العدسة – معتز أشرف

“من حفر حفرة لأخيه أوقعه الله فيها”، هكذا يقول المثل الشائع..

وفي الواقع.. سقطت البحرين والسعودية ومصر والإمارات، في حفرة الأزمة الاقتصادية التي حاولت دفع دولة قطر فيها.

نسلط الضوء على المشهد الاقتصادي من البحرين إلى باقي دول الحصار، بالمقارنة مع قطر بعد إعلان برنامج إسعاف اقتصادي عاجل للبحرين قبل أيام.

أزمة البحرين

منعًا للفضيحة! تحركت السعودية والإمارات، بحضور من الكويت التي تحاول لم شمل البيت الخليجي، لتمرير برنامج إسعاف اقتصادي متكامل لدعم ما أسموه “الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار المالي في مملكة البحرين”، ومن أجل الوقوف بجانبها حتى تتجاوز محنة الديون السيادية، التي تتجاوز 20 مليار دولار، في اعتراف واضح بالانهيار الاقتصادي.

وترجع أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية في البحرين، إلى الانخفاض الحادّ في الاحتياطيات الأجنبية، والاختلالات المالية الكبيرة، وخفض التصنيف الائتماني السيادي، بالإضافة إلى غياب إستراتيجية مُحكَمة لوضع البلاد على مسار أكثر استدامة؛ كل هذا أعطى دفعة قوية لزيادة المخاطر في البلاد، وذكر تقرير أصدرته شركة “سيكو” البحرينية، أن “ديون مملكة البحرين بلغت 20.3 مليار دولار حتى النصف الأول من العام الجاري؛ منها نحو 808 ملايين دولار ديون خارجية مستحقة في 2018″، ويُتوقع أن ترتفع الديون إلى 1.68 مليار دولار من العام 2021 فصاعدًا.

والمالية العامة لحكومة البحرين -بحسب وكالة “رويترز“- من بين الأضعف في المنطقة، حيث حذر صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، من أن المنامة بحاجة لإصلاح ماليتها العامة سريعًا، مع ارتفاع الدين العام إلى 89% من الناتج المحلي الإجمالي، العام الماضي، ويعتقد كثير من المصرفيين أنه ما لم تتمكن السلطات من إقرار زيادات ضريبية وتخفيضات في الإنفاق، فإن ماليتها العامة ستظل مهتزة.

 الأزمة السعودية!

اعترف الأمير محمد بن سلمان، عندما كان لا يزال في القصر ولي ولي العهد، في لقاء مع وكالة “بلومبرج” الاقتصادية، في منتصف 2016، أن المملكة كانت ستصل إلى “الإفلاس التام” في أوائل عام 2017، لو لم تغير سياساتها الاقتصادية.

ولسوء حظه! جاء تغيير السياسات الاقتصادية في غير صالحه، فمع المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة، ومع تورط السعودية في أكثر من جبهة دون تحقيق نتائج ملموسة، أكد صندوق النقد الدولي، أن الاقتصاد السعودي توقف عن النمو بنسبة صفر في المائة، في النصف الأول من 2017، بسبب تراجع كبير في عائدات النفط.

الحرب اليمنية كانت -بحسب مراقبين- عاملًا كبيرًا في الإضرار بالاقتصاد السعودي، إذ تؤكد دراسات أعدها صندوق النقد الدولي، أن الحرب السعودية على اليمن كلفت الرياض ثمنًا باهظًا، حيث كلفت أكثر من 200 مليون دولار في كل يوم على الأنظمة المنخرطة فعليًّا في الحرب (السعودية والإمارات والبحرين)، وبِلُغَة الأرقام، تشير دراسات اقتصادية حديثة إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في السعودية بلغ، عام 2012، نحو (5.4%)، ليتراجع إلى (0.1%)، أي اقترب من الصفر تقريبًا، حسب توقعات صندوق النقد الدولي في 2016، كما تراجع إجمالي الناتج المحلي النفطي الحقيقي من (5.1%)، عام 2012، إلى السالب، حيث بلغ (-1.9%)، عام 2017.

وارتفعت نسبة البطالة في عهد سلمان بن عبدالعزيز من 11.5% في عام 2015، إلى 12.3% في عام 2016، وتصل هذه النسبة إلى 25% بحسب التقديرات غير الرسمية، رغم العمل على “سعودة” الوظائف، وتسريح آلاف العاملين الوافدين، وبسبب ذلك اقترضت السعودية لأول مرة من الخارج، ليرتفع الدين العام إلى أكثر من 84.4 مليار دولار لعام 2016، مقارنة بـ38 مليار دولار في العام الذي سبقه، ونقلت “رويترز” عن مصادر مطلعة أن وزارة المالية السعودية أصدرت تعليمات للجهات الحكومية بإعادة ما لم تنفقه من أموال مخصصة لمشاريعها في ميزانية هذا العام، وذلك في إطار سعيها لترشيد الإنفاق في ظل هبوط أسعار النفط.

خسائر أبوظبي

الأوضاع الاقتصادية في الإمارات ليست على ما يرام، وتسير في اتجاه الخسائر، وجاء إعلان الحكومة الإماراتية في مايو الماضي عن رفع نسبة تملك المستثمرين الأجانب العالميين في الشركات لتصل إلى 100%، ومنحهم تأشيرات عمل تصل إلى 10 سنوات، ليؤكد حقائق تهاوي الاقتصاد الإماراتي المترنح، منذ فرض الحصار على قطر، ومستنقع حرب اليمن، الذي يستنزف مليارات الدولارات من الاقتصاد الإماراتي.

