جلال إدريس
فضيحة كبرى تعرّضت لها السلطات السعودية مؤخرًا في مجال القرصنة والسطو على حقوق الغير؛ وذلك بسبب تصرفات المستشار بالديوان الملكي السعودي سعود القحطاني.
الفضيحة تمثلت في بيع المملكة الوهم للمواطن السعودي وإقناعه بأنه سيتمتع بمشاهدة مباريات كأس العالم عبر قناة فضائية سعودية سيتم إطلاقها قبل أيام من بدء البطولة الدولية، ليتضح بعد ذلك أنّ السعودية كانت تنوي قرصنة قنوات “بي إن سبورت الرياضية”.
ومع انتشار الفضيحة عالميًا وتهديدات “فيفا” للسعودية، اضطرت السعودية للتراجع عن عمليات السرقة والقرصنة، وزعمت مصادرة نحو 5 آلاف جهاز قرصنة فضائيات كانت قد سهّلت عملية دخولها للمملكة.
“العدسة” ومن خلال التقرير التالي ترصد القصة الكاملة للقرصان “سعود القحطاني”، وكيف أحرج نفسه وبلاده، وكشف عن ذبابه الإلكتروني، المتخصص في عمليات القرصنة للمواقع والقنوات والوكالات.
القصة من بدايتها
لمعرفة فضيحة “سعود القحطاني” من بدايتها يجب العودة لأكثر من عام، وتحديدًا في 12 يونيو 2017، حين خرج سعود القحطاني ليبشِّر الشعب السعودي بأنه يعمل على إيجاد حل تجاه الحقوق التلفزيونية الرياضية التي تمتلكها قنوات “بي إن سبورت” bein sport القطرية.
وزعم المستشار الوزير في سلسلة تغريدات على تويتر وقتها عمّا أسماها “ثغرة قانونية هائلة” في احتكار مجموعة بي إن سبورت.
وبعد ما يقارب الشهرين نشر موقع صحيفة الرياض الذي يدار بإشراف سعود تغريدة أعلنت خلالها عن إطلاق قنوات beoutQ ” المخصصة لنقل مباريات دوريات أوروبا بأسعار رمزية.
وأضافت الصحيفة أنه سيتاح للجميع متابعة أهم البطولات في البثّ التجريبي الذي انطلق..
فضيحة قنوات “بي أوت كيو” الوهمية
انتظر السعوديون قنوات “بي أوت كيو” التي زعم “سعود القحطان” أنها ستبثّ مباريات كأس العالم، ليكتشف المواطنون أن تلك القناة وهمية، وما هي إلا عملية قرصنة لقنوات بي إن سبورت.
وفي حين ألغت الإمارات الحجب المفروض على قنوات بي إن سبورت الرياضية القطرية نزولًا عند رغبة الجمهور من الأجانب المقيمين على أراضيها لجأت قناة بي أوت كيو (beoutQ) السعودية إلى خيار آخر هو القرصنة.
القناة المزعومة التي روّج لها في الأوساط الرياضية السعودية كان الغرض منها حسب القائمين عليها أن تكون بديلًا لقناة بي إن سبورت وكسر ما أسموه احتكارها لتغطية الدوريات الأوروبية والعالمية.
لكن الجماهير السعودية فُوجِئت بأن هذه القناة ما هي إلا قرصنة لحقوق بث القناة القطرية على الإنترنت مع إخفاء شعار بي إن سبورت وتقديم شعار القناة الوهمية بدلًا منه ومطالبة المشاهدين بدفع مبلغ زهيد سنويًا نظير هذه القرصنة (300 ريال تكلفة جهاز الاستقبال و130 ريالًا للاشتراك).
كما أن تطبيقات القناة على متجري جوجل وآبل حذفت على الفور لمخالفتها حقوق البث.
فشل في السرقة
وفشلت القناة في نقل وقائع مباراة المنتخبين السعودي والإماراتي ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال روسيا 2018 لتحرم بذلك ملايين السعوديين من متابعة منتخب بلادهم وتذهب كل وعودها أدراج الرياح.
