أحمد فارس

 

لم تتمكن اللجان الإلكترونية التابعة للنظام المصري الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي، من مواجهة هاشتاج أطلقه نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية.

وظل هاشتاج “ارحل_يا_سيسي” متصدرًا لموقع “تويتر” خلال اليومين الماضيين، ولكنه ألقى بظلال عميقة وجوهرية داخل النظام المصري، ولم تتمكن اللجان الإلكترونية من مواجهته.

الهاشتاج ليس الأول من نوعه فيما يتعلق بمطالبات رحيل السيسي، ولكنه الأكبر والأعنف هجومًا على النظام الحالي؛ لأنه جاء متزامنًا مع إجراءات اقتصادية جديدة، تزيد من الأعباء على كاهل المصريين.

 

هاشتاج عفوي

“هاشتاج عفوي”.. هكذا يمكن توصيف “#ارحل_يا_سيسي”؛ إذ إنه لم يظهر بصورة مرتبة عقب زيادة الأسعار، وفقًا للموازنة العامة للدولة لعام 2018-2019، وتحديدًا في قطاعات الطاقة، لتنفيذ أجندة صندوق النقد الدولي، لحصول مصر على شريحة جديدة من قرض الـ 12 مليار دولار على دفعات.

حالة الغضب الشعبي واضحة تمامًا في الشارع المصري، وهذا ما يتضح من خلال المناقشات والانفعالات والأحاديث في المواصلات العامة، ولا تحتاج إلى هاشتاج للتعبير عن الرفض الشديد لهذه الزيادات التي أقرتها الحكومة أو بالأحرى النظام ككل وعلى رأسه السسي، وفقًا لما يعتبره خطة “إصلاح اقتصادي”، بغضّ النظر عن تقييم هذه الخطة سواء جيدة أم لا.

حملات التبرير الكبير التي صدَّرها النظام الحالي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستخدمًا لجانًا إلكترونية لنقل وتمرير رسالة أساسية أنه لا سبيل لنهوض البلاد إلا بخطة الإصلاح الاقتصادي، وسط إلقاء اللوم على الشعب المصري، لعدم الاهتمام بالعمل والإنتاج بدلًا من توجيه الانتقادات للحكومة والسيسي، أحدثت حالة من الغضب فوق تلك الطبيعية التي ظهرت بسبب غلاء الأسعار.

وهنا ربما دفعت حملات التبرير من النظام المصري نشطاء لإطلاق هاشتاج “#ارحل”، الذي لم يظهر عقب رفع أسعار المواد البترولية مباشرة.

ورغم تصدر هاشتاج “#ارحل_يا_سيسي” مواقع التواصل بعد إطلاقه بساعات قليلة، إلا أنَّ هذا التصدر دام فترة ليست بالقصيرة، فعلى مدار يومين كاملين ظل متصدرًا بقوة، وسط تزايد في أعداد المغردين المشاركة بالكتابة.

وهذا يعكس وجود إقبال كبير على تأييد فكرة رحيل السيسي، خاصة وأن مغردين شاركوا خصيصًا لنشر تصريحات سابقة للرئيس المصري مفادها: “إذا طلب مني الشعب الرحيل سأرحل”، وكأنهم يوجهون الحديث للسيسي نفسه.

النظام الحالي وعبر وسائل إعلام موالية له، حاول تشويه الهاشتاج وكأنه من صنع لجان إلكترونية مخصصة للترويج له لكي يتصدر موقع “تويتر”، ولكن عند مقارنة حجم التداول والرواج الكبير للهاشتاج، يمكن القول بصعوبة بل باستحالة تصدر أي لجان إلكترونية مهما كان عددها بأي هاشتاج مثل “#ارحل_يا_سيسي”.

وفي هذا السياق، وجهت وسائل إعلام موالية للسيسي، الاتهامات بشكل أساسي لجماعة الإخوان المسلمين، وهي اتهامات دائمة لتعليق الشماعة على الجماعة، لتشويه أي صوت معارض للنظام الحالي والتوجهات الحالية، من باب أنَّ الجماعة هي “الشر الأكبر”، كما يحاول النظام الحالي تصويرها.

 

فشل اللجان الإلكترونية

النظام الحالي وجد نفسه في ورطة كبيرة بعد تصاعد الهاشتاج وعدم القدرة على مواجهته، حتى إنه جذب المتابعين لموقع “فيسبوك”، على الرغم من أنه تصدر موقع “تويتر”، حتى صار منتشرًا بقوة على الموقع الأول، وهو الأكثر انتشارًا وشعبية في مصر.

ولذلك أقدمت اللجان الإلكترونية الموالية للنظام المصري، على مواجهته بإطلاق هاشتاج تحت اسم “#السيسي_زعيمي_وأفتخر”، ولكنه لم يتمكن من  منافسة هاشتاج “#ارحل_يا_سيسي” في وقت نشاط الاثنين معًا، ولكن بعد وقف الأخير، تصدر الأول الداعم للسيسي “تويتر”.