تقارير اقتصادية حديثة كشفت عن لجوء الإمارات للصندوق السيادي للدولة لتغطية عجز الموازنة، وقد خفضت الإمارات حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية بنحو 200 مليون دولار إلى 66 مليار دولار، حتى نهاية يوليو 2017، كما لجأت الحكومة الإماراتية لزيادة الرسوم والجبايات الحكومية على المقيمين والمواطنين في “المشتقات النفطية”، و”رسوم الكهرباء والمياه”، و”المعاملات الحكومية”، والقوانين التي تُفَعل الضرائب والمدفوعات، إلى جانب إيرادات جديدة، كرسوم البلديات.

وخلال الأعوام السابقة زاد الدين العام، داخليًّا وخارجيًّا، وحسب تقرير صدر، في يناير 2017، عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، فإن حجم الديون الخارجية كنسبة بالناتج المحلي للإمارات يصل لـ59%، وكان صندوق النقد الدولي توقع أن تتراجع نسبة النمو الاقتصادي في الإمارات من 3% في 2016، إلى 1.3 % في 2017، منوهًا باستمرار ذلك التراجع في 2019، كما حذر مدير مؤسسة “ستاندرد تشارترد” المصرفية من تداعيات الأزمة الخليجية على مكانة مدينة دبي على الصعيد المالي، ونقلت وكالة “رويترز” عن رئيس المؤسسة بيل وينترز، أن “دبي تخاطر بمكانتها كمركز مالي نتيجة حصار قطر”.

وقالت مجلة «إيكونومست» البريطانية، في تقرير حول حصار قطر: “إن إمارة دبي تبقى أكبر الخاسرين من هذا الحصار واستمراريته”.

تدهور مصري!

وفي مصر، فحدث ولا حرج عن الفشل الاقتصادي، ورغم القروض الكثيرة التي حصل عليها رئيس النظام المصري الجنرال عبدالفتاح السيسي، كشفت ثلاثة مصادر مصرفية رفيعة لـ”رويترز”، الثلاثاء، أن هيئة قناة السويس المصرية، طلبت من بنوك خليجية الحصول على قرض قيمته 300 مليون يورو، لشراء حفارين جديدين، بعد أن فشلت الهيئة في اقتراض المبلغ من بنوك حكومية محلية.

ورغم أن العام المالي المقبل 2018 /2019، آخر عام في برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي وقعته مصر مع صندوق النقد الدولي نهاية 2016، فإن المؤشرات تكشف عن تحقيق مزيد من العجز والاستدانة لسداد قروض مستحقة والتخفيف من وطأة العجز.

وبجانب الاقتراض المحلي، تكثف مصر من الاستدانة الخارجية، حيث قفز الدين الخارجي بنسبة 41.6% على أساس سنوي إلى 79 مليار دولار، في ختام السنة المالية الماضية 2016/ 2017، مقابل 55.8 مليار دولار في نهاية السنة السابقة.

وتظهر المؤشرات الاقتصادية، ترديًا في أغلب القطاعات، وبات ربع المصريين على الأقل فقراء، كما شهدت أسعار السلع ارتفاعات قياسية بعد الرفع المتكرر للدعم عن المحروقات منذ الأزمة السياسية في 2013، وتفاقمت الأحوال المعيشية للمواطنين، خاصة مع خفض الدعم المقدم لسلع رئيسية.

قطر الأكثر ازدهارًا!

وبعد عام من الحصار الجائر، كان الاقتصاد القطري، بحسب مراقبين، أكثر ازدهارًا، وبحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي الجديد عن الاقتصاد القطري، فلا يزال القطاع المصرفي يتمتع بصحة جيدة، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال لدى البنوك 5.4%، وكانت الربحية عالية (العائد على الأصول 1.6%)، مع انخفاض القروض المتعثرة إلى (1.5%)، وارتفاع نسبة التحوط للقروض المتعثرة (85% من أصل القروض)، وكانت السيولة مريحة بشكل عام مع نسبة الموجودات السائلة إلى إجمالي الموجودات عند مستوى 27.3%.

وأشار التقرير إلى أن قطر تتمتع بوجود مخزونات مالية كبيرة، ولديها سياسات اقتصادية كلية سليمة، ساعدتها بنجاح على امتصاص الصدمات الناجمة عن انخفاض أسعار النفط والحصار، موضحًا أن لدى قطر مساحة واسعة للاستمرار في الضبط التدريجي للمالية العامة لضمان توفير ما يكفي من الثروة للأجيال القادمة، وتوقع التقرير أن يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مرنًا، على ضوء استمرار العمل في تطوير اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ، واﻟﺘﻮﺳﻊ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج اﻟﻐﺎز اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﻤُسال.

ووفق مراقبين، فإن بورصة قطر – التي هي مرآة الاقتصاد القطري- قد وقفت صامدة أيضًا، رغم الضغوط التي مورست عليها منذ الشهر الأول للحصار، واستقر المؤشر العام فوق مستوى 9 آلاف نقطة، رغم أن مؤشرات الأسهم الإماراتية قد سجلت تراجعات ملحوظة في الآونة الأخيرة، وهبط مؤشر سوق دبي دون مستوى 3000 نقطة.