العدسة – أحمد فارس
تشير الأخبار والتقارير في وسائل الإعلام المصرية خلال الشهر الجاري والماضي، إلى اقتراب انتهاء العملية العسكرية الشاملة “سيناء 2018″؛ نظرًا للنجاحات التي حققتها في مواجهة التنظيمات المسلحة في سيناء.
هذه الأخبار والتقارير الإعلامية اتجهت لهذا بعد تراجع ملحوظ في العمليات المسلحة التي تستهدف قوات الجيش والشرطة، مع انطلاق العملية العسكرية، وإن شهدت سيناء عمليات ليست كثيرة، أبرزها الهجوم على تجمع للجيش في وسط المدينة، أسفر عن سقوط نحو 20 قتيلًا، إضافة إلى مصابين.
ويبقى السؤال هل بالفعل انتهت عمليات المجموعات المسلحة؟ وهل اقتربت نهاية العملية الشاملة أم لا؟
عمليات جديدة
ورغم مشاهد الاحتفاء الشديدة في الإعلام المصري الموالي للنظام الحالي بالتقدم الملحوظ ميدانيًا في مواجهة الجماعات المسلحة بسيناء، إلا أنَّ تنظيم “ولاية سيناء” كسر وتيرة هذا الاحتفاء.
وتمكن التنظيم من تنفيذ عمليات خلال الأسبوعين الماضيين، من دون نشر الإعلام المصري أي أخبار عنها، إذ قام بالهجوم على كمائن برفح والشيخ زويد، أسفر عن قتلى وجرحى، بحسب مواقع قريبة من تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
ونفذ التنظيم سلسلة هجمات منذ بداية 10 يونيو الجاري، تنوعت بين استخدام العبوات الناسفة لاستهداف مدرعات وآليات الجيش خلال الحملات، فضلًا عن هجمات خاطفة على كمائن الجيش التي انتشرت بكثرة في مدينتي الشيخ زويد ورفح.
كما أن التنظيم اغتال أحد المواطنين بزعم تعاونه مع قوات الجيش والشرطة، وفقا لما يعتقده، وذلك داخل مدينة العريش، التي تعتبر المدينة الأكثر أمنًا وتحصينًا من قبل قوات الجيش والشرطة، وسبق عملية الاغتيال استهداف مدرعة للشرطة الشهر الماضي، أسفرت عن مقتل مساعد رئيس قطاع الأمن المركزي بسيناء، النقيب عبد المجيب الماحي.
ثمة تصاعد في عمليات التنظيم المسلح خلال شهر مايو ويونيو، مقارنة بانطلاق العملية العسكرية في فبراير الماضي.
ويمثل هذا التصاعد في وتيرة العمليات خلال الفترة الماضية، خطورة كبيرة بالنسبة لسير العمليات العسكرية الشاملة؛ إذ يبقي الوضع كما هو عليه، من دون التوسع في التفاؤل باقتراب القضاء على المجموعات المسلحة هناك.
لا سقف زمنيًا
وبعيدًا عن الأداء الإعلامي والترويج لمسألة اقتراب القضاء على الإرهاب بسيناء، إلا أنه عسكريًا وميدانيًا، فإن الأمر بالتأكيد سيكون مختلفًا تمامًا.
وما يدعم هذا الاتجاه بشدة هو استمرار العمليات العسكرية لمدة أكثر من 3 أشهر، وهي المهلة التي حددها الرئيس المصري لرئيس أركان الجيش الجديد آنذاك في نهاية العام الماضي، الفريق محمد فريد حجازي.
استمرت العملية العسكرية حتى الآن لما يزيد عن 4 أشهر، وتقترب من انتهاء الشهر الخامس لها، ولا يوجد أفق لانتهاء العمليات العسكرية، بما يعزز من مسألة أن القضاء على الإرهاب بسيناء ليس عملًا سهلًا ينجز في غضون شهرين أو ثلاثة، كما حاول النظام المصري الترويج له، لتحقيق مكاسب سياسية قبل الانتخابات الرئاسية الماضية، التي فاز فيها السيسي دون منافسة حقيقية.
ولكن كل التكهنات تشير إلى استمرارها فترة ليست قليلة، خاصة في ظل الحديث عن بدء مرحلة جديدة من العملية تتعلق بالفحص الأمني للأهالي والمشكوك في ولائهم لمجموعات مسلحة، بحسب ما أفادت تقارير صحفية خلال الشهر الجاري.
