العدسة – معتز أشرف

حضرت إسرائيل ومندوبتها بالوكالة لدى أمريكا، نيكي هيلي، فكان القرار بالانسحاب الأمريكي من أبرز منظمة دولية بالأمم المتحدة تتصدى لانتهاكات حلفاء أمريكا في مجال حقوق الإنسان، ليصاب المجتمع الدولي بحالة جديدة من الأسف والدهشة نجا منها رئيس وزراء الكيان الصهيوني الذي احتفل بقرار الانسحاب كأنه انتصار شخصي جديد.

نرصد الأسباب والتبعات والتأثيرات في سياق هذا التقرير.

“إسرائيل”حاضرة!

“إسرائيل” كانت السبب الرئيسي وراء انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حسبما أعلنت السفيرة الأمريكية لدى المنظمة الدولية نيكي هيلي الثلاثاء، قائلة: “نحن نتخذ هذه الخطوة، لأن التزامنا لا يسمح لنا بأن نظل أعضاءً في منظمة منافقة وتخدم مصالحها الخاصة وتحول حقوق الإنسان إلى مادة للسخرية”.

“هيلي” المعروفة بصهيونيتها المتطرفة، زعمت أن بلادها انسحبت من مجلس حقوق الإنسان بعدما لم تتحل أية دول أخرى “بالشجاعة للانضمام إلى معركتنا” من أجل إصلاح المجلس “المنافق والأناني”، وقالت “هيلي” إن مجلس حقوق الإنسان لديه انحياز مزمن ضد إسرائيل.

وكانت “هيلي” قد أبلغت المجلس علنا، العام الماضي، بأن واشنطن ربما تنسحب منه ما لم يتوقف “الانحياز المزمن ضد إسرائيل”، حسب تعبيرها، حيث يوجد بند ثابت على جدول أعمال المجلس الذي أنشئ عام 2006، بشأن الانتهاكات التي يشتبه بأن إسرائيل ارتكبتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو بند تريد واشنطن حذفه.

وتزعم الولايات المتحدة أن المجلس يغص بمناهضي إسرائيل، وقاطعته لثلاث سنوات في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، قبل أن تعود إليه خلال رئاسة باراك أوباما في 2009، إلا أن قيام المجلس المكون من 47 عضوًا الشهر الماضي بتأييد فتح تحقيق في سقوط قتلى في غزة، بعد اتهامه إسرائيل باستخدام القوة المفرطة، كان أحد الأسباب وراء التعجيل بالانسحاب، خاصة أن الولايات المتحدة وأستراليا هما الدولتان الوحيدتان اللتان صوتتا “بلا”، ووقتها انتقدت سفيرة إسرائيل لدى الأمم المتحدة في جنيف، أفيفا راز شيختر، المجلس “لنشره أكاذيب ضد إسرائيل”، حسب زعمها.

ردود مستنكرة!

فيما كان الترحيب الوحيد من جانب إسرائيل التي أشادت بالقرار الأمريكي، أعرب الكثير عن أسفه للقرار الأمريكي، وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، إن القرار “مؤسف”، معتبرًا أنه في حين أن الإصلاحات ضرورية، فإن مجلس حقوق الإنسان هو “كيان مهم في محاسبة الدول”.

وأضاف الأمير زيد بن رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تعليقًا على القرار، أنه “خبر مخيب للآمال، إنْ لم يكن مفاجئا، بالنظر إلى وضع حقوق الإنسان في عالم اليوم، كان يتعين على الولايات المتحدة أن تكثف جهودها بدلًا من أن تتراجع”.

كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن أسفه للقرار الأمريكي، معتبرًا أنه كان “من الأفضل بكثير” لو بقيت واشنطن عضوًا “مؤكدًا في تصريح رسمي أن “بنية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تلعب دورًا هامًّا للغاية في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أنحاء العالم”.

واستنكر رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، ميروسلاف لايتشاك، القرار الأمريكي.

وذكر بيان صادر عن المتحدث باسم رئيس الجمعية العام، أن مجلس حقوق الإنسان، الذي أنشئ عام 2006، هو الجهة الرئيسية بالأمم المتحدة المكلفة بتعزيز وحماية الحقوق والحريات الأساسية للجميع، كما أنه يمنح صوتًا للناس بكل أنحاء العالم، بمن فيهم الأكثر ضعفًا، مؤكدًا أن العمل الجماعي من أجل عالم أفضل، سيستفيد من الحوار والتعاون، وشجع الولايات المتحدة على مواصلة الانخراط مع عمل مجلس حقوق الإنسان.

من جهتها، أسِفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” لقرار واشنطن، معتبرة أنه “سيضع البلد على هامش المبادرات الدولية المصيرية للدفاع عن حقوق الإنسان”، وأكد مديرها التنفيذي كينيث روث، أن “انسحاب إدارة (الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) هو انعكاس مؤسف لسياستها الأحادية البعد فيما يتعلق بحقوق الإنسان، حيث الدفاع عن الانتهاكات الإسرائيلية في وجه أية انتقادات يشكل أولوية فوق كل شيء آخر”.

