في مثل هذا اليوم من كل عام “26 يونيو” يحتفل العالم بذكرى اتفاقية مناهضة التعذيب ومؤازرة ضحاياه، ليعود الحديث مجددًا عن انتهاكات السجون العربية، وعلى رأسها “مصر والسعودية والإمارات”.
ويقام اليوم العالمي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب بهدف التشهير ضد جرائم التعذيب، وتقديم الدعم، والتكريم للضحايا والناجين في أنحاء العالم.
ولكن مازال استخدام التعذيب منتشرًا على نطاق واسع، وخاصة في الوطن العربي.
وفي الذكرى السنوية السبعين لإعلان مناهضة التعذيب، التقرير التالي يرصد لكم النتائج الصادمة التي تؤكد أن الأنظمة العربية أصبحت تتقن فن التعذيب، برغم ادعاء تلك الحكومات أنها تحترم حقوق الإنسان.
سجل أسود لمصر
البداية من مصر؛ حيث مازال قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، يقود البلاد في ظل أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود.
ومنذ صيف 2013 ونظام “السيسي” يمارس أنواعًا من القمع المروِّع، غدا فيه التعذيب والاختفاء القسري ممارسة شائعة، وفق ما يؤكد حقوقيون.
فقوات الأمن تتفنن في أساليب التعذيب من إذلال وصعق بالكهرباء وحرق واستغلال جنسي؛ حيث تشابهت القصص لكن تعددت ملامح الضحايا.
وبلغ إجمالي انتهاكات الشرطة ضد المواطنين في العام الأول للسيسي ( 2014- 2015)289 حالة تعذيب، و272 حالة وفاة.
وفي اعتراف هو الأول من نوعه في البلادأكد وزير شؤون مجلس النواب المصري “عمر مروان“، في مارس الماضي، وجود حالات تعذيب في السجون المصرية، ولكنه أعلن أنها لا تزيد عن 72 حالة، قائلًا: “بالتالي لا يمكن وصفها بالظاهرة”.
إلا أنّ ذلك جاء عكس ما كشفته المنظمات الحقوقية؛ حيث اتهمت منظمة “هيومان رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان، نهاية العام الماضي قوات الأمن والشرطة في مصر بممارسة التعذيب ضد المعتقلين السياسيين بشكل روتيني، باستخدام الضرب والصعق بالكهرباء وحتى الاغتصاب أحيانًا.
وقالت “المنظمة” في تقرير يقع في 63 صفحة تحت عنوان “هنا نفعل أشياء لا تصدق: التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي”: “إن التعذيب الواسع النطاق والمنهجي من قبل قوات الأمن قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية.”
وأورد التقرير تفاصيل حول الأساليب المعتمدة في التعذيب من قبل قوات الأمن وعناصر وضباط الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية تستخدمها “لحمل المشتبه بهم على الاعتراف أو الإفصاح عن معلومات، أو لمعاقبتهم”.
وقالت المنظمة، إنها اعتمدت في مضمون تقريرها على مقابلات أجرتها مع “19 معتقلًا سابقًا تعرضوا للتعذيب بين عامي 2014 و2016، فضلًا عن محامي الدفاع وحقوقيين مصريين.
وتوصل باحثو “هيومن رايتس ووتش” لحالات استخدم فيها رجال الشرطة التعذيب لإجبار المعتقلين على قراءة اعترافات مكتوبة سلفًا، وتم تصويرهم وهم يقرأون وبُث التسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي أو التلفزيون الرسمي. وقال أحد المعتقلين: “لقد اعترفت بالتظاهر بعدما ضغطوا عليّ، وكذلك بالنسبة لباقي الأسئلة، أعطيتهم الإجابات التي يريدون سماعها؛ لأن الكهرباء كانت أقوى من أن أتحملها”.
وقال بعض المعتقلين، إنهم وُضعوا داخل غرفة أطلق عليها اسم “الثلاجة”؛ حيث تكون درجة الحرارة شديدة البرودة بينما لا يرتدون سوى الملابس الداخلية.
وقال أحد المعتقلين للمنظمة: “كانت أعصابي كلها ترتجف ولم أعد أتحكم بها.. كلما حاولت الوقوف أصبت بالدوار”.
وأضاف أنه تعرض لجلسة تعذيب مكثفة شملت وضع أسلاك كهربائية في أعضائه التناسلية.
انتهاكات عابره للحدود
في الإمارات الأمر لم يختلف عن مصر، ولكنه تجاوز حدود البلاد؛ حيث وصلت انتهاكات أولاد زايد لدولة اليمن؛ حيث تدير قوات موالية لأبوظبي عددًا من السجون السرية.
