العدسة– معتز أشرف:

كثيرة هي علامات القلق التي تحاصر دولة كانت تتفاخر بوزارة للسعادة.

فأنت الآن في الإمارات مهدَّد بالصواريخ، بحسب آخر تحذير لوزارة الخارجية البريطانية، أو مهدَّد بالتوقيف بناءً على تعليمات أجهزة التتبع والتجسس المتطورة.

نرصد سياق التحذير البريطاني، وأسباب وصول الإمارات إلى هذه الوضعية في عهد محمد بن زايد.

غير آمنة!

أطلقت بريطانيا أبواق التحذير لكافة رعاياها الذين يصلون إلى  1.5 مليون بريطاني من الزوار السنويِّين، مما ووصفته بأنه سيكون استهدافًا صاروخيًا محتملًا على دبي ومدن إماراتية عديدة، ونشرت الخارجية البريطانية عبر موقعها الرسمي، في 23 يونيو الجاري تحذيرًا أمنيًا لكافة رعاياها في الإمارات، ومن ينوون زيارة دبي وباقي المدن الإماراتية، عنونته باسم “تحديث وقائعي عن الصواريخ المحتملة”.

وقالت الخارجية في تحذيرها إنّه من المرجَّح أن ينفذ الإرهابيون هجمات في الإمارات العربية المتحدة، وطالبتهم بالنظر إلى قسم الإرهاب، لمعرفة طبيعة التهديدات الإرهابية على الإمارات، موضحة أنَّ الإرهابيين يصدرون بيانات تهدِّد بتنفيذ هجمات في منطقة الخليج، وتشمل هذه الإشارات للهجمات على المصالح الغربية، بما في ذلك المجمعات السكنية والعسكرية والنفطية والنقل والمصالح الجوية، فضلًا عن الأماكن المزدحمة، بما في ذلك الفنادق والشواطئ ومراكز التسوق والمساجد.

كما أشارت الخارجية البريطانية في تحذيرها الرئيسي إلى أنَّ الإمارات علّقت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، ما جعلها تغلق جميع نقاط الدول الجوية والبحرية مع قطر بدءًا من 6 يونيو 2017، كما حذّرت من أن الإمارات أعلنت أن أي تعاطف مع قطر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو بأي وسيلة اتصال أخرى يعد “جريمة”.

النشطاء العرب كذلك أطلقوا تحذيرات لزوار الإمارات، وقالت المغردة نفود الدهيم في تغريدة علي موقع “تويتر”: الإمارات دولة قمعية غير آمنة، أنصح المسافرين لها بتفتيش أماكن سكنهم جيدًا ليتأكدوا من أنه لا توجد فيها كاميرات تجسس.. حسب علمي هناك بلاوي” وذلك في تعليقها على تقرير لمجلة أمريكية على عدم أمان الإمارات للمسافرين.

بعثة الأمم المتحدة في تقريرها الأخير حول الحصار على قطر، كشفت في سياق متصل عن الأخطار الجمة التي وجهت القطريين في الإمارات فور اطلاق الحصار، والذين أضحوا مجبرين على العودة لأوطانهم وتقطعت بهم السبل عن ذويهم وحيل بينهم وبين أرزاقهم وأملاكهم، بالإضافة إلى العمالة الوافدة وذويها والتي تشكل غالبية السكان في قطر؛ إذ فقد بعضهم وظائفهم وواجه البعض الآخر ضغوطًا اقتصادية متزايدة، وأيضًا عموم سكان قطر والسعودية والإمارات والبحرين، نظرًا لما خلفته القيود المفروضة من تضييق في حرية التنقل من وإلى بلدانهم وما لحق بحقوقهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية من أضرار.

