العدسة – معتز أشرف:
“موسكو تتمدد” هكذا رأي تحليل جديد للسياسات صادر عن مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، مؤكدًا أن روسيا بدأت تستعيد نفوذها في شمال إفريقيا بفضل الأسلحة والطاقة والتجارة والسياحة، وهو ما نتوقف عنده.
استعادة النفوذ
تقرير مركز “كارنيجي” الذي وصل ” العدسة” تحت عنوان “لحظة موسكو في المغرب العربي”، أكد أن روسيا سعت على امتداد الأعوام الخمسة عشرة الماضية إلى استعادة نفوذها في شمال إفريقيا، من أجل تعزيز حضورها في منطقةٍ تتفاعل، بوتيرة أكبر، مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث أظهرت موسكو قدرة على انتهاز الفرص عن طريق التعاون العسكري، ودبلوماسية الطاقة، والتجارة.
وأشار التقرير إلى أن روسيا تعمل على تنويع روابطها إلى حد كبير في شمال إفريقيا، وفي حين أن التعاون في مجال الطاقة يبقى ملتبسًا بسبب التكاليف الباهظة للمشاريع والوقت الذي يستغرقه إنجازها، فإنَّ غالب الظن أن التعاون العسكري سيستمر، مؤكدًا أنه مع ذلك، لا يجب المبالغة في تصوير نفوذ الكرملين؛ لأنَّ شمال إفريقيا ليس ضمن الأولويات الروسية، لكن من المؤكّد أن على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التكيّف مع حضور متوسِّع للكرملين في شمال إفريقيا في السنوات المقبلة.
السلاح في المقدمة!
التعاون في المجال العسكري- الأمني هو الأكثر تقدّمًا بين أشكال التعاون بين روسيا وشمال إفريقيا بحسب التقرير؛ حيث زادت روسيا نفقاتها العسكرية في المنطقة، ولا تزال جهةً جاذبة لتزويد بلدان المنطقة، ولاسيما مصر والجزائر، بأسلحة لقاء أسعار معقولة، والجزائر، حليفة موسكو منذ فترة طويلة، هي من الشارين الخمسة الأوائل للأسلحة الروسية؛ إذ تتلقّى من روسيا أكثر من 80 % من معدّاتها.
وفي العام 2006، أعفت موسكو الجزائر من دين قدره 4.7 مليارات دولار كانت الجزائر تدين به للاتحاد السوفيتي، ما أتاح للدولتَين تحسين علاقاتهما وتوطيد روابطهما السياسية والاقتصادية، وفي العام نفسه، وقّعت الجزائر اتفاقًا مع روسيا للحصول على دبابات ومقاتلات ومنظومة صاروخية ومعدّات أخرى بقيمة 7.5 مليارات دولار.
وفي العام 2016، استحوذت الجزائر على 10 % من صادرات الأسلحة الروسية، كما سُجِّلت بين العامَين 2012 و2016 زيادة بنسبة 277 % في قيمة الأسلحة المُباعة إلى الجزائر، ما جعل هذا البلد الشمال إفريقي خامس أكبر مستورد للأسلحة في العالم، وروسيا هي الجهة الأساسية المورِّدة له في هذا المجال، وبلغت حصة المعدّات العسكرية ثلثَي التجارة بين البلدَين – التي ارتفعت قيمتها من 700 مليون دولار في العام 2007 إلى 4 مليارات دولار في العام 2016.
وأشار التقرير إلى أنَّ التعاون المصري الروسي الذي وصفه بالمهم، حيث اشترت مصر في 2014 معدات عسكرية روسية بقيمة 3.5 مليارات دولار، فيما يناقش الطرفان تسليم معدات إضافية، وفي العام 2015، أنشأت مصر وروسيا لجنة مشتركة للتعاون العسكري- التقني، وبعد عام، نفّذتا تدريبات مشتركة لمكافحة الإرهاب تحت عنوان “المدافعون عن الصداقة- 2016″، وفي العام 2017، وقّعتا اتفاقًا أوّليًا يُسمَح بموجبه للطائرات العسكرية الروسية بدخول المجال الجوي المصري واستخدام القواعد العسكرية المصرية، وفي حال أُبرِم هذا الاتفاق بشكلٍ نهائي، فسوف يكون أكبر انتشار لقوات أجنبية في شمال إفريقيا منذ السبعينيات.
النفوذ الاقتصادي
تعمل روسيا أيضًا بحسب التقرير على تحسين علاقاتها الاقتصادية مع بلدان المغرب العربي، وتُعتبر ليبيا خير مثال على ذلك، ففي حين أنه كان لروسيا تعاون اقتصادي كبير مع ليبيا قبل العام 2011، تغيّر ذلك بعد الانتفاضة هناك، عندما أصبحت جميع العقود السابقة باطلة، اعترفت موسكو بالمجلس الوطني الانتقالي في العام 2016، وبدأت في الوقت نفسه العمل بصورة ناشطة مع خصمه المشير خليفة حفتر. في العامَين 2016 و2017، زار حفتر روسيا مرات عدة، وفي كانون الثاني/يناير 2017، استُقبِل على متن حاملة الطائرات “الأميرال كوزنتسوف”. في الوقت نفسه، أُرسِل خبراء متفجّرات روس إلى برقة بدعوةٍ من شركة الإسمنت الليبية لنزع الألغام من إحدى المنشآت الصناعية، وساعدت موسكو الحكومة في طبرق على التعويض عن عجز السيولة لديها عبر سكّ عملة لمصلحتها.
