بالتفاصيل.. السجل الأسود للهاملي
جلال إدريس
أثار القرار المفاجئ الذي اتخذه “أحمد ثاني الهاملي”، رجل المخابرات الإماراتي ورئيس الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، بالتنازل عن رئاسة الفيدرالية بحجة “إعطاء فرصة للآخرين لاستكمال إنجازاتها”- موجةً من الجدل والتساؤلات، حول أسباب التنازل الحقيقية، وهل ما أقدم عليه “الهاملي” استقالة فعلية، أم أنها إقالة من قِبل الأجهزة المخابراتية في الإمارات، بعدما تعددت فضائح الرجل وانكشفت ألاعيبه المختلفة؟
وبحسب مراقبين، فإنَّ “الهاملي” لم يكن يتنازل من نفسه على الإطلاق عن دوره في الفيدرالية، لكنه أُجْبِر على تقديم استقالته، وتنازله عن رئاسة الفيدرالية المثيرة للجدل من قِبل الأجهزة الأمنية في الإمارات؛ وذلك بعد أن كثرت فضائحه، وأصبح سجله مليئًا بالفساد، فضلًا عن تقديم مذكرات للشرطة السويسرية تطالب باعتقاله، بعد جرائم رشاوى وغسيل أموال قام بها في جنيف.
وللتعرُّف أكثر على حقيقة تنازل “الهاملي” عن رئاسة الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، والأدوار الإماراتية المشبوهة لتلك المنظمة في جنيف، فإنَّ “العدسة” تستعرض في السطور التالية، تقريرًا مفصلًا عن الهاملي، وعن أدواره الحقوقية المشبوهة.
من هو أحمد الهاملي؟
أحمد ثاني الهاملي، هو شخص إماراتي الجنسية، وهو عنصر سابق في شرطة دبي ويعمل حاليًا كعنصر في جهاز أمن الدولة في الإمارات وأيضًا في المخابرات.
سافر أحمد ثانى الهاملي إلى المملكة المتحدة “بريطانيا”، لنيل درجة الدكتوراة من جامعة “هال شمال” إنجلترا، لكنه تعثّر في دراسته، إلى حد أنه لم يَقُم بكتابة أطروحة الدكتوراة التي حصل عليه، ولكنه كلّف أحد الأشخاص ويُدعى راسل أولنغتون، وهو كاتب ومدقّق معروف على صعيد الجامعة التي درس بها.
ووفقًا لأحد زملاء الهاملي والذي درس في نفس التخصص ومع نفس مشرف الدكتوراة، وهو من جنسية غير عربية ويدعى “م. .ر” فإنَّ الهاملي فشل في كتابة القسم الأول من الأطروحة؛ وذلك بسبب ضعف لغتة الإنجليزية، أضِفْ إلى ذلك أنه لم يكن يمتلك أي مقوِّمات علمية نوعية تُمكِّنه من إضافة شيء ملموس للتخصص.
بعد ذلك حصل الهاملي على شهادة الدكتوراة التي قام بشرائها، وعاد إلى الإمارات ليسوِّق نفسه على أنه خبير في القانون الدولي وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، وبالفعل حصل على تمويل من الحكومة الإماراتية، حيث أنشأ مشاريع دعائية تتستر خلف حقوق الإنسان. المشاريع تلك ليست إلا ستارًا يتحرك خلفه الهاملي، لتحقيق مآرب أبوظبي السياسية دون الأخذ بعين الاعتبار أي قِيم أو مبادئ للشعوب العربية المضطهدة.
تأسيس الفيدرالة العربية لحقوق الإنسان
رأت أجهزة الاستخبارات الإماراتية في “الهاملي” شخصًا مناسبًا للعمل ضمن منظومة “اللوبي الحقوقي”، الذي تديره الإمارات في “جنيف”، والذي تستخدمه أبوظبي في حربها ضد الدوحة وأنقرة، وفي الدفاع عن سجلها المروّع في مجال حقوق الإنسان، فضلًا عن أنشطة استخباراتية أخرى يقوم بها هذا اللوبي.