داخليًا الإمارات غير آمنة بالنسبة للنشطاء والحقوقيين، ووفق تقرير “هيومن رايتس ووتش” في مطلع عام  2018 فإنَّ الإمارات ارتكبت انتهاكات داخل البلاد وخارجها عام 2017، في ظلّ واقع يسوده الاعتقال والإخفاء والتعذيب وإساءة معاملة المحتجزين، ومازالت التقارير تتحدث قبل أيام عن انتهاكات الإمارات في اليمن وقصص الانتهاكات ضد المعتقلات بالمخالفة للتقاليد والأعراف العربية في الإمارات.

 لماذا نواقيس الخطر؟!

تحذيرات بريطانيا يمكن قراءتها، بحسب مراقبين في سياق التهديدات التي وجَّهها زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي باستهداف الإمارات بالصواريخ اليمنية الباليستية، حسب وصفه، في إشارة إلى أن الإمارات ليست آمنة وأن الصواريخ الباليستية ستطال دبي وأبو ظبي وكل الأهداف الاقتصادية والعسكرية فيها.

وكالة “سبأ” التابعة للحوثيين نقلت في وقت سابق  عن الناطق باسم قوات الجماعة، “شرف غالب لقمان” قوله: إنّ “أبوظبي عاصمة دولة لم تَعُد آمنة بعد اليوم وإنها في مرمى الصواريخ اليمنية”، داعيًا المستثمرين في أبوظبي وإمارة دبي إلى أخذ تصريحاته “على محمل الجد”، وقال: إنّ “تصعيد الإمارات في الساحل الغربي لليمن سيقابل بتصعيد أقوى وغير متوقع من الجيش واللجان الشعبية (قوات الحوثي).. أبو ظبي لم تعد آمنة بعد اليوم”.

وفي أغسطس 2017  قالت وسائل إعلام تابعة للحوثيين: إنَّ القوة الصاروخية (تابعة للجماعة) أطلقت صاروخًا باليستيًا باتجاه أبوظبي، دون أن تذكر مزيدًا من التفاصيل، ولم يعلق التحالف على تلك الأنباء، فيما تشارك الإمارات في الحرب على اليمن ضمن التحالف الذي تقوده السعودية منذ شهر مارس عام 2015.

السبب الثاني للتحذير البريطاني يبدو متناسقًا مع الضغوط الدولية على الإمارات لتفادي كارثة في ميناء الحديدة خشية حدوث كارثة إنسانية قد تعرض أرواح ملايين المدنيين للخطر، وبالأخص من بريطانيا، التي أصدرت تعليقًا سلبيًا يحمل تهديدًا مبطنًا فور بدء العملية العسكرية التي شنَّها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات على الحديدة، بعد أن وجهت الإمارات تحذيرًا قبل بدء العملية العسكرية إلى بريطانيا والمنظمات الأممية، طالبتهم بإخراج كافة الهيئات الأممية من الحديدة، ومع استمرار العملية دون حسم كما زعمت السعودية والإمارات يبدو أنّ بريطانيا قد ضاقت ذرعًا.

جونسون، وزير خارجية بريطانيا، قال في بيان عاجل نشر على الموقع الرسمي الخاص بالخارجية البريطانية: “بعد شن العملية العسكرية من قبل قوات يدعمها التحالف لاستعادة ميناء الحديدة من ميليشيات الحوثيين، أدعو جميع الأطراف لاحترام القانون الإنساني الدولي وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين، ونحن على اتصال مستمر بالتحالف، بشأن ضرورة ضمان أن تكون أية عمليات عسكرية في الحديدة والمناطق المحيطة بها متماشية مع القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين”.

الانتهاكات الإماراتية في اليمن لها أبعاد أخرى في التحذير، وهي ما رصدتها منظمات حقوقية كثيرة، وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير حولها: “إن الإمارات العربية المتحدة تقدم الدعم لقوات يمنية احتجزت تعسفًا وأخفت قسرًا عشرات الأشخاص خلال عمليات أمنية، كما تدير مركزي احتجاز غير رسميين على الأقل، ويبدو أن مسؤوليها أمروا بالاستمرار في احتجاز الأشخاص رغم صدور أوامر بإطلاق سراحهم، وأخفوا أشخاصًا قسرًا، وأفادت تقارير بأنهم نقلوا محتجزين مهمين خارج البلاد”.

