العدسة _ أحمد فارس

يعيش قطاع غزة خلال الفترة الماضية، وتحديدًا منذ مطلع العام الجاري، في حالة رمادية للغاية، وسط توقعات بشنّ طيران الاحتلال الإسرائيلي عمليات قصف جوي لأهداف في القطاع في أي وقت، وهو ما يحدث بالفعل.

القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة لم يتطور إلى حرب جديدة، وسط صعوبة حتى الآن في الاتفاق على هدنة طويلة الأمد بين فصائل المقاومة والكيان الصهيوني.

فهل تفعلها إسرائيل وتشن حربًا واسعة على قطاع غزة خلال الفترة المقبلة، أم يظلّ الأمر كما هو عليه الآن من قصف متكرر بين الحين والآخر؟

 

قصف متكرر

بين الحين والآخر، تقدم طائرات الاحتلال الإسرائيلي على قصف أهداف في قطاع غزة، بدعوى أنها مواقع عسكرية تعود لفصائل المقاومة، وتحديدًا كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس.

وكان أحدث قصف إسرائيلي على القطاع، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، باستهداف مواقع، قالت قوات الاحتلال إنها تعود لكتائب “القسام” جنوبي قطاع غزة.

ولم يكن أمام حركة المقاومة إلا إطلاق صواريخ تجاه الأراضي المحتلة، كنوع من الرد على تجاوزات الكيان الصهيوني، وهو ما أعلنه الأخير، مشيرًا إلى رصد إطلاق 13 قذيفة صاروخية من القطاع.

وقال الناطق باسم قوات الاحتلال “أفيخاي أدرعي”، في تغريدة عبر صفحته في موقع “تويتر”: “متابعة للتقارير عن إطلاق صافرات الإنذار في جنوب إسرائيل، تم رصد إطلاق 13 قذيفة من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، تم اعتراض 4 منها”.

وقال الجيش الإسرائيلي، إنه قصف مجمعًا عسكريًا يتبع لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ردًا على إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة باتجاه الأراضي المحتلة.

هذا القصف الإسرائيلي ليس الأول من نوعه، ولكن استمر على مدار الأشهر الماضية بشكل متواصل، وقبل ثلاثة أيام من القصف الأخير، شنت طائرات الاحتلال هجوما على نحو 9 مواقع.

وأعلنت قوات الاحتلال، أن القصف جاء على هذه المواقع، ردا على إطلاق طائرات ورقية حارقة تسببت في اندلاع حرائق في مناطق حدودية بين غزة والأراضي المحتلة.

ولكن هذه الغارات الإسرائيلية لا تعبر عن رغبة لشن حرب على قطاع غزة خلال الفترة الحالية أو حتى السابقة، إذ يتعامل الكيان الصهيوني بحذر شديد في مواجهة فصائل المقاومة، خوفًا من انفلات الأوضاع وتفاجأ دولة الاحتلال بأنها مجبرة على حرب على القطاع، فهل إسرائيل مستعدة لهذه الحرب أم لا؟.

 

لا حرب ولا هدنة!

الشاهد في عمليات القصف المتكرر وغير الدموي خلافًا لما هو معهود عن الكيان الصهيوني، باستثناء سقوط شهداء ومصابين على الحدود بين القطاع والأراضي المحتلة بنيران قوات الاحتلال، في إطار مسيرات العودة، التي أطلقتها حماس.

إسرائيل من جانبها، ترغب في عدم تصعيد الموقف والدخول في حرب على قطاع غزة، لتصبح الأوضاع في غزة “لا حرب ولا هدنة” الآن، ويحدد هذا الأمر عدة عوامل:

 

أولا: صفقة القرن:

يبدو أن إسرائيل ترتب أولوياتها خلال الفترة المقبلة؛ إذ تضع في المقدمة مسألة إحراز تقدم في “صفقة القرن” الأمريكية، بالشراكة مع دول وأطراف إقليمية.

وبحسب تقارير صحافية غربية، فإن إدارة ترامب تعتزم إعلان صفقة القرن عقب شهر رمضان، ولكن حتى الآن لم يتم كشف بنود الصفقة النهائية.

وبالتالي فإن الدخول في حرب على قطاع غزة، يعرقل كثيرًا أي تقدم أحرز في سبيل محاولة تمريرها، خاصة وأن أطراف عربية وعلى رأسها مصر بقيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، يوالي إسرائيل وأمريكا، ويضغط بشدة على حماس في سبيل تحقيق المصالحة كخطوة أولى تمهيدًا لصفقة القرن، فضلا عن احتواء أي توتر بين الاحتلال وحماس خوفًا من تطور الأمور لحرب شاملة بين الطرفين.

وفي هذا السياق، فإن زيارة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وجاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض، إلى الأردن خلال الأيام الماضية، يشير إلى ممارسة ضغوط بشدة على الملك عبد الله من أجل القبول ببنود صفقة القرن، والضغط على السلطة الفلسطينية للهدف ذاته.

