التصميم: السيسي لا يهتم لغضب المصريين

كتب- باسم الشجاعي:

ثمة مساحة من الغضب الحقيقي لا يمكن إنكارها بين كثير من المصريين، ولكن يبدو أنّ قائد الانقلاب العسكري “عبد الفتاح السيسي”، يتعمد تجاهلها؛ حيث قرر مؤخرًا تطبيق زيادات جديدة على أسعار المواد البترولية والكهرباء والمياه.

فالمصريون يعشيون في أزمات صعبة، تفاقمت إلى حدود خطرة منذ انطلاق الحكومة في موجة التقشف وتطبيق ما يعرف بـ”إصلاحات” فرضها صندوق النقد الدولي على القاهرة في مقابل قرض يبلغ 12 مليار دولار.

ومنذ نهاية 2015 تنفذ الحكومة إجراءات اقتصادية للحصول على قرض الصندوق، وشملت الإجراءات زيادة أسعار المحروقات والدواء، وتحرير سعر الصرف، وتعديلات على قانون ضريبة الدخل، وإقرار قانون ضريبة القيمة المضافة، ورفع كلفة النقل والكهرباء.

وكانت أعلنت الحكومة المصرية في ثاني أيام عيد الفطر المبارك رفع سعر لتر بنزين 95 من 6.60 إلى 7.75 جنيه للتر بزيادة بلغت 1.15 جنيه تعادل ما نسبته 17.42 %.

كما تقرَّر رفع سعر لتر بنزين 92 من 5 جنيهات إلى 6.75 جنيه بزيادة بلغت 1.75 جنيه بنسبة زيادة تعادل نحو 35 %، كما تم رفع سعر لتر بنزين 80 من 3.65 جنيه إلى 5.5 جنيه للتر بزيادة تبلغ 1.85 جنيه بنسبة 50.68%.

وتقرر رفع سعر لتر الكيروسين من 3.65 جنيه إلى 5.5 جنيه للتر بزيادة بلغت 1.85 جنيه بنسبة زيادة تعادل 50.68 %، وأيضاً رفع أسعار السولار من 3.65 جنيه إلى 5.5 جنيه للتر بنسبة زيادة بلغت 50.68 %.

وبالنسبة للمازوت فقد تقرَّر رفع سعره إلى 3500 جنيه للطن مع ثبات سعر الصناعات الغذائية والكهرباء والإسمنت، وتقرر رفع سعر غاز تموين السيارات إلى 2.75 جنيه لكل متر مكعب.

وبالنسبة لأسطوانات البوتاجاز فقد تقرر رفع السعر المنزلي من 30 جنيهًا إلى 50 جنيهًا للأسطوانة بزيادة بلغت 20 جنيهًا بنسبة زيادة تتجاوز 66 %، أما سعر الأسطوانة للتجاري فقد تم رفعها من 60 جنيهًا إلى 100 جنيه بزيادة بلغت نحو 40 جنيهًا تعادل ما نسبته 66.66 %.

Image may contain: text

وتعد هذه هي المرة الثالثة التي ترفع فيها الحكومة المصرية أسعار الوقود خلال عام بعدما رفعتها في نوفمبر قبل الماضي بنسب تراوحت بين 30 و47 % في إطار خطة لإلغاء الدعم بحلول 2018 / 2019 وفقًا لبرنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه القاهرة على قروض قيمتها الإجمالية 12 مليار دولار.

ومع كل إجراء تفرضه الحكومة على المصريين ترتفع حدة المعاناة، في ظلّ اتساع كبير لقاعدة الفقر والبطالة، مع ثبات الأجور عند حدود متدنية لا تكفي المواطنين كفاف يومهم.

وفي ظلّ هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار والغضب المكتوم في صدور المصريين، يبقى السؤال الأهم ما الذي أوصل “السيسي” إلى هذه القناعة بأنَّ الشعب لن يثور ضد هذه القرارات، وما العوامل التي صاغت قدرته على أن يأمن أي تحرك ضده؟، وهل بالفعل يعاقب “السيسي” الطبقة المتوسطة التي كانت المحرك الأساسي لثورة 25 يناير 2011؟.

Related image

انقراض الطبقة الوسطى

وعلى ما يبدو أن “السيسي” أراد بقرار رفع أسعار المحروقات ضرب عصفورين بحجر واحد– كما يقول المثل المصري المتداول- فبحسب الخبير الاقتصادي “مصطفى عبدالسلام” فإن الزيادة الأخيرة في أسعار الكهرباء ومواد البترول تستهدف بشكل أساسي الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وهو ما يشير إلى أن الحكومة تستهدف بشكل أساسي هاتين الطبقتين.

وشهدت مصر أكبر تراجع للطبقة المتوسطة على مستوى العالم منذ بداية الألفية وحتى العام الماضي، بحسب بيانات بنك كريدي سويس المتخصص في تقدير الثروات.

وتبدو هذه الطبقة مُعرَّضة لمزيد من التدمير نتيجة الإجراءات التقشفية التي تبنتها الحكومة هذا العام في إطار برنامج “الإصلاح الاقتصادي” الذي تبنَّته، وحصلت بموجبه على مجموعة من القروض الدولية.

