العدسة _ باسم الشجاعي:
لم يكن قرار تعيين قائد الانقلاب العسكري في مصر “عبد الفتاح السيسي” لـ”عباس كامل”، مدير مكتبه، مديرًا عامًا لجهاز الاستخبارات العامة المصرية مفاجئًا لأحد؛ فـ”عباس كامل” يعتبر الرئيس التنفيذي للبلاد، فضلًا عن كونه مكلفًا بتيسير جهاز الاستخبارات العامة المصرية بعد استقالة، أو بمعنى أدق إقالة الرئيس السابق للجهاز اللواء “خالد فوزي” من منصبه في مطلع العام الجاري (2018).
وأدَّى “كامل”، “الخميس” 28 يونيو، اليمين الدستورية رئيسًا للمخابرات العامة، كما أدَّى اللواء “ناصر فهمي” اليمين الدستورية أيضًا نائبًا له بعد أن كان يتولى منصب المدير العام للجهاز.
ويعد “عباس” الرئيس رقم 21 في تاريخ الجهاز الذي يعود تأسيسه لعام 1954، ويتبع رئيس البلاد بشكل مباشر.
وفقًا للدستور المصري فرئيس المخابرات العامة، هو المسؤول عن تأمين نشاط المخابرات والمحافظة على المعلومات ومصادرها ووسائل الحصول عليها، وله أن يتخذ في سبيل ذلك الإجراءات الضرورية والمناسبة.
إحكام السيطرة
ويبدو أن “السيسي” يريد إحكام سيطرته على الوضع في مصر خلال الفترة المقبلة؛ فداخليًا تسيطر على البلاد حالة من الغضب المكتوم في النفوس، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وزيادة الأسعار المتتالية وضعف الأجور، ما يؤكّد أن الأوضاع قابلة للانفجار في أي وقت، وهو ما يتخوَّف منه الرئيس المصري، وخاصة مع اقتراب الذكرى الخامسة للانقلاب على الرئيس “محمد مرسي” في صيف 2013.
وفي إطار إحكام “السيسي” السيطرة على جهاز الاستخبارات العامة المشكوك في ولايته له، قام في خلال الثلاث سنوات الأخيرة بإقالة 119 مسؤولًا من الجهاز.
ومن أشهر من تمّ إقالتهم مؤخرًا، رئيس المخابرات العامة اللواء “محمد فريد التهامي”، الذي أحاله للتقاعد في ديسمبر 2014 بعد أكثر من عام على تولِّيه منصبه، وعيّن بدلًا منه اللواء “خالد فوزي”، الذي ظلَّ في المنصب نحو 3 سنوات، حتى أقاله في يناير 2018.
فتكليف “السيسي” بتولّي جهاز الاستخبارات العامة رسميًا في هذا، له العديد من الدلالات السياسية، على رأسها أنه أراد أن يأتي برجل “ثقة” خاصة في الفترة المقبلة.
ومن الطبيعي أن لا يثق “السيسي”، سوى في “عباس كامل” الذي يرافقه دائمًا؛ حيث يعرف عن الأخير أنَّه الرجل الأقوى داخل مؤسسة الرئاسة، وأن أحدًا لا يستطيع الحديث مع الرئيس ومناقشته في أي أمر سواه.
حسم الصراع
ويذهب البعض إلى أنَّ “السيسي” يخشى من الإطاحة به فجأة لسبب أو لآخر، وخاصة من داخل دولاب الدولة، أو خروج تظاهرات على غرار ما حدث في 25 يناير 2011، في ظل الحالة التي تشهدها البلاد، هو ما دفعه إلى الاستعانة برجله المخلص في هذا الصراع الذي تُعْتَبر المخابرات العامة لاعبًا رئيسيًا فيه.
وكانت تكاثرت خلال السنوات الخمس الماضية، الأحاديث بشأن صراع خفي بين جهازي المخابرات الحربية التي جاء منها “السيسي وكامل”، والمخابرات العامة التي كانت ومازالت الأخطر والأقدر على تحريك الأمور، وهو ما تحدَّثنا عنه بالتفصيل في تقرير سابق.
وربما هذا ما يفسِّر التسريبات الصوتية الكثيرة التي نشرتها القنوات الفضائية المعارضة لـ”السيسي” في عام 2015، كما أنها تؤكد أنها محاولة من المخابرات العامة لفضح “كامل”، ولتقليل مكانة المخابرات الحربية وتحجيم دورها.
حسابات خارجية
أما خارجيًا فعلى ما يبدو أن “عباس كامل” دفع به لإنجاز مهمة محددة، وخاصة في ظل الحديث عن دور مصر في خطة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” المتعلقة بتسوية القضية الفلسطينية والتي يطلق عليها اسم “صفقة القرن”، والتي كان يرفضها الرئيس السابق للجهاز “خالد فوزي”، وهو ما عجّل بالإطاحة به.
فـ”فوزي”، وفق تقارير إعلامية، كان يرفض فكرة تهويد القدس، وإتمام “صفقة القرن”؛ حيث إنّ تاريخ المخابرات العامة يؤكّد أنها أكثر المؤسسات المصرية عداءً لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي التي كانت تدير الصراع مع تل أبيت، طوال عصر الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر”، ثم بعد ذلك عصر “محمد أنور السادات”، واستمرَّت على مبادئها واستراتيجيتها في عصر الرئيس المخلوع “مبارك”، إلا أنَّ “السيسي” يسعى لتغيير تلك المبادئ، وكان يصعب عليه ذلك في ظلّ وجود أحد من أبناء المخابرات العامة على رأس الجهاز، فكان لابدَّ من مدير من الخارج.