تصدر هاشتاج اللجان الإلكترونية مؤقتًا، دفع المؤيدون لرحيل السيسي إلى إعادة التغريدة على “#ارحل_يا_سيسي”، حتى اختفى “#السيسي_زعيمي_وأفتخر”، وهو ما يمثل فشلًا للجان الإلكترونية.

ولكنهم عادوا بهاشتاج جديد تحت اسم “#السيسي_مش_هيرحل”، وحاول الدفع به بقوة، ولكنهم فشلوا أيضًا، بما يعكس وجود نشاط ملحوظ على الهاشتاج المناهض للسيسي، أكبر من قوة أي لجان إلكترونية قد تحركه.

وعلى مدار اليومين الأخيرين ظلّ “#ارحل_يا_سيسي” متصدرًا بقوة، متفوقًا بفارق كبير؛ إذ تجاوز عدد تغريدات عن 300 ألف تغريدة، بينما “#السيسي_مش_هيرحل” كان نحو 54 ألف تغريدة.

ولجأ النظام الحالي إلى حيل من أجل انتشار الهاشتاج الداعم للسيسي، من خلال إعادة التغريدة مرات عديدة من حسابات مختلفة، بل وصل الأمر إلى إقدام مؤسسات إعلامية وصفحات عبر موقع “فيسبوك” إلى كتابة الهاشتاج ضمن نشر أخبار على تلك الصفحات بشكل فج، ولكنها محاولات لم تفلح في إعطاء زخم لـ “#السيسي_مش_هيرحل”.

وعند متابعة بعض الحسابات سواء على “تويتر” و”فيسبوك” التي تروّج لهشتاج دعم السيسي، أنها ليست حسابات حقيقية إلى حد كبير؛ إذ يكثر استخدام أسماء غير حقيقية، ولكنها أسماء مستعارة، دون تفاعل ونشاط كبير على تلك الحسابات، إذ لا توجد أي معلومات أو صور شخصية.

واللافت في بعض هذه الحسابات أن قائمة الأصدقاء تضم أيضًا حسابات تضع أسماء مستعارة.

 

كسر حاجز الخوف

رغم القبضة الأمنية الشديدة المفروضة في مصر، وتحديدًا تجاه كل معارضي النظام الحالي، إلا أن الهاشتاج الرافض لاستمرار السيسي، كان متنفسًا للكثيرين؛ إذ لم يكن هناك مساحة لتنظيم احتجاجات رفضًا لقرارات رفع الأسعار، خاصة وأنّ ارتفاع أسعار الوقود، يمثل زيادة مركبة، لما يترتب عليها زيادة في كل الأسعار والسلع تبعًا، وهو ما حدث بالفعل.

ولا تزال قمع احتجاجات المترو، عقب رفع أسعار التذاكر ومواجهتها بكل عنف وقوة، منعًا لانتشارها خلال الفترة التي تبعت هذا القرار، كانت تتصدر أذهان المصريين، خاصة مع اعتقال عدد من المعترضين على رفع أسعار تذاكر المترو.

واعتقلت السلطات المصرية عددًا من النشطاء بينهم هيثم محمدين وشادي الغزالي حرب، على خلفية التحريض ضد النظام الحالي عقب رفع أسعار تذاكر المترو.

ومن هنا وجد قطاع عريض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الهاشتاج متنفسًا للتعبير عن آرائهم في ظل صعوبة ملاحقة الآلاف بل أصحاب ما يزيد عن 300 ألف تغريدة.

 

تأثيرات جوهرية

اهتزازات كبيرة وجوهرية أحدثها الهاشتاج حتى بدأت وسائل الإعلام الموالية للسيسي، الحديث عن أنه هاشتاج مسيء لمصر كلها، باعتبار أن السيسي نجح في الانتخابات، ولا يمكن الحديث عن شرعيته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ولكن تعاطي النظام الحالي مع الهاشتاج الرافض للسيسي، جعل أركان النظام الحالي تهتز بالفعل، وهذا يتضح من تصريحات المسؤولين.

وقال رئيس مجلس النواب علي عبد العال، في الجلسة العامة للبرلمان: “لقد قال الشعب ونواب البرلمان كلمتهم والكل داخل وخارج المجلس يؤيدون الرئيس السيسي ويدعمونه ويتمسكون به”، مضيفا: “السيسي رئيسنا إن شاء الله دائما وأبدًا”.

وتابع: “لا تتعجلوا قطف الثمار، الأيام القليلة المقبلة ستشهد انفراجة كبيرة”، مشيرًا إلى أن كل هذه المعاناة كانت نتيجة للسياسات الخاطئة في الماضي، ولم تجرؤ الحكومات السابقة على وضع يدها على موطن المرض الفعلي، وهو ما فعله النظام الحالي واستطاع أن يجري الجراحة رغم آلامها.

وحاول عبد العال من خلال التصريحات السابقة امتصاص الغضب الشعبي، والرد على الهاشتاج ولكن بطريقة غير مباشرة.