فقد تقلصت الطبقة المتوسطة في مصر بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000، إلى 2.9 مليون بالغ في 2015، يمثلون الآن 5% فقط من إجمالي البالغين، ويستحوذون على ربع ثروة المصريين، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة “كريدي سويس” في ديسمبر 2016.

“عبدالسلام”، أكد- في حواره مع قناة “الجزيرة” الفضائية- أن “السر وراء استهداف الحكومة للطبقتين يرجع إلى أنهما فجّرتا ثورة 25 يناير ضد نظام المخلوع حسني مبارك”.

Related image

وأوضح أنَّ الحكومة سبق وصرحت أن رفع أسعار الوقود في 2016 وفّر من 50 إلى 70 مليار جنيه واليوم الحكومة صرحت أن الزيادة الأخيرة توفر 50 مليارًا، متسائلا: ”أين تذهب تلك المليارات؟”.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنَّ الأموال الناتجة عن رفع الدعم يتم توجيهها لمشروعات لا تمثّل أي قيمة مضافة على الاقتصاد، موضحًا أن العاصمة الإدارية تكلفتها 45 مليار دولار بما يعادل 800 مليار جنيه.

ما يؤكد صحة كلام “عبد السلام”، المواقف المتكررة لـ”السيسي” فلم تمرَّ مناسبة يظهر فيها الأخير دون أن يُقحم ثورة يناير في أحاديثه كوسيلة ترهيب للداعين لها، أو ربط صناعها بـ”الأشرار”.

كان آخرها أثناء مشاركته في فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر “حكاية وطن” لاستعراض حصاد فترته الرئاسية الأولى قال: “أنا مسؤول أمام الله، وأمامكم، إني أحافظ على البلد دي، ويستحيل إسقاطها مرة تانية (في إشارة لثورة 25 يناير 2011).. أنا كنت مدير مخابرات حربية في 2011، وعارف اللي كان بيحصل”.

انتفاضة 77 .. هل تتكرر؟

بعد قرار الحكومة برفع أسعار الوقود وإعلانها التمهيد لإلغاء الدعم كاملًا للطاقة بداية العام المقبل، بدأت الأصوات في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بالتلويح بانتفاضة مثل انتفاضة 77- حين رفع الرئيس “أنور السادات” أسعار عدد من السلع، فخرجت ثورة عارمة ضربت البلاد، أُطلق عليها “انتفاضة الخبز”.

ولكن يرى البعض استحالة حدوثها بسبب الوضع الأمني في البلاد، والتي شكلت ثقافة المصريين المهادنة مع “السيسي”، بينما لم يستبعد آخرون إمكانية حدوثها.

فـ”السيسي” كان اتخذ عددًا من التدابير الصارمة لإحكام سيطرته على البلاد.

وقد تنوعت تلك التدابير بين حظر للمظاهرات وسجن لعشرات الآلاف، فضلًا عن العودة الجديدة لسياسات الدولة الأمنية القديمة، وخاصة مع تولي اللواء “محمود توفيق”، مدير الأمن الوطني “سابقًا”، منصب وزير الداخلية خلفًا للواء “مجدي عبدالغفار”، فمصر تتجه نحو مزيدٍ من قمع الحريات، وخاصة في ظل حالة الغضب التي تنتاب المصريين بسبب غلاء الأسعار، والتي لا يعمل أحد متى ستنفجر، كما أشرنا في تقرير سابق.

وخوفًا من أي تحركات مفاجئة أعلنت السلطات المصرية، انتشارها الأمني في المناطق الحيوية، كما بدأ بتزود محطات الوقود ومواقف سيارات الركاب، برجال أمن عقب زيادات جديدة أعلنتها الحكومة الجديدة، ثاني أيام العيد.

وأوضحت وزارة الداخلية المصرية، في بيان أصدرته عقب زيادة حكومية لأسعار الوقود وتعريفة الركوب، أن “الأجهزة الأمنية كثفت الخدمات الأمنية والمرورية بمحيط محطات الوقود ومواقف سيارات الركاب لضبط ما يقع من مخالفات”.

وكانت سجّلت مصر مقتل أول ضحية لزيادة الوقود في مدينة المنصورة؛ حيث لقي سائق سيارة أجرة (تاكسي) مصرعه، مساء “الأحد” 17 يونيو، على يد راكب طعنه بأداة حادة (سكين)، على خلفية نشوب مشاجرة بينهما بسبب الاختلاف على قيمة الأجرة المحددة، إثر فرض الحكومة لزيادة جديدة على أسعار الوقود في عطلة عيد الفطر، من دون إعلان لنسب الزيادة على وسائل النقل في أغلب المحافظات.

وبحسب البيان الأمني الذي اطلع موقع “العدسة” عليه، فإنَّ المجني عليه “مصطفى. أ. ح”، كان يستقل سيارته الأجرة، واستوقفه “خالد. أ. أ”، طالبًا توصيله من موقف طلخا الجديد إلى منطقة سندوب، وبعد توصيل الراكب، اختلفا على الأجرة بسبب إصرار الجاني على دفع 30 جنيهًا، في مقابل طلب المجني عليه 60 جنيهًا، ما أدَّى إلى نشوب مشادة كلامية بينهما، أسفرت عن طعن السائق طعنة نافذة أودت بحياته في الحال.