وفي عام 2015 أسَّس الهاملي مع مجموعة أخرى من الحقوقيين المدعومين من الإمارات شبكة مؤسسات حقوق إنسان وهمية، وهو يرأسها حاليًا، كما أعلن عن تدشين ما يعرف بـ”الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان”.
وسريعًا بدأت الفيدرالية في تسويق نفسها خارجيًا باعتبارها كيانًا ضاربًا في العمل الحقوقي العربي، غير أنَّ حقيقة دورها دائمًا كان يتوقف عند الإشادة بإنجازات نظام أبوظبي في المجال الحقوقي.
وخلال ثلاث سنوات من عمر الفيدرالية لم يصدر عنها بيان واحد يدعم أي قضية حقوقية شعبوية في المجتمع العربي، وتلخصت كل بياناتها في الرد على “مزاعم” المجتمع الدولي حول انتهاكات نظام الإمارات الحقوقية، وظلت هكذا حتى تغيرت الأمور في الخليج، وبدأ حصار قطر بقيادة الإمارات والسعودية، لتقود الفيدرالية حملة ممنهجة لتشويه قطر.
لم يكن هذا كل شيئًا، لكن الهاملي حصل على دعم كبير من اللوبى الصهيوني في واشنطن، ليؤسِّس بعدها مركز تريندز للبحوث والاستشارات والفيدرالية العربية لحقوق الإنسان.
الهاملي واللوبي الصهيوني
لم يقتصر دور “الهاملي” فقط على المشاركة في تأسيس “الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان”، لكن وبناءً على توجيه جهاز المخابرات الإماراتي وبالتنسيق مع أمن الدولة في أبوظبي تمّ التوافق على إنشاء مؤسسة بحثية تُسمَّى تريندز تعنى بمكافحة الإرهاب من منظور إماراتي، وكان لأحمد ثاني الهاملي الدور الرئيسي في إنشاء وإدارة هذه المؤسسة الأمنية.
وبسبب قِصَر عمر هذه المؤسسة والحاجة الماسة لتحقيق أي إنجاز على الأرض يُرضِي قيادة أبوظبي لم يجد الهاملي أي أفق إلا من خلال مؤسسات اللوبي الصهيوني في أوروبا وأمريكا وبريطانيا وغيرها.
كما قام الهاملي بضخّ ملايين الدولارات في مؤسسة “تريندز”، حصل عليها من الإمارات، حيث تم استئجار أكثر من 100 كاتب أوروبى وأمريكي على عجل لكي يقوموا بإصدار أبحاث ونشرات وكتب حول الإرهاب من منظور الإمارات، وهي الراعية أصلًا لموضوع الإرهاب الدولي. قام هؤلاء الكتاب والباحثون بعقد عدد من ورش العمل والمؤتمرات التي تتحدث عن الإرهاب، في الوقت الذي تقوم فيه حكومته بدعم الإرهاب في أكثر من مكان.
كما قامت مؤسسة الهاملي بدفع مبلغ كبير لمؤسسة “أورفيلا سينتر” في أمريكا وهي مركز أبحاث صهيوني أمريكي يعنى بقضايا الإرهاب، وذلك لعقد مؤتمر باسم مؤسسة الهاملي TRENDS، وذلك مطلع العام 2017، والمعروف أنَّ هذه المؤسسة هي مساندة لإسرائيل، وقامت بإصدار العديد من الأبحاث ضد المقاومة الفلسطينية، وثورات الربيع العربي واستضافة إسرائيليين مثل جيرشون شافير وسمادار لافي. وقامت المؤسسة أيضًا بمساعدة الهاملي للوصول لبعض أعضاء الكونجرس المعادين للسعودية.
وأيضًا عمل الهاملي مع مركز ستيمسون المعني بأبحاث الأمن ومكافحة الإرهاب ويديره خبراء إسرائيليون وأمريكيون، حيث قام المركز بنشر عدد من أوراق العمل للهاملي تعنