إبراهيم سمعان
قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بات أسوأ عدو لرؤيته للإصلاح المعروفة باسم رؤية 2030.
وأوضحت في مقال لإياد بغدادي، رئيس مؤسسة الكواكبي المَعْنِيّة بمستقبل الحرية في العالم الإسلامي، أنّ الإجراءات التي يتخذها نظام تتعارض تمامًا مع ما تنادي به تلك الرؤية.
وإلى نص المقال:
لقد مرَّ عامان منذ أن أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن مشروع تحوُّل وطني لإعادة هيكلة الدولة السعودية بشكل جذري. يهدف برنامج الإصلاح “رؤية 2030” إلى تغيير المملكة إلى “بلد طبيعي”، باقتصاد ما بعد النفط وإسلام ما بعد الوهابية.
الإصلاح الاقتصادي هو الدافع وراء رؤية 2030 – حيث كان صندوق النقد الدولي حذَّر من أن أموال السعودية سوف تنفد دون إصلاح هيكلي جدّي- لكن الإصلاحات الأخرى لا تقل أهمية؛ فزيادة مشاركة النساء في العمل، على سبيل المثال، تتطلب رفع مثل هذه القيود مثل حظر القيادة (الذي من المقرر أن ينتهي في 24 يونيو).
ربما يكون التغيير الأكثر تأليبًا للعقول هو الانتقال من الوهابية، النسخة المحافظة من الإسلام التي كانت متحالفة منذ زمن طويل مع الدولة السعودية. لقد أوقفت الحكومة مؤخرًا جميع التمويلات للمؤسسات الوهابية خارج المملكة، وقيّدت بشدة سلطات الشرطة الدينية. كبح الوهابيين هو خبر رائع للجميع، هم متطرفون، قمعيون، طائفيون، وقد حصلوا على دعم من الدولة السعودية لنشر أيديولوجيتهم في جميع أنحاء العالم، وغالبًا ما كان له تأثير مدمِّر.
لبقية المجتمع الدولي مصلحة مباشرة في نجاح جهود الإصلاح في السعودية. إذا فشلت رؤية 2030، فسوف نواجه انفجارًا من عدم الاستقرار في قلب العالم العربي والإسلامي. لسوء الحظ، أصبح الرجل البالغ من العمر 32 عامًا والمسؤول عن رؤية 2030 – محمد بن سلمان نفسه – تهديدًا لمشروعه الخاص.
تمثل رؤية 2030 في جوهرها، عقدًا اجتماعيًا سعوديًا جديدًا. لكن الطريقة التي يعيد بها ولي العهد كتابة هذا العقد تحتاج منا وقفة.
يمكن وصف النظام السعودي للحكم قبل صعود بن سلمان بأنه استبداد استشاري، يسعى فيه الملك إلى تلقي المشورة من كبار أعضاء العائلة المالكة، بالإضافة إلى مستشارين موثوقين من المحكمة. في سلسلة من الخطوات الجذرية، بما في ذلك اعتقال جماعي للأمراء المتنافسين، قام ولي العهد بتفكيك الهيكل القديم، المملكة العربية السعودية الآن هي الملكية المطلقة التي لم تكن تحت الملك عبد الله أو الملك فهد أو أي من أسلافهم.
لقد جادل البعض بأنَّ الإصلاح الجدّي سيكون مستحيلًا بدون توطيد السلطة، لكن جهود ولي العهد ذهبت من الحسم إلى زعزعة الاستقرار، لم يكن لموقفه الأخير من الشخصيات التجارية البارزة علاقة بحكم القانون، وربما أثار مخاوف المستثمرين؛ تشير الأرقام الأخيرة إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد سجّل أدنى مستوى له في 14 عامًا في السعودية في العام الماضي (مقارنة بنسبة 8 % في الإمارات العربية المتحدة المجاورة).
