العدسة – معتز أشرف

جاء اتهام حماس لـ”أبو مازن” بالمشاركة في تمرير “صفقة القرن” باستمرار فرض العقوبات على غزة، ليؤكد مؤشرات سابقة أن الخلافات مع أمريكا خادعة، وأنها تريد أن تستمر السلطة الفلسطينية لتمسك العصا من المنتصف.

نرصد هذه الملامح التي تكشف دور “أبو مازن” وسلطته في “صفقة القرن” المشبوهة.

تطويق غزة

كانت المؤشرات كثيرة حول التواطؤ السلطوي بقيادة “أبو مازن” في “صفقة القرن”، ولكنها خرجت من حيز المنصات الإعلامية إلى القوى الفلسطينية، بعد اتهام حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الأربعاء، السلطة الفلسطينية بأنها “تساهم بشكل أساسي في تمرير وتنفيذ خطة السلام الأمريكية”، من خلال “استمرار فرضها للعقوبات” على غزة.

حازم قاسم، المتحدث باسم الحركة، أكد أن “سلوك السلطة تطبيق عملي لسياسة فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وفق ما تسعى لها المخططات الأمريكية”، كما حمّلها “المسئولية الكاملة عن استغلال الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية لحالة الانقسام، وتمرير مخططات التسوية عبر تعمد السلطة تعطيل مسار المصالحة الوطنية”.

وقادت السلطة الفلسطينية إجراءات عقابية غير معلنة ضد موظفيها بغزة (يقدر عددهم بـ58 ألف موظف)، منها: تقليص الرواتب بنحو الثلث والنصف في بعض الأحيان، وإحالة المئات منهم للتقاعد المبكّر، وتقول وزارة الصحة الفلسطينية إنّ رصيد العشرات من أصناف الأدوية في مخازنها بغزة صفر، متهمة السلطة بـ”عدم إرسال الأدوية”.

هذا الدور البارز للسلطة الفلسطينية ظهرت تأثيراته في بدء تطبيق البيت الأبيض لسياسة “الجزرة” بعد “العصا”، بحسب مراقبين، حيث استضافت 19 دولة، بينها مصر والسعودية وقطر والبحرين وعمان وإسرائيل ودول ومنظمات غربية، في مارس الماضي، لبحث الأزمة الإنسانية في غزة وإعادة إعمار القطاع، وقدمت واشنطن عدة مشروعات لإعادة إعمار القطاع، قبل الإعلان عن خطتها للسلام في الشرق الأوسط المعروفة باسم «صفقة القرن».

صحيفة هآرتس العبرية، أكدت أن “كوشنر” و”جرينبلات”، خلال الجولة الأخيرة لهما في المنطقة، حمَلا طلبًا من الإدارة الأمريكية بتجميع مليار دولار من دول الخليج لبناء مشاريع لصالح قطاع غزة، موضحة أن “جرينبلات” وكوشنر” سيطلبان من السعودية وقطر مليار دولار لتمويل مشاريع لغزة، مثل: ميناء ومحطة طاقة شمسية، ومنطقة صناعية سيتم إنشاؤها في المنطقة بين رفح المصرية والعريش، معتبرين أن إنشاء مناطق صناعية في سيناء ستعمل على تشغيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، فيما أشارت إلى أنّ واشنطن ستطلب تعاونًا مصريًّا أردنيًّا لتطبيق الخطة، والتي من شأنها تحسين الأوضاع الأمنية في غزة، منوهة إلى أن موضوع إمدادات غزة بالطاقة يحتاج إلى حلول سريعة، فيما قالت بأنه سيتم إنشاء محطات تحلية مياه أيضًا قرب محطات الطاقة الشمسية والميناء، في إطار خطة شراء صمت غزة قبل الصفقة، وفق مراقبين.

صنع شرعية!

في هذا الإطار يمكن قراءة المشهد من جديد، خاصة بعد تصدر السلطة الفلسطينية بقيادة “أبو مازن” في مشاهد تحدٍّ تبدو مصنوعة ومتفقًا عليها مع الولايات المتحدة الأمريكية لصنع شرعية جديدة لها، ويعزز هذه الافتراضية تلك المواقف التي تدعمها مؤشرات كثافة التقارير، خاصة العبرية، التي تتحدث عن خلافات بين البيت الأبيض و“أبو مازن”، رغم أن الأخير حليف واضح.