وبعد اكتشاف الفضيحة وتبيّن للمواطن السعودي أن الحل لا يتعدى قيام “سعود” بقرصنة وسرقة حقوق البث من bein ، تحول المغردون إلى الهجوم على “سعود” وأطلق عليه العديد منهم لقب “الحرامي”، تعبيرًا عن خَيْبة أملهم في هذا الحل الذي حرمهم من مشاهدة المباريات بشكل قانوني وبمواصفات عالية الجودة إلى المشاهدة عن طريق السرقة وبدعوة ودعم رسمي من مستشار في الديوان الملكي السعودي!.
فيفا ترد
مجموعة “بي إن” الإعلامية، لم تصمت على الاعتداء على حقوقها، فخاطبت السلطات السعودية بوقف قناة “بي أوت كيو” التي تبث مباريات رياضية بصورة غير مرخصة ووصفتها بالقرصنة، كما طالبت بإجراء تحقيق في هذا العمل غير القانوني.
وعبرت المجموعة عن أملها في أن تحترم السلطات السعودية قوانين المملكة الداخلية والقوانين الدولية والتزاماتها واتفاقاتها الدولية لحماية حقوق الملكية الفكرية، وأكدت أنها تبحث جميع الخيارات القانونية لحماية حقوقها.
وتدخل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (فيفا) ليدعم “بي إن سبورتس” في اتخاذ أي إجراء قانوني لحماية حقوقها، بدوره قال الاتحاد الدولي لمكافحة القرصنة إنه يدين القرصنة، وأنه يقف بشكل كامل مع مجموعة “بي إن”.
توزيع أجهزة قرصنة وسحبها
وحتى يسهل “سعود القحطاني” عملية سرقته وقرصنة للقنوات القطرية، وجدت أجهزة القرصنة طريقها للمملكة، حيث أكد كثير من المغردين أن تلك الأجهزة لم تكن تدخل المملكة إلا بعلم مُسبَّق من الدولة.
لكن وبعد تزايد الانتقادات الدولية وخوفًا من الملاحقات القانونية استيقظ “سعود القحطاني” أمس ليعلن في تغريدة له بأن هناك قناة تبث بثًا مُقرصن لفعاليات الدوريات العالمية بما في ذلك كأس العالم القادم.
وأعاد تغريدة خبر لجريدة عكاظ التي تعمل بتوجيهاته بأنّ السلطات المختصة في السعودية، شرعت بحملة مكثفة لتنظيف السوق من جهاز بثّ يقوم بقرصنة إحدى القنوات الرياضية. وطبقًا لإحصاء أولي، فقد تمّت مصادرة 5 آلاف جهاز، وتم إتلافها بحضور ممثل عن كل الجهات المشتركة في هذه الحملة.
وبهذا فقد وصف مغردون ومراقبون كل تلك الخطوات بأنها كانت تجارة من القحطاني بأحلام السعوديين وباع لهم الوهم المقرصن، وعندما تم فضحه قام مرغمًا بالتراجع عن قرصنة حقوق بث قناة بي إن، ولا عزاء للسعوديين.
ليست القرصنة الأولى للقحطاني
ولا تعد فضيحة قرصنة “سعود القحطاني” هي الأولى من نوعها، حيث سبق وأن تناول حساب سعودي على “تويتر” يدعى “تاريخ وذكريات” معلومات مثيرة عن تاريخ المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني في عمليات الاختراق الإلكترونية (الهكر) والقرصنة.
وعرض الحساب تاريخ القحطاني في القرصنة والتجسس، مؤكدًا ذلك بصور إيضاحية أرفقها بتغريداته، وبحسب المغرد السعودي، فإنَّ سعود القحطاني بدأ التعامل مع مواقع (الهكر) في عام 2009، وبأسماء مستعارة.
وقال حساب “تاريخ وذكريات”: إن أعضاء أحد مواقع الهكر ظنوا أن القحطاني من الأسرة الحاكمة، أو أنه يملك بئر نفط، نظرًا لإنفاقه الكبير على الموقع، من أجل تصدر المشهد وأيضا كسب ثقة كبار الهكر مما يسهل التعامل معهم، بحسب التغريدات المنشورة. ونشر الحساب سلسلة صور لطلبات القحطاني من القراصنة منها توفير 10 آلاف رقم جوال، لاستخدامها لتفعيل حسابات “تويتر”، وفي أخرى يطلب آلاف الزيارات إلى موقع إلكتروني.