وكل الشواهد تفيد باقتراب إعلان صفقة القرن، أو على الأقل التمهيد لها، والضغط على الأطراف المعترضة، لضمان عدم وجود ممانعة عن إطلاقها.

           

ثانيا: تحييد فصائل المقاومة:

ربما تحاول إسرائيل خلال الفترة المقبلة تحييد فصائل المقاومة في غزة، وتحديدًا كتائب عز الدين القسام، لأهداف أبعد، تتعلق بالأساس بعد فتح أكثر من جبهة على إسرائيل.

إسرائيل بدأت في تركيز جهودها على التواجد الإيراني في سوريا، وتضغط بقوة لإخراج الميليشيات الإيرانية وتحديدًا المتواجدة قرب حدود الأراضي المحتلة.

وإذا أقدمت إسرائيل على شنّ حرب واسعة على تلك الميليشيات مع قوة العلاقات بين إيران وحماس، التي عادت لسابق عهدها، فضلا عن قوة العلاقة مع حزب الله، وإذا اتفقت كل تلك الأطراف على الكيان الصهيوني، فإن هذا يمثل تهديدًا لها، ولذلك ربما تحاول تحييد حركة حماس وفصائل المقاومة، حتى لا تحارب إسرائيل على أكثر من جانب.

وأكد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، أنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي عدوان إسرائيلي على قطاع غزة.

لذلك ترغب إسرائيل في إقرار هدنة طويلة مع فصائل المقاومة في غزة، حتى ما إذا أرادت كسر الهدنة فلن يتمكن أي طرف من ردعها، ولكنها تحاول تحجيم أي دور لفصائل المقاومة خلال الفترة المقبلة.

وقال ألون بن ديفيد، وباراك رافيد، وهما من أبرز الإعلاميين والمحللين العسكريين: إن إسرائيل تدرس العروض المقدمة بشكل إيجابي، وإنها ستطالب بوقف تام لإطلاق النار وحفر الأنفاق، وإعادة أسراها والمفقودين لدى حماس في غزة. لكن مصادر الحركة أكدت إصرارها على فصل قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها عن موضوع رفع الحصار.

وأشار الإعلاميان الإسرائيليان، إلى أن تل أبيب ستقدم تنازلًا عن مطالبتها بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وتسهيلات لسكان القطاع، وتمتنع عن مطالبة عودة السلطة إلى غزة، وتفتح المعابر، وتقوم بتسهيل المشاريع الدولية والإنسانية.

 

تخوفات من القطاع

ولكن إسرائيل ربما لن تستمر في حالة اللا حرب واللا هدنة طويلًا، خاصة وأن هناك تخوفات من تصاعد نفوذ وقوة فصائل المقاومة، وبالأخص كتائب عز الدين القسام.

وتقدم إسرائيل على شنّ حرب استنزاف للقطاع وفصائل المقاومة بين الحين والآخر، ويكون هدفها أولًا: معرفة قدرات فصائل المقاومة، والقدرات الصاروخية لديها ومداها، وتطور الأسلحة، وثانيا: القضاء على أكبر كمية من الأسلحة المخزنة في القطاع.

ويمكن في إطار الرؤية الإسرائيلية للقطاع والتعامل مع فصائل المقاومة، التخوف بشدة من نشوب حرب حالة عدم إحراز تقدم في “صفقة القرن”.

ولكن ظهرت تخوفات شديدة من قبل الطائرات الورقة الحارقة التي بدأ الشباب في قطاع غزة تصنيعها واستخدامها تجاه الأراضي المحتلة، مما تسبب خسائر على الأقل مادية في الأراضي المحتلة.

هذا الشكل الجديد من المقاومة ليس مقصورًا على فصائل بعينها في القطاع، ولكن يستخدمه الشباب بشكل عام في غزة، وظهر خطورته خلال مسيرات العودة.

وفي تقرير سابق، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرينوت” الإسرائيلية، أن حريقًا كبيرًا اندلع في حقول زراعية لمستوطنة كيسوفيم، ما دفع طواقم الدفاع المدني لإطفاء الحريق، بسبب هذه الطائرات الورقية.

كما تمكن مجموعة من المتظاهرين الفلسطينيين من إسقاط طائرة إسرائيلية بدون طيار، تلقي قنابل غاز على المتظاهرين شرق قطاع غزة.

حماس ورغم رغبتها في تحسين أوضاع القطاع بسبب الضغوط الشديدة عليها بفعل الحصار الثلاثي من قبل إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، قبل حدوث انفراجة نسبيًا بفعل الموافقة على الدخول في مصالحة مع فتح، ولكنها لم تنجح فعليا حتى الآن، ولذلك لا تسعى لحرب مفتوحة مع إسرائيل، إلا أن الأمور قد تفلت من بين يدها، بسبب ممارسات الكيان الصهيوني.

وحرصت الحركة على عدم استخدام السلاح في مسيرات العودة، ولكنها اكتفت فقط بالدعوة لسكان القطاع بالمشاركة السلمية فيها، لكسر الحصار المفروض، ورفضًا لصفقة القرن.