وعقب زيادة أسعار الوقود دائمًا ما تحدث مشاكل بين السائقين والركاب حول التعريفة الجديدة للركوب، وتستمر لأيام قلائل حتى يعتاد الناس بعدها على الأجرة الجديدة.

 

ولكن مازالت المظالم الأساسية التي دفعت بالمصريين إلى ميدان التحريرفي 25 يناير 2011 ظلت حتى الآن كما هي دون معالجة.

فسياسات الشرطة القمعية كما هي دون محاسبة، ومحاكمات عبثية وظالمة، وجيش بات دولة داخل الدولة يعمل دون رقيب أو حسيب في ظل هيمنته على الاقتصاد المصري ومساحات شاسعة من الأراضي، ناهيك عن تزايد معدلات البطالة والفقر والأزمات المتلاحقة في قطاعات الإسكان والتعليم والرعاية الصحية، وتوقعات بالأسوأ من قِبل الخبراء.

وشهدت مصر منذ وصول “السيسي” في 2014  إلى الحكم وحتى الآن، نحو 16 زيادة مباشرة في أسعار الوقود والكهرباء والسجائر وتذاكر مترو الأنفاق والقطارات، بخلاف عشرات القرارات التي تسبَّبت في إشعال أسعار مختلف السلع والخدمات، ما يشير إلى أنَّ قرارات زيادة الأسعار بصورة مباشرة أو غير مباشرة كانت تصدر بمعدل قرار كل نحو شهرين.

ضجيج دون طحين

ولرفع الحرج عنها، أعلنت عدة من الأحزاب المصرية رفضها لقرار الحكومة الأخير برفع أسعار المحروقات بنسب تصل إلى 66.6% في عيد الفطر، محملة “السيسي”، المسؤولية المباشرة عن عواقب القرار الوخيمة، وما سيفضي إليه من موجة غلاء تشمل جميع السلع، علاوة على تفاقم أزمة الركود التضخمي، واستفحال المديونية، بما يهدِّد برهن الاقتصاد المصري، واستنزاف عوائده.

كما صعّد أعضاء البرلمان من نبرة هجومهم صوب “السيسي”، على خلفية قرار حكومته برفع أسعار المحروقات للمرة الرابعة بعهده، وهذه هي المرة الأولى منذ انعقاد مجلس النواب المصري في مطلع العام 2016.

وقال تكتل (25-30) النيابي، في بيان موجَّه إلى “السيسي”: “بعد مرور أربع سنوات، ومع بداية فترة الرئاسة الثانية والأخيرة، نعلن بكل وضوح أن إصرار رئيس البلاد على ما يسمى بخطة الإصلاح الاقتصادي، وفق شروط وتعليمات صندوق النقد الدولي، يهوي بالوطن في منحدر خطير، نتيجة القرارات الاقتصادية المعادية لفكرة العدالة الاجتماعية، وهو ما يؤكده الواقع المؤلم، ومعاناة الشعب المصري، وسحق الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فضلًا عما أثبتته تجارب الدول الأخرى التي انصاعت لشروط الصندوق”.

وأضاف التكتل، الذي يضم 16 نائبًا من مجموع 595 برلمانيًا، أن “هناك حالة من الغضب الشعبي المكتوم بكل تأكيد نتيجة قرارات زيادة أسعار المترو، ومياه الشرب، والكهرباء، والوقود، والضرائب، والرسوم”، مستطردًا: “قد يبدو للبعض أن الشعب صامت وراضٍ، ولكن هذا الصمت نتيجة الخوف على مستقبل واستقرار الوطن، وكذلك من جراء القبضة الأمنية التي نعاني منها… المصريون العظام تحملوا الكثير، ودائمًا يضعون الوطن في المقدمة، ويدافعون عنه بأرواحهم، ويضحون من أجله بدمائهم”.

وطالب التكتل أعضاء مجلس النواب إلى رفض برنامج الحكومة الجديدة، التي يترأسها وزير الإسكان، مصطفى مدبولي، وتنفذ السياسات نفسها للحكومة السابقة، برئاسة شريف إسماعيل، وخطها الاقتصادي.

ودعا إلى عقد موتمر وطني اقتصادي يضم كافة القوى السياسية، لوضع خطة اقتصادية وسياسية بديلة خلال شهرين.

ولكن يبدو أن “السيسي” لم يَعُد يرى أي شكل من المعارضة الجادة المسؤولة هناك؛ إذ كان ينتقي تدريجيًا، وبعناية ودقة فائقتين، من ينبغي إضافتهم إلى تعداد الزنازين، في مقابل ترك مجموعةً من المهرجين يمضون الوقت في تقييم دراما مسلسلات رمضان، والتنافس في عبادة منتخب كرة القدم، ثم يتهمون الشعب بالغياب، وذلك وفق ما أكد الكاتب الصحفي “وائل قنديل”.