ورصد مركز كارنيجي في تقريره التحليلي سعي روسيا وليبيا إلى توسيع التعاون الاقتصادي بينهما، حيث شهد العام 2017، تضاعف حجم الأعمال التجارية بين البلدين ليصل إلى 135 مليون دولار، مقارنةً مع العام 2016، وتمّ ذلك بدفعٍ أساسي من صادرات الحبوب الروسية، وفي الربع الأول من العام 2018، توسّعت قائمة المنتجات، على الرغم من حدوث تراجع طفيف في شحنات الحبوب (التي تشكّل 47 % من مجموع الصادرات الروسية إلى ليبيا). كذلك، استحوذت المعادن والمنتجات المعدنية على ثلث الصادرات الروسية، فيما بلغت حصّة المنتجات الكيميائية نحو 10 % من الصادرات.
وأكّد المركز أن مصر، بدورها، تعد ضمن الشركاء التجاريين العشرين الأوائل لروسيا في العالم، والمستورِدة الأكبر للمنتجات الزراعية الروسية، وفي العام 2017، بلغ مجموع التجارة بين البلدَين 6.73 مليارات دولار، وتضمّن ذلك بشكل أساسي المحروقات، والمعادن الحديدية، والحبوب، وفي العام نفسه، حصلت مصر على نصف وارداتها من القمح – نحو 11.2 مليون طن- من روسيا، وكذلك ناقشت الدولتان إنشاء منطقة صناعية روسية في بور سعيد، ووصف نائب وزير الصناعة والتجارة الروسي جيورجي كالامانوف المشروع قائلًا: “سيكون باعتقادي مركزًا أساسيًا، أظنّ أنها مرحلة أولى في إنشاء منصّات رئيسة لنشر السلع الروسية في البلدان الإفريقية”.
وأضاف التقرير أنَّ حجم التجارة الروسية مع المغرب كبير أيضًا؛ إذ تستحواذ المنتجات الغذائية على نسبة 97 % من الصادرات المغربية إلى روسيا، فالمغرب، إلى جانب كونه المورِّد الأكبر لأسماك السردين المجلّدة إلى روسيا، هو أيضًا مورّد أساسي للطماطم والحمضيات. وعلى صعيد القيمة، تخطّت التجارة بين الدولتَين 3 مليارات دولار في العام 2017، مع العلم بأنَّ الميزان التجاري يميل إلى حدٍّ كبير لمصلحة روسيا.
مجالات الطاقة والسياحة
مجال الطاقة هو الباب الثالث للنفوذ الروسي في شمال إفريقيا؛ حيث وسّعت روسيا أيضًا تعاونها مع بلدان شمال إفريقيا ليطال قطاع الطاقة؛ إذ وقّع الكرملين العديد من الاتفاقات حول الطاقة النووية المدنية لتوطيد موطئ قدم له في المنطقة على المدى الطويل؛ ففي أكتوبر 2017، وقّعت المؤسسة الحكومية الروسية للطاقة الذرية (روس آتوم) مذكرة تفاهم مع وزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة في المغرب حول استعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية، وفي الشهر نفسه، وقّعت “روس آتوم” مذكرة تفاهم أخرى مع مفوضية الطاقة الذرية الجزائرية، وتنوي الدولتان بناء محطة للطاقة النووية مجهّزة بمفاعل ماء مضغوط بحلول العام 2025. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وقّعت روسيا أيضًا اتفاقًا لبناء محطة للطاقة النووية في مصر، استُكمِل في العام 2017 بإبرام عقد طويل الأمد لصيانتها.
وتكتسب السياحة أهمية في التقدّم الذي تحققه روسيا في شمال إفريقيا بحسب رصد مركز كارنيجي، الذي يؤكد أنه في حين أن مصر تشكّل وجهة للسيّاح الروس منذ سنوات، مع استقبالها نحو 3.1 ملايين سائح روسي في العام 2014، إلا أنَّ هذا الواقع تغيّر دراماتيكيًا بعد قيام تنظيم تابع للدولة الإسلامية بقصف طائرة ركّاب روسية في أكتوبر 2015. فقد حظّرت موسكو الرحلات المباشرة إلى مصر على امتداد عامَين ونصف العام، وأعادت توجيه السيّاح نحو تونس؛ حيث ازداد عددهم إلى 515000 في العام 2017، أي أكثر من ضعف ما كان عليه في العام 2014، وهو ما اعتبر تمهيدًا من الكرملين، من خلال السياحة وتأثيرها على الاقتصاد التونسي، الطريق لممارسة نفوذ روسي أكبر في البلاد.
اضف تعليقا