العدسة – معتز أشرف:

بعد سنوات من العمل الثنائي السرّي وبعيدًا عن مجلس التعاون الخليجي، ظهر على السطح مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي، في اعتراف علني بالكواليس الثنائية التي حرص عليها الأميران محمد بن سلمان ومحمد بن زايد طوالَ الفترات الماضية في مواكبة لمرحلة جنون العظمة “البارانويا” التي تسيطر على الأميرين، ورفضت سياقاتها ونتائجها المضررة دول أخرى في مجلس التعاون وفي مقدمتهم الكويت وقطر.

نرصد مآلات المجلس الجديد في ظل الأوضاع الراهنة وتأثيراته على استمرار مجلس التعاون الخليجي.

كيان موازٍ!

بحسب الأهداف المعلنة لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي فهو يهدف إلى خلق كيان موازٍ لمجلس التعاون الخليجي؛ فهو يهدف إلى تكثيف التعاون الثاني بين السعودية والإمارات في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، ومتابعة تنفيذ المشاريع والبرامج المرصودة، وإبراز مكانة الدولتين في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية والتكامل السياسي والأمني العسكري، وتحقيق رفاه مجتمع البلدين.

هاجس الحديث عن خلق كيان موازٍ كان حاضرًا مع ولادة مجلس التنسيق؛ حيث ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن المجلس يدعم العمل ضمن منظومة العمل الخليجي المشترك؛ إذ تم إنشاء المجلس ضمن اتفاقية بين السعودية والإمارات العربية المتحدة في شهر مايو/أيار 2016، ويعمل على وضع رؤية مشتركة تعمل على تعميق واستدامة العلاقات بين البلدين بما يتسق مع أهداف مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وتعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بين البلدين وإيجاد الحلول المبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وبناء منظومة تعليمية فعّالة ومتكاملة قائمة على نقاط القوة التي تتميز بها الدولتان لإعداد أجيال مواطنة ذات كفاءة عالية، وتعزيز التعاون والتكامل بين البلدين في المجال السياسي والأمني والعسكري بما يعزّز أمن ومكانة الدولتين السيادية الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى ضمان التنفيذ الفعال لفرص التعاون والشراكة بين البلدين، وذلك عبر آلية واضحة تقوم على منهجية متكاملة لقياس الأداء بما يكفل استدامة الخطط.

وكثر الحديث في أواخر العام 2017 عن مستقبل مجلس التعاون الخليجي في سياق تناول الأزمة الراهنة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى؛ حيث جري الحديث عن إمكانية تجميد عضوية قطر في المجلس، كما دارت تساؤلات عن مستقبل المجلس في حال عدم التوصل إلى حل للأزمة الراهنة إلا أنّ إنشاء مجلس التنسيق السعودي الإماراتي أجاب على الأسئلة.

وبالعودة إلى أهداف مجلس التعاون الخليجي، وبحسب النظام الأساسي للمجلس، فإنّه يهدف إلى “تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولًا إلى وحدتها”، ومن بين ذلك تعزيز التعاون الاقتصادي المشترك. وتتناوب الدول الأعضاء على رئاسة المجلس، وهو نفس الأهداف التي أعلنها مجلس التنسيق.

وفى 25 مايو عام 1981، توصل قادة كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت وقطر ومملكة البحرين فى اجتماع عُقِد فى إمارة أبوظبى إلى صيغة تعاونية تضم الدول الستّ تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم فى جميع الميادين وصولًا إلى وحدتها، وفق ما نصّ عليه النظام الأساسى للمجلس فى مادته الرابعة، التى أكدت أيضًا على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطنى دول المجلس.

واحتضنت الكويت، قمة مجلس التعاون الخليجي في دورتها الـ38 وسط غياب لعدد من قادة الخليج، رغم حضور أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذلك بسبب خلافات في البيت الخليجي خاصة فيما يتعلق بالأزمة المتواصلة مع قطر، في إعلان مباشر عن خروج السعودية والإمارات عن الإجماع الخليجي.

حصار قطر

موقع إخباري امريكي بارز اعتبر أنّ حصار قطر الذى دخل عامه الثانى قد أنهى مسيرة مجلس التعاون الخليجي، ونشر موقع “لوب لوك” الأمريكي المهتم بشؤون الشرق الأوسط تحليلًا إخباريًا بمناسبة مرور عام على الحصار، قال فيه إنّ قطر نجحت في التغلب على الحصار المفروض عليها، إلا أنّ مجلس التعاون الخليجي يبدو أنه لن ينجو من آثار هذا الحصار؛ لكون الأزمة امتدت عميقًا داخله.

 

ويشير الموقع إلى أنّ سير الأحداث منذ فرض الحصار في 5 يونيو 2017، يؤكد أن السعودية والإمارات كانتا تخططان لقلب نظام الحكم في قطر، وأن الأمر لا يتعلق بالمطالب الـ13 التي تقدمت بها تلك الدول؛ ومنها إغلاق قناة الجزيرة، وما يتعلق بالمزاعم حول دعم قطر للإرهاب،  والعلاقة مع إيران.