فداخليًا كشف عدد من المعتقلين السابقين في السجون الإماراتية عن تعرضهم للتعذيب والصعق بالكهرباء خلال احتجازهم.
وكان آخره ما تداوله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلًا صوتيًا مسربًا جديدًا لمعتقلة الرأي “أمينة العبدولي”، التي تتحدث فيه عن الانتهاكات في سجن الوثبة.
وقالت “العبدولي”، إنها تعاني من الإهمال الطبي في محبسها؛ حيث لم تتلقَّ العلاج اللازم بعد تعرضها للتعذيب الذي نتج عنه إصابة في العين اليمنى– لم تحدد حجمها- واعوجاج في الأسنان السفلية.
وفي تقريرها العالمي لعام 2018، قالت “هيومن رايتس ووتش”: إنها وثقت من خلال رسائل مكتوبة بخط اليد هرّبها المحتجزون من السجون، حصلت على 22 شهادة منهم كتبها عدد من الـ 94 شخصًا الذين يحاكمون على مزاعم بالتخطيط لقلب نظام الحكم، جميعها تتفق على إساءة المعاملة، وتؤكد التعذيب في مقرات أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة، وتشير إلى أن التعذيب ممارسة ممنهجة في تلك المقرات.
كما سبق وأن كشف المغرد السعودي الشهير “مجتهد” قبل عام، أن ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد”، يتمتع بعلاقة ممتازة مع “إريك برنس” رئيس شركة بلاك ووتر الأمنية الأمريكية، وقد استخدمها لاستجلاب المرتزقة لأغراض أمنية في الإمارات، وكذا في تدخلات الإمارات في اليمن، وتعذيب السجناء.
أما خارجيًا، فقد أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان للسلطات الإماراتية، أن الانتهاكات التي ترتكبها القوات الموالية للإمارات في اليمن ترقى إلى جرائم حرب، وهو ما يستدعي فتح تحقيق عاجل فيها ومحاسبة المتورطين.
كما كشف تحقيق نشرته وكالة “الأسوشيتد برس” الأمريكية الأسبوع الماضي، سبل التعذيب في السجون التابعة للإمارات في اليمن، والذي يبيّن أن التعذيب لا يقتصر فقط على العنف الجسدي بل يطال المسجونين تعذيبٌ جنسيٌّ تمارسه القوات ضد المعتقلين من كلا الجنسين.
وتتحدث تقارير إعلامية بكثرة عمّا لا يقل عن 18 سجنًا سريًا في جنوب اليمن، تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودربتها الإمارات، وفق إفادات جمعتها من معتقلين سابقين وعائلات السجناء.
القمع عنوان المرحلة
من الإمارات إلى السعودية؛ حيث شهدت الرياض خلال الأونة الأخيرة وخاصة مع تولي الأمير “محمد بن سلمان” ولاية العهد، بدأت البلاد تتجه نحو مزيد من القمع.
ففي العام الماضي تحول أكبر فنادق المملكة إلى سجن كبير لأبناء عمومة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”.
ووفقًا لما قالت صحيفة “دايلي ميل” البريطانية، فإنّ الأمراء ورجال الأعمال المحتجزين على ذمة قضايا فساد، يتم الاعتداء عليهم وضربهم وتعذيبهم بعدما طال أمد التفاوض بين ولي العهد “محمد بن سلمان” وبينهم بهدف الاستيلاء على أموالهم.
وقالت الصحيفة: إن شركة “بلاك ووتر”-سيئة السمعة-، والتي كان لها دور كبير في تدمير العراق، هي التي تشرف على عمليات التعذيب، تحت عين وبصر “محمد بن سلمان”.
ومن أشد مظاهر التعذيب، هو حرمان بعض المحتجزين من الرعاية الطبية اللازمة، خاصة وأن بعضهم يعاني من أمراض عدة تستدعي وجود رعاية طبية دائمة وملاحظة مستمرة، وذلك بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
التعذيب داخل سجون المملكة لا يقتصر على المواطنين السعوديين بل يطال حتى المقيمين من الجنسيات العربية، سواء بصورة شرعية أو غير شرعية، وهذا ما أكدته منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي 2016 – 2017.
واتهم مدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية السعودية بالاعتماد على نفوذها السياسي والاقتصادي من أجل ردع المجتمع الدولي ومنعه من انتقاد سجل السعودية السيئ جدًا في مجال حقوق الإنسان بحسبه.
اضف تعليقا