موقع “نيوز وان” العبري؛ أشار إلى ذلك، في مقال تحليلي للكاتب والمحلل الإسرائيلي، “يوني بن مناحم”، تناول فيه المساعي الأمريكية الحثيثة لتمرير “صفقة القرن”، مؤكدًا على أن الإدارة الأمريكية الحالية لن يمكنها إحراز تقدم في هذا الملف؛ طالما أصر الرئيس الفلسطيني، “محمود عباس”، على موقفه الرافض، لذا فإنه من الأفضل لواشنطن تأجيل طرح تلك الصفقة حتى يترك “عباس” الحياة السياسية، في تحليل يتجاهل دور فصائل المقاومة التي لها موقف صلب من عدم تمرير الصفقة مهما كانت المغريات، بحسب عباراتها، وما يكشف التحليل الصهيوني أكثر هو تأكيده في نهايته على أنه، “على الرغم من ضعف “عباس”، إلا أنه لا يزال رمزًا للسيادة الفلسطينية الشرعية، ورئيسًا للسلطة الفلسطينية”، وهو المقصود من تهيئة شرعية للسلطة بأية طريقة!.

المجلس الوطني الفلسطيني، كلمة سر كاشفة للدور المرسوم لـ”أبو مازن” في الصفقة، حيث كان حريصًا على عقده بدون إجماع وطني وحضور لكبرى فصائل المقاومة، وإنهاء انتخاباته ضمن إطار محدود من رجاله للحصول على دائرة قيل وقتها إنها قد تساعده على تمرير “صفقة القرن” بشرعية جديدة!.

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية، تحدث بصراحة عن فهم لهذه الثغرة، مؤكدًا رفض حماس لانعقاد المجلس الوطني، وأن القرارات التي تصدر عنه لا تمثل الشعب الفلسطيني، كما أن انعقاده بهذه الطريقة لا تحل أزمة الشرعية التي تعاني منها قيادتها، مشددًا على أن “انعقاد المجلس يمس بشكل صارخ وحدة شعبنا، ويضرب المنظمة وشرعيتها وجدارة تمثيلها لكل أبناء شعبنا”.

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في حديثه المتلفز وقتها أكد مخاوف المراقبين من السلطة الفلسطينية ودورها في تمرير “صفقة القرن”؛ حيث قال: “الطريقة التي يدير بها السيد “أبو مازن” الوضع الفلسطيني تكرس التفرد والرغبة في إقصاء القوى الفاعلة في الساحة، وحتى من “فتح” ومؤسسين من المجلس الوطني والمنظمة، وهو مسار واضح منذ سنوات طويلة، لاسيما في موضوع المصالحة والإجراءات الانتقامية على غزة، ودفع القطاع والقضية إلى نتائج لا تحمد عقباها”.

 ترويض “عباس”!

السعودية قامت بدور بارز في ترويض “عباس” وتهيئته للقبول بـ”صفقة القرن”، وذلك بحسب تقارير عربية وغربية متواترة، وكشفت مصادر في اللجنة المركزية لحركة “فتح” عن ضغوطات كبيرة تمارسها السعودية ودول عربية على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، للقبول بـ”صفقة القرن”، قائلًا: إن “دولاً عربية، على رأسها السعودية، تحاول من خلال الضغوطات تارة، وتقديم الوعود تارة أخرى، إقناع “عباس” بقبول التعامل بكل إيجابية مع “صفقة القرن”، وإحياء مشروع التسوية مع إسرائيل دون أي شروط مسبقة”.

وكشفت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي لوّح للرئيس الفلسطيني محمود عباس في السابق باستبداله بالمفصول من حركة “فتح” محمد دحلان، بعد أن لجأ إلى التهديد والوعيد استعمل “الدبلوماسية الناعمة” من أجل إقناع “عباس” بالخطة التي تعدها الإدارة الأمريكية.

واعتبرت الصحيفة أن زيارة الرئيس “عباس” إلى الرياض، أواخر عام 2017، كانت مختلفة تمامًا عن تلك التي سبقتها، إذ حاول ولي العهد السعودي إقناع “عباس” بقبول “صفقة القرن” بدبلوماسية، بعد أن هدده في السابق وحاول الضغط عليه.

وفي السياق ذاته، أكد موقع (تيك ديبكا) الإسرائيلي، أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد يمارس ضغوطًا كبيرة على محمود عباس أبو مازن، وذكر الموقع الإسرائيلي أن ولي عهد أبوظبي تحدث بصراحة لـ”عباس” قائلًا: الإمارات إلى جانبك، وقضية القدس مهمة، ولكن لا تنظر لإعلان “ترامب” على أنه إعلان حرب، لأننا عندها لن نكون بجانبك”!.

وكشف الموقع الاستخباراتي الإسرائيلي في تقريره، عن السبب الرئيسي لاحتجاز السلطات السعودية لرجل الأعمال الأردني – الفلسطيني الأصل- صبيح المصري، مؤكدًا أن عملية الاحتجاز كان القصد منها ابتزاز الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقال إن السعودية أوقفت الملياردير صبيح المصري، للضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ونشرت صحيفة “ذي تايمز” البريطانية، في تقرير لها في نوفمبر الماضي، أن “بن سلمان”، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات، يريدان لهذه الخطة أن تنجح “حتى تسمح لهما بتنسيق أكبر مع إسرائيل ضد إيران دون أن يتهما بخيانة القضية الفلسطينية”.