ويقول الموقع إنه من المفارقات أن إيران التي قالت دول الحصار، إن لقطر علاقات معها استفادت من حصار قطر، وصارت من بين أكبر المورِّدين التجاريين، ونمت علاقتها التجارية مع الدوحة، كما أصبح مجالها الجوي منفذًا مهمًا للخطوط الجوية القطرية، بعد أن أغلقت دول الحصار أجواءها في وجه الطيران القطري، مؤكدًا أن المتابع للأزمة الخليجية لا يرى أي أفق للحل،  كما أنها قد تؤدّي إلى نهاية مجلس التعاون الخليجي، خاصة أن السعودية والإمارات أعلنتا عن مجلس مشترك للتنسيق، وذلك في الذكرى الأولى لفرض الحصار.

ونقل الموقع عن السفيرة آن باترسون، السكرتيرة المساعدة السابقة لشؤون الشرق الأدنى وشمال إفريقيا في إدارة باراك أوباما، إن مجلس التعاون انتهى إلى حد كبير، وربما تكون هناك بعض الاتفاقيات المعمول بها حاليًا، التي لا تعدو أن تكون لحفظ ماء الوجه فقط، أما المجلس فلن يعود كما كان سابقًا. وتابعت: “هذا أمر مؤسف، الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت تنظر إلى هذه المنطقة على أنها منطقة الاستقرار الوحيدة في الشرق الأوسط”.

وأضاف الموقع الامريكى أن انهيار مجلس التعاون الخليجي، سيقوض بالتأكيد المصالح الأمنية للولايات المتحدة في الخليج، والأهم من ذلك أنّ انهيار المجلس يضع الدول الأعضاء في خطر أكبر بالتأكيد من إيران وغيرها من اللاعبين الخارجيين الآخرين الذين يحاولون القيام بدور في المنطقة مرة أخرى.

ويرى كريستيان كوتس أرليتشسين، زميل معهد بيكر، أن المجلس السعودي الإماراتي الجديد، يدقّ ناقوس الموت لمجلس التعاون الخليجي، مؤكدًا أن هذا المجلس الثنائي بمنزلة نهاية أي آمال معلقة على بقاء مجلس التعاون الخليجي، مبينًا أن المجلس ومع كل أزمة تحصل بين أعضائه يغيب تمامًا، ولا يكون له أي فعل يذكر.  إلا أن ديفيد ديس روشز، من مركز جنوب شرق آسيا للدراسات الاستراتيجية، يرى أن المجلس لم يمت بشكل نهائي، فالأجهزة البيروقراطية لا تختفي كليًا، وإنما قد يكون المجلس مارًا بحالة سُبات، إلا أنه يمكنه العودة مرة أخرى. ويضيف أن الأهم الآن هو منع تدحرج الأزمة حتى لا تدخل مرحلة أسوأ من مرحلتها الحالية.

اغتيال “التعاون”

وفي تقدير موقف لافتٍ توقف الباحث الأمريكي الشهير سايمون هندرسون عند تشكيل ما عُرِف بـ”مجلس التنسيق السعودي الإماراتي”. وقال هندرسون، وهو مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن، في مقال نشره بموقع المعهد تحت عنوان ” مجلس الخليج العربي الجديد يعكس تغييرًا في الاستراتيجية والقيادة”: إن هذا المجلس وليد أفكار السعودية والإمارات. وأشار مباشرة إلى مقترح من أحد الأشخاص يتمتع بسرعة البديهة وخفة الدم، من على موقع “تويتر” بتسمية  المجلس (مو-مو-كو-كو)،”Mo-Mo-Co-Co”.

وأضاف أنّ “من المؤكد أن هناك وقعًا مميزا لهذا الاسم، ويبقى السؤال المطروح: ماذا سيكون الاختصار الرسمي، وما الذي سيردده الناس؟”.ويرى الباحث أن “المجلس الجديد قد يكون بمثابة المسمار الأخير في نعش “مجلس التعاون الخليجي” الذي تأسس كآلية لحماية دول الخليج العربي .

وأوضح الباحث أنّ دول “مجلس التعاون الخليجي” أصبحت “تعاني من ضغوط شديدة بسبب الخلاف الخليجي المستمر منذ عام بين قطر والدول المجاورة – وجميعها دول حليفة للولايات المتحدة- إلى جانب مصر غير  الخليجية”. وتساءل: “هل أصبح هذا الانقسام، الذي بقيت فيه الكويت وسلطنة عمان على الحياد، دائمًا؟ وماذا سيمثّل زوال مجلس التعاون بالنسبة إلى إيران التي هي قلق واشنطن الرئيسي في المنطقة، من حيث برنامج طهران النووي وبرنامجها الصاروخي وتدخلها في سوريا ولبنان واليمن والعراق؟”.

وينتهي هندرسون إلى القول إنه “في حين من الصعب التكهن بالأحداث المستقبلية، إلّا أنه بإمكان المرء أن يكون على يقين إلى حد كبير في الوقت الحالي بأن شيئًا واحدًا على الأقل لن يحدث، وهو اللقاء المؤجل والمزمع إجراؤه، وفقًا للجدول الحالي، في سبتمبر  لزعماء دول التعاون مع الرئيس ترامب في كامب ديفيد. ويحدو الأمل في أن تُسفر هذه القمة إلى حل الخلاف الخليجي أو على الأقل تحوّله إلى مشكلة يسهل التعامل معها”.