على أية حال، كان يجب على ولي العهد أن يتخلص من النظام القديم من خلال السماح للمواطنين بالحصول على رأي في المملكة العربية السعودية الجديدة التي يتخيّلها لهم- مما يسمح لهم بالتوقيع على عقدهم الاجتماعي الجديد، لكنه يفعل بالضبط عكس ذلك.
ومن بين المعتقلين حتى الآن عصام الزامل، وهو خبير اقتصادي شاب بحث في أرقامي رؤية 2030 وعرض انتقادات واقتراحات لتحسينها، تشير التقارير الأخيرة إلى أنّه يستعد لمواجهة تهم خطيرة من شأنها أن تبرّر سجنه لمدة طويلة.
كما اعتقلت شخصيات دينية معتدلة، بما في ذلك المفكر الشاب عبد الله المالكي، والمصلح الوهابي السابق حسن فرحان المالكي. قد تكون هذه الشخصيات دعاة فعالين للإصلاح الديني، لكنهم يواجهون بدلًا من ذلك تهمًا يمكن أن تضعهم بعيدًا لفترة طويلة، مما يؤدّي إلى استبعاد قاعدة دعمهم.
وفي الآونة الأخيرة، اعتقل ولي العهد النشطاء البارزين في مجال حقوق المرأة في السعودية، بمن فيهم لجين الهذلول وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف، بتهمة الخيانة. هؤلاء النساء لهن تاريخ طويل في الدعوة للإصلاحات الاجتماعية. لكن الحكومة تعاملت معهم كتهديدات بدلًا من حلفاء محتملين.
باختصار، يَعِد ولي العهد بالإصلاح الاقتصادي بينما يسجن الإصلاحيين الاقتصاديين، إنه يَعِد بإصلاح ديني بينما يسجن الإصلاحيين الدينيين، إنه يَعِد بإصلاح اجتماعي واعِد بينما يسجن كبار “النسويات”. في الوقت الذي يقوم فيه بإسكات المجال العام السعودي الديناميكي، لاحظ كيف يتم استبدال هذه الأصوات: الآلاف من الروبوتات تغمر وسائل الإعلام الاجتماعية السعودية، والكثير منها يحتوي على صور لولي العهد، مما يشجّع كل تحركاته.
إن عملية صنع القرار في أكبر دولة مصدِّرة للنفط في العالم أصبحت الآن في يد عدد قليل من الأفراد دون وجود أي عملية تشاورية، وفيها يتم سجن المعارضين على الفور.
لقد تدهورت العديد من تحركات ولي العهد الكبيرة إلى حروب استنزاف طويلة، مثل الحرب في اليمن أو النزاع مع قطر. واعتقاله الواسع النطاق للناشطين البارزين في مجال حقوق المرأة هو مستنقع آخر محتمل.
لا يقتصر الأمر على تشويه صورته بين المجتمع العالمي لحقوق المرأة، لكنه يهدّد أيضًا أجندة الإصلاح الاقتصادي، في ضوء أن ولي العهد أمر بالاعتقال بعد زيارة رفيعة المستوى إلى الولايات المتحدة، حيث التقى كبار المشاهير وقادة الأعمال. إنَّ حرب الاستنزاف مع حركة حقوق المرأة العالمية ليست حربًا يحتمل أن يفوز بها، على الرغم من ميزانيته العامة للعلاقات العامة.
ينبغي على ولي العهد الإفراج عن نشطاء حقوق المرأة، وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهن، والسماح لهم بمواصلة حياتهم المهنية بحرية. وستكون هذه أفضل طريقة لطمأنة العالم بأن الإصلاحات حقيقية وعلى المسار الصحيح.
من أجل الاستقرار العالمي، تحتاج الإصلاحات السعودية إلى إنقاذها من حكم محمد بن سلمان المطلق والوحشي. يظهر التاريخ أن الحكومات التي لا تتسامح مع المعارضة عادةً ما ينتهي بها الأمر إلى خلق كوارث.
اضف تعليقا