تأتي هذه التحذيرات كأداة ضغط متوافقة مع نداء الاتحاد الأوروبي بوقف القتال وتسهيل مهمة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، الذي سيلتقي الرئيس اليمني عبد ربِّه منصور هادي الأربعاء 27 يونيو في عدن، وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إنه تم تقديم إطار مفاوضات غريفيث إلى مجلس الأمن.

الاتحاد الأوروبي أعرب عن قلقه العميق إزاء تدهور الأوضاع في اليمن، في ظلّ تواصل الحرب والهجوم الذي يشنّه التحالف العربي بقيادة السعودية على الحديدة، ودعا في بيان إلى إعلان وقف عاجل لإطلاق النار في اليمن ووقف كل أشكال التصعيد وتسهيل مهمة غريفيث.

كما أدان الاتحاد الأوروبي تواصل استهداف المدنيين والمرافق الإغاثية مثل المستشفيات من قبل كل أطراف النزاع، وطالب باحترام القانون الدولي الإنساني، وإجراء تحقيقات محايدة وشفافة حول الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان.

الإعلام الأمريكي أيضًا!

الإعلام الأمريكي أيضًا شارك في تحذير زوَّار الإمارات من عواقب مملكة التجسس، ووثّق عدم الأمان الذي يلاحق النشطاء الإماراتيين، وقالت مجلة أمريكية بازرة: إن دولة الإمارات العربية تُعتبر من بين أكثر دول العالم قمعًا ودكتاتورية في الداخل، وتلعب دورًا رئيسيًا في الحرب الدموية في اليمن، وتدير شبكة من سجون التعذيب هناك.

وأضافت مجلة إنترسبت أنَّ رسائل بريد إلكترونية ووثائق مقرصنة من سفير الإمارات بواشنطن يوسف العتيبة، تؤكد أن الإمارات مستهلك شَرِهٌ لأدوات التجسس والرقابة التكنولوجية، وأنها تقوم بشكل متكرر بشراء هذه المعدات من الدول الغربية لتعقب معارضيها السياسيين وزوَّارها.

كما نشر موقع “نيويورك تايمز” الأمريكيّ مقالًا للكاتبة “نيكول بيرلوث” حول استخدام الإمارات برامج تجسس تجارية للتجسُّس على الناشطين في الداخل والخارج، خاصة تجربة الناشط الحقوقيّ الإماراتيّ أحمد منصور.

 ملاحقة دولية!

لم تكن الخارجية البريطانية مصدر القلق لولي عهد بن زايد بعد تحذيرها الأخير فحسب؛ فقد شهدت أراضيها الفترة الماضية فعاليات وتحركات مناهضة لجرائمه في اليمن، وأعلنت الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات أنها بدأت بجملة من الإجراءات القانونية لفحص إمكانية اعتقال كل من محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وحمد محمد ثاني الرميثي قائد الجيش، إضافة إلى وزير الدولة لشؤون الدفاع محمد بن أحمد البواردي، وذلك على خلفيّة جرائم الحرب المرتكبة في اليمن، حيث التقت مجموعة من خبراء القانون الدولي في العاصمة البريطانية لندن لبحث السبل القانونيّة الممكنة لاعتقال مسؤولين إماراتيين رفيعين في حال وصولهم إلى المملكة المتحدة.

وأضافت الحملة أنه ومع وفرة التقارير والمعلومات حول جرائم حرب محتملة نُفِّذت في اليمن على يد الإمارات، فإنَّ الخبراء أكدوا على وجود أرضية قانونية قوية تسمح بمحاسبة المسؤولين الإماراتيين في بريطانيا.