إبراهيم سمعان
بدون إصلاح متعمِّق للنظام السياسي والهيكل الاقتصادي، سيظل الأردن، شأنه شأن بلدان أخرى في المنطقة، معرَّضًا لقيام ثورة جديدة، على الرغم من المليارات التي وعدت بها دول الخليج النفطية.
فعلى مدار أسبوع أعادت الصور التي شهدها الأردن ذكرى الربيع العربي وإطاحة الشارع بعِدّة أنظمة سياسية، ما يشير إلى أن اضطرابات شعوب المنطقة لا تزال مشتعلة تحت الرماد بعد مرور سبع سنوات.
وقالت صحيفة “سيليت” الفرنسية: الأطباء، والمحامون ، والمعلمون، ورجال الأعمال.. كانوا بالآلاف يتظاهرون كل ليلة على الرصيف للتنديد بفاتورة ضريبية يعتبرونها غير عادلة، وعلى الرغم من دعوات التهدئة فإنَّ الشارع لم يهدأ؛ حيث كانت ظاهرة غير مسبوقة منذ انتفاضات عام 2011 ، التي هزَّت الأردن دون أن تؤدي إلى سقوط نظامها الملكي.
الاستياء الحالي كان بسبب سلسلة من الإصلاحات الضريبية التي فرضها صندوق النقد الدولي- بما في ذلك رفع الدعم وزيادة الضرائب على الدخل- إلى دفع الأسعار وإضعاف القوة الشرائية للأردنيين، بما في ذلك أصحاب الطبقة الوسطى، الذين يعانون بالفعل من التأثير الكامل للصراع السوري وتدفق نحو 700 ألف لاجئ ولاجئة إلى البلاد.
زيادة كبيرة في تكاليف المعيشة
مع نمو بالكاد يتجاوز 3 ٪ منذ عام 2011 ، معدل البطالة يبلغ أكثر من 15 ٪ – منهم ما يفوق الـ 30 ٪ من الشباب – في حين يعيش خمس السكان تحت خط الفقر، فإنَّ الزيادة المتكررة، التي تُوجّت بفاتورة الضرائب، أدت في نهاية المطاف إلى احتجاج شعبي واستقالة رئيس الوزراء.
فمنذ يناير، ارتفع سعر الخبز، في الواقع، بنسبة 100 ٪، وزاد الوقود خمس مرات في حين ارتفعت فواتير الكهرباء بنسبة 55 ٪ منذ فبراير.
لكن هذه الأحداث- وهي علامة على تغير الزمن في بلد حيث التقليد الديمقراطي شبه معدوم- تتعدَّى المسألة الإصلاحات المالية؛ فالتعبير عن عدم الرضا لا يزال موجودًا ولا توجد حلول منذ الربيع، سواء في الأردن أو في أي مكان آخر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إصلاحات اجتماعية خجولة
مثل نظرائه العرب أجرى الملك عبد الله الثاني، على مدار سبع سنوات، بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لكنها بقيت غير كافية لإحداث تحول ديمقراطي وإنمائي حقيقي، وهو ما يحتاجه البلد.
على المستوى السياسي، بدأ الإصلاح الدستوري في سبتمبر 2011، في أعقاب انتفاضات شعبية، مماثلة لتلك التي أجراها محمد السادس في المغرب، من أجل توسيع صلاحيات السلطة القضائية، وتعزيز صلاحيات البرلمان وإنشاء محكمة دستورية.
تَمّ تعديل القانون الانتخابي أيضًا في يوليو 2012. لكن بعض قواعد السياسة، مواتية للملك، ظلت على حالها: على سبيل المثال، كتعيين رئيس وزراء من قبل الملك وليس من قبل الأغلبية البرلمانية. كما استفاد عبد الله الثاني من انهيار حركة الاحتجاج على المستوى الإقليمي منذ أواخر 2011 لتخفيف التنازلات المقدمة، على الرغم من الإصلاحات الجديدة، مثل إدخال التصويت النسبي في عام 2016، لكن هذا لم يغير هياكل وأسس النظام.
على الصعيد الاقتصادي،شرعت البلاد أيضًا في ديناميكية إصلاحية معينة، وبعض إصلاحاتها مستوحاة من توافق آراء واشنطن والتفكير الليبرالي الذي ما زال صندوق النقد الدولي يُفضِّله على حساب الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والإنمائية الخاصة بكل بلد.
وبالتالي، وفي مقابل ذلك حصول المملكة على عدة منح ائتمانية من الصندوق، التزم الأردن بخفض ديونه، التي ترتفع إلى 95٪ من الناتج المحلي الإجمالي، من خلال زيادة الضرائب وتقليل الدعم وهي الإصلاحات التي أبرزت الضغط على السكان وأثارت حركة الاحتجاج الماضية.
لكن لا يزال الاقتصاد الأردني، كالمغرب، يعتمد إلى حد كبير على المساعدات المالية الخارجية، في مواجهة قطاع خاص لا يزال ضعيفًا، وقد ساعدت المواقف السياسية للبلاد وتحالفها مع الولايات المتحدة والمملكة السعودية حتى الآن على حمايته من بعض المخاطر.
في تسعينيات القرن الماضي، أدَّى توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل إلى قيام إدارة كلينتون بشطب بعض ديون الأردن في حين تمكنت سلسلة من عمليات الخصخصة أواخر العقد الأول من القرن الحالي أيضًا من تخفيض مخزون الديون بشكل كبير.
بالنظر إلى منظور التنمية المستدامة، لا يمكن لهذه الوسائل أن تضمن بأي حال دينامية مستدامة، إذا لم تكن مصحوبة بتغيير عميق في هياكل الاقتصاد ذاتها، لتوليد النمو وبالتالي التوظيف.
علاوة على ذلك، أحد مهدئات السخط الشعبي كانت مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار تَمّ منحها بشكل عاجل من قبل ثلاث ممالك نفطية خليجية هي المملكة السعودية والإمارات والكويت.
وفي غضون ذلك، أعلنت قطر، التي تتعرض لحصار من قبل جيرانها، عن عشرة آلاف فرصة عمل للأردنيين على أراضيها ومساعدات بقيمة 500 مليون دولار.
إذا كانت هذه المنح مرتبطة بالأزمة السياسية في الخليج، فإنَّ دافع أحد الملكيات البترولية هو الخوف من تأثير الدومينو لحدوث عدم استقرار محتمل في الأردن، الواقعة على حدود السعودية.
كانت المملكة قد استفادت بالفعل في عام 2011 من مساعدات بقيمة 5 مليارات دولار من دول الخليج، بينما كانت المنطقة بأكملها عالقة في زوبعة غضب الشارع. وكان الهدف في ذلك الوقت هو منع الرياح الثورية من الوصول إلى رمال الصحراء العربية وحماية الملكيات السنية.
ذهبت دول الخليج إلى حد اقتراح المغرب والأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي (GCC) لمزيد من الحماية، وفي نفس الوقت تحمي نفسها من هذه الموجة المعدية.
ولكن بالنسبة للبلدان التي هي موضوع هذه المساعدات، فإنَّ هذه الحقن الطارئة ليست- بأي حال- حلًا دائمًا لمشكلتها، باستثناء صدّها كل مرة انفجارًا لقنبلة موقوتة، غير أنَّ السخط الحالي في الأردن لا يختلف عن المظاهرات التي جرت في تونس والحراك الشعبي في سبتمبر 2016 بالمغرب وكلها مرادفة لربيع عربي لا يزال تحت الرماد.
اضف تعليقا