكذا، يأتي عيد الفطر وسط أحزان هنا وهناك، وبحسب رصد للأوضاع هناك مع آخر عيد فطر في العام 2017، فقد قضى مسلمو الروهنيجا عيد الفطر المبارك وهم تحت سياط الخوف والقهر، وبحسب وكالة شهاب للأخبار فقد أدى مسلمو الروهينجا النازحون صلاة العيد الأخيرة في مخيم “كوتوبالونج” بالمنطقة الحدودية مع بنجلاديش رغم الألم وسوء الأوضاع الإنسانية في ظل وجودهم مخيمات عشوائية تهددها فيضانات الأمطار الغزيرة والأمراض.

وفي تركستان الشرقية، وفي “كاشغر” أكثر المدن التزامًا بالتعاليم الإسلامية في منطقة شينغيانغ المضطربة، تجمع المسلمون خارج مسجد (عيدكاه)؛ حيث يتجمع آلاف الرجال والفتيان لأداء صلاة العيد في الخلاء تحت مراقبة قوات الجيش والشرطة في الصين يؤدون الصلاة وسط قلق عام.

وبحسب أحدث التقارير المتوفرة قالت إذاعة بي بي سي عربي: “يحتفل الملايين في أنحاء العالم بعيد الفطر، إلا أن أوضاع الأقلية المسلمة في جمهورية إفريقيا الوسطى لا تدع لهم مجالًا للاحتفال، وذلك بسبب اندلاع القتال في البلاد منذ أكثر من عام بين جماعات مسلحة مسلمة ومسيحية، وراح ضحيته الآلاف”.