وأكد المغرد أن “سعود القحطاني” طلب من الموقع في عام 2015، توفير خبراء في أمن المعلومات، وهو الوقت الذي تزامن مع إعلان صحيفة “سبق” عن توفر فرص عمل في إحدى شركات أمن المعلومات، وبرواتب تصل إلى نحو 10 آلاف دولار، دون ذكر اسم الشركة.
وأشار الحساب إلى أنّ “القحطاني” كان يدخل لمواقع الهكر باسم nokia2mon2، وتعرّض أحد هذه المواقع للاختراق، ما أدّى لنشر مراسلات، دلّت على لجوء المستشار في الديوان الملكي السعودي، لاختراق حسابات المعارضين، وغيرهم.
وكشفت إحدى المراسلات أنّ “القحطاني” طلب المساعدة في إيجاد حل لمشكلة يواجهها؛ إذ كان يريد التجسس وتسجيل الأصوات في أجهزة كمبيوتر ويرغب بحل يصعب اكتشافه، كما عرض 1500 دولار لمن يقرصن 3 حسابات بريد “هوتميل”، وشراء 100 ألف زائر وهمي، ومن ألف إلى ألفي حساب “يوتيوب” مفعلة لاستخدامها، كما طلب برمجة للتحكم بـ”الإعجابات” لمقاطع “يوتيوب”.
شراء ذباب إلكتروني
ومن بين الطلبات أيضًا تجميد حساب “تويتر”، وشراء ذباب إلكتروني من الشرق الأوسط وكندا عدده 3 آلاف. كما توضّح إحدى المراسلات أن “القحطاني” طرح مشكلة طلب فيها مساعدة بعدما حاول الهجوم على أحد المواقع، لكن الموقع حظر الذباب الإلكتروني ولم يسمح سوى بالمتصلين من دولة واحدة، ولم يكن لديه ذباب إلكتروني من هذه الدولة وطلب حلًا من الأعضاء. كما طلب تحويل مبلغ 10 آلاف دولار إلى عملة “البيت كوين”، بالإضافة إلى أداة للتجسس على أجهزة “ماك”.
ونشر ناشطون آخرون، معلومات من مواقع “الهكر” ذاتها، تشير إلى طلب سعود القحطاني، اختراق حساب المغرد السعودي الشهير “مجتهد” عبر “تويتر”، مقابل 10 آلاف دولار. بدوره، نشر المغرد القطري عيسى بن ربيعة معلومات مشابهة حول القضية ذاتها، مضيفًا أن “القحطاني” بات يتعامل مع “هاكينغ تيم” الإيطالية.
وقال “ربيعة”: “لاحظنا كيف التروجان موجهة لأنظمة الويندوز وينزرع في الريجستري بمجرد دخولك المواقع اللي كان يستهدفها”، متابعًا: “دليم يقوم بزرع برامج التجسس في المواقع وبمجرد دخولك للموقع تتحمل في جهازك ويبدأ التجسس واستخدمها ضد مواقع معارضيه، وكان “القحطاني” يتحدثون عنه في موقع الهكرز أنه سعودي من الأسرة الحاكمة ودفيع جاد بمقابل خدمات التجسس والاختراقات”.
وأضاف: “القحطاني لم يعين مستشارًا إعلاميًا في الديوان الملكي إلا بعد هذه الخدمات التجسسية الجليلة، والتي كانت على إثرها حصلت اعتقالات كثيرة”. ونشر “ربيعة” نسخة من بريد إلكتروني مسرب من “ويكيليكس” يطلب خلاله “سعود القحطاني” المساعدة من مواقع “الهكر”.
وأطلق المغردون القطريون لهذه الفضيحة وسم “#تجسس_دليم”، وهو لقب يطلق في الخليج على الخادم الذي يقوم بالأعمال التي يَأنَف منها السيد، مثل شتم الآخرين وتشويه سمعتهم وغيرها من الأمور الدنيئة وهو مستمد من قصة شعبية لخادم اسمه “دليم”، واللقب أطلقه القطريون والسعوديون على “سعود القحطاني” كونه يقوم بالأعمال التشويهية.
اضف تعليقا