ويبدو أن سيناء ستظل مسرحًا للعمليات، ربما حتى بعد انتهاء العملية العسكرية فعليًا، خاصة في ظل الحديث عن دخول أجزاء من سيناء لخدمة صفقة القرن، بتخصيص جزء من الأراضي لإقامة منطقة حرة على الحدود مع قطاع غزة، للتخفيف عن سكان القطاع، وهو ما يتوقع أن يكون محل رفض كبير داخل سيناء وخارجها.
كما يشمل المشروع إنشاء محطة طاقة شمسية قرب العريش لتزويد قطاع غزة بالكهرباء، فضلًا عن ميناء بحري تتولى مصر إدارته، وهو ما يشمل تعديلًا في صفقة القرن، بألا تكون قائمة على تبادل الأراضي بقدر استغلالها لتسهيل تمريرها، دون إثارة أزمات داخلية، وتحديدًا في مصر والأردن.
وبالتالي فإن تمرير هذه الصفقة، يحتاج لتواجد قوات الجيش والشرطة بهذه الصورة الكثيفة، لضبط الأوضاع هناك، وضمان عدم خروجها عن سياقها وفرض نوع من الأمر الواقع بالقوة، في ظل نشاط محتمل لمجموعات مسلحة، لإفشال هذا المخطط.
وفي سياق الترويج لاقتراب القضاء على الإرهاب، قال جازي سعد، عضو مجلس النواب عن شمال سيناء، إن القوات المسلحة نجحت في حربها على الإرهاب بشكل كبير، وتمّ القضاء عليه بنسبة 80% بشمال سيناء.
وأضاف سعد، خلال إحدى الجلسات العامة لمجلس النواب، والخاصة بنظر مد حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد، أنّ القوات المسلحة تقوم بدور كبير في مواجهة العمليات الإرهابية، مؤكدًا على موافقته على مد حالة الطوارئ.
ولكن لطالما أنّه تم القضاء على الإرهاب بنسبة 80%، لماذا تستمر العمليات العسكرية بنفس صورتها والتضييق على الأهالي.
3 احتمالات
وتظهر احتمالات لظهور العمليات المسلحة في سيناء مجددًا، وهي:
أولًا: الاختباء، ربما يكون تنظيم “ولاية سيناء” قرر مع بداية العمليات العسكرية اتباع استراتيجية الاختباء خلال الأشهر الأولى من العملية الشاملة “سيناء 2018″، من أجل عدم تلقّي ضربات قوية تؤثر على بقائه مستقبلًا، أو تسقط عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى، وصعوبة تعويض الفقد في العناصر والمعدات والآليات، في ظل الحصار الشديد المفروض على شمال سيناء من قبل الجيش المصري.
وربما يكون قرّر الظهور، ولكن يبقيه في إطار “المضمون” اعتمادًا على خلايا صغيرة، تقوم بتنفيذ عمليات ثم تختفي، بدلًا من تنفيذ عمليات كبيرة، يفقد فيها عناصر كثيرة لديه.
ثانيًا: الأنفاس الأخيرة، وقد تكون العمليات التي ينفذها التنظيم خلال الفترة الماضية، إشارة إلى أن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة في سيناء، من واقع حديث عدد من وجهاء سيناء، بقدرة الجيش حاليًا الدخول لأماكن كان يصعب الوصول إليها خلال السنوات القليلة الماضية.
وتكون العمليات الأخيرة انتقامية لا أكثر ولا أقل، بعد الحصار المفروض عليهم مع بداية انطلاق العملية العسكرية، بعد دفع الجيش بوحدات عسكرية إلى محافظة شمال سيناء، وتضييق الخناق بنشر الكمائن في مدينتي الشيخ زويد ورفح، وعلى مداخل مدينة العريش.
ثالثا: ترتيب الوضع الداخلي، الاحتمال الأخير، متعلق بتلقي التنظيم المسلح ضربات قوية من الجيش المصري مع بداية العملية الشاملة، بما أفقده توازنه بشكل كبير، وحجّم من تحركاته، بل وسقوط عدد من قياداته في الضربات الجوية، وبالتالي أحجم عن تنفيذ عمليات بانتظار ترتيب البيت الداخلي أولًا، وتحديد استراتيجيته في سيناء خلال الفترة المقبلة، وربما انتظار دعم من خارج سيناء.
اضف تعليقا