فالأمور تسير بشكل متسارع للغاية، فبحسب مجلة “إنتيليجانس أون لاين” الفرنسية فإنَّ لقاءً جمع مديري أجهزة مخابرات عربية مع نظيرهم الإسرائيلي وبرعاية أمريكية في مدينة العقبة جنوب الأردن مؤخرًا لمناقشة خطة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” المتعلقة بالتسوية في الشرق الأوسط والتي يطلق عليها اسم “صفقة القرن”.
وذكرت أنَّ اللقاء الذي عُقِد ثالث أيام عيد الفطر في 17 يونيو الجاري جمع كلًا من رئيس جهاز “الموساد” يوسي كوهين، ورئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، ورئيس المخابرات الأردنية عدنان الجندي، إضافةً لرئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، وذلك برعاية “جيرارد كوشنير”، مستشار ترامب.
فضلًا عن أن مصر تعتبر حاليًا حجر الزاوية في “صفقة القرن”، فبحسب مصادر دبلوماسية مصرية، فإنَّ خطة الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، والتي جرت مناقشتها خلال الجولة الأخيرة في المنطقة التي قام بها صهره ومستشاره، “جاريد كوشنير”، ومبعوثه إلى المنطقة “جيسون غرينبلات”، تعتمد على القاهرة في الصفقة بشكل كبير، وذلك بحسب ما أورد موقع “العربي الجديد“.
وتكمن أهمية مصر في سيناء وبالتحديد الشمال والتي من المقرر أن تتم إقامة منطقة تجارة حرة على الحدود المشتركة بين قطاع غزة ورفح المصرية، بالإضافة إلى إنشاء محطة كهرباء عملاقة في منطقة مخصَّص إنتاجها لقطاع غزة بتمويل إماراتي كامل يتجاوز 500 مليون دولار.
كما يتضمن الشقّ الخاص بشمال سيناء في المخطط الأمريكي لتسوية القضية الفلسطينية، إقامة ميناء بحري مشترك بين مصر وقطاع غزة، يكون خاضعًا تمامًا للإشراف المصري، وتشارك في تشغيله عمالة من القطاع.
بالإضافة إلى ذلك يتضمن المشروع، بحسب “العربي الجديد”، تخصيص مطار مصري في شمال سيناء لخدمة أهالي القطاع، على أن يكون تحت إشراف وعمالة مصرية كاملة، وكذلك إنشاء منطقة صناعية كبرى على الحدود بين البلدين، بتمويل خليجي.
واشترطت “إسرائيل”، لتنفيذ تلك الخطوات وكافة المشاريع المخصصة لقطاع غزة في إطار تضخيمه وتحويله لدولة فلسطينية، بالإضافة إلى ما تبقى من أراضي الضفة الغربية التي لم تلتهمها المستوطنات وبخلاف القدس أيضًا، أن تخضع تلك المشاريع لإشراف ورقابة وتشغيل مصري، لضمان عدم استغلالها في “أي أنشطة معادية لإسرائيل”.
من هو “عباس كامل”
لم يكن أحد يهتم باللواء “عباس كامل”، الذي كان ظِلًا لـ”السيسي” يتبعه أينما تحرَّك، إلا أن اسمه تردَّد بقوة، للمرة الأولى في 2014، عندما تم تسريب التسجيل الصوتي لحوار رئيس تحرير صحيفة “المصري اليوم” (الخاصة)، الكاتب “ياسر رزق”، مع “عبد الفتاح السيسي”، الذي كان حينها وزيرًا للدفاع.
إذ وجّه “رزق” سؤالًا لـ”السيسي” بشأن عدد ضحايا فضّ اعتصام ميدان رابعة العدوية، الذي كان أقامه مؤيدو الرئيس الأسبق “محمد مرسي”، بعد انقلاب 3 يوليو 2013، فقال له الرئيس المصري الحالي: “اسألوا عباس”.
في البداية كان “عباس كامل”، مجرَّد مدير مكتب “السيسي”، حينما كان مديرًا لجهاز المخابرات الحربية، ولم يترك الأخير رجُله الأقرب حين تمّ تعيينه وزيرًا للدفاع، فاصطحبه معه.
ومع استعداد “عبد الفتاح السيسي” للانتقال إلى قصر الاتحادية، لتولّي مهام رئيس الجمهورية بعد انتخابات 2014، بعد الانقلاب العسكري على الرئيس “مرسي”، كان أول قراراته الجديدة، إعادة تشكيل مؤسسة الرئاسة، والتي كانت أبرز خطواتها تولّي “عباس كامل” منصب مدير مكتب الرئيس، والذي لا تمرّ ورقة أو قرار إلا من تحت يديه.
ورغم قلة المعلومات عن الرجل، لكونه كان يعمل في جهاز المخابرات الحربية ثم مدير مكتب “السيسي”، منذ أن كان رئيس الجهاز قبل أن يكون وزير دفاع ثم رئيس مصر، فإنَّ التسريبات أظهرت دوره المحوري في إدارة كل تفاصيل الدولة بعد الانقلاب العسكري على الرئيس الأسبق “محمد مرسي”، في الثالث من يوليو 2013.
وبرز اسم “كامل” أيضًا في بعض الملفات التي أدارها النظام المصري بعد الانقلاب، وخاصة فيما يعرف إعلاميًا بـ “قضية التخابر مع قطر”، المتهم فيها الرئيس الأسبق “محمد مرسي” وآخرون.
اضف تعليقا