وقال اتحاد الحريات المدنية الأمريكي إن إدارة “ترامب” تقود “جهودًا مخططة وعدوانية لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية”، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سارع إلى دعم هذا الإجراء، حيث نشر عدة تغريدات للإشادة بما وصفه “القرار الشجاع”.

الحصار المالي

وبحسب موقع مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، يحاصر المجلس الحقوقي الدولي أزمة مالية كبيرة قد تتسع بعد انسحاب أمريكا أكبر الممولين للأمم المتحدة وهو من اكبر التأثيرات المتوقعة .
وقال مجلس حقوق الإنسان علي موقعه الرسمي : ” تغطي ميزانية الأمم المتحدة العاديّة احتياجات مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التمويلية العالمية إلا بمعدل قدره حوالي 40%، وتُمَوَّل بقية هذه الاحتياجات من المساهمات التطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء والجهات المانحة الأخرى، وبالنسبة لفترة 2018 – 2019، تم الموافقة على تخصيص مبلغ 201.6 مليون دولار أمريكي للميزانية العادية الرامية إلى تمويل المكتب، بزيادة 3.7% فقط عن ميزانية الأمم المتحدة الإجمالية”، وهو ما اعتبره المجلس خطوة إلى الوراء عن الاستمرار في اعتماد مبدأ “النمو الصفري”، بما أنها تستلزم عددًا من التخفيضات الناجمة عن قرارات الجمعية العامة، بما في ذلك التخفيضات الشاملة من خمسة إلى 25% لمختلف بنود الميزانية.

وتُمَوَّل ميزانية الأمم المتّحدة العادية، التي تقرها الجمعية العامة كل سنتين، من “الاشتراكات المقررة” عن كل دولة عضو، وفقًا لصيغة تراعي حجم الاقتصاد الوطني وقوته، وتساهم الولايات المتحدة الأمريكية بالجزء الأكبر من ميزانية الأمم المتحدة إلى جانب مساهمات قليلة من بعض الدول الأخرى، وفي العام 2017 دفعت الولايات المتحدة  611 مليون دولار، بما يعادل (22%).

وسبق أن أعلن مسؤول أمريكي، في مايو من العام الجاري، أن بلاده تدرس خفض تمويلها لوكالتين تابعتين للأمم المتحدة، وهما مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «يونيكتاد» ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «يونيدو» بالإضافة إلى منظمة لمراقبة الأسلحة الكيميائية، بعد انضمام الفلسطينيين إليها.

وهددت أمريكا في وقت سابق، بتخفيض دعمها الخارجي لقوات حفظ السلام (الناتو) وللأمم المتحدة، وذلك بعد إعلانها لموازنة العام 2018، تماشيًا مع رؤية رئيسها دونالد ترامب الذي يعتبر أن بلاده تُستَغل، ويبدو تصعيدها بقضية القدس المحتلة ضد الأمم المتحدة استكمالًا لما بدأته.

تأثيرات سلبية!

وبحسب مراقبين غربيين، فإن انسحاب الولايات المتحدة قد يؤثر على جهود مراقبة ومعالجة قضايا حقوق الإنسان، وما تتعرض له من اعتداء في جميع أنحاء العالم، لكن السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي قالت: “بما فعلناه، أود أن أوضح بشكل لا لبس فيه، أن هذه الخطوة ليست تراجعًا عن التزاماتنا بشأن حقوق الإنسان”.

إنه “مزيد من الفزع بين الحلفاء”، حيث يمثل هذا الموقف الرفض الأخير من إدارة “ترامب” على التعددية، ومن المرجح أن يُقلق أولئك الذين يتطلعون إلى أن تقوم الولايات المتحدة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

ودائمًا ما كانت علاقة الولايات المتحدة متعارضة -بحسب مراقبين- مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ إذ قررت إدارة “بوش” مقاطعة المجلس، عندما تأسس في عام 2006 لأسباب تكاد تشبه التي ذكرتها إدارة “ترامب”، وكان سفير الأمم المتحدة آنذاك، جون بولتون، الذي يشغل حاليًا منصب مستشار الأمن القومي للرئيس “ترامب”، ينتقد بشدة الأمم المتحدة، ولم تعد الولايات المتحدة للمجلس إلا في عهد الرئيس باراك أوباما، عام 2009.

المصداقية الأمريكية سدد لها قرار الانسحاب طعنة جديدة، بحسب المراقبين، حيث انضم مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى اتفاقية المناخ والاتفاق النووي مع إيران، ليكون ثالث انسحاب لـ”ترامب” من إطار دولي ما يزيد الشكوك من الإطارات الدولية التي قد توجد فيها أمريكا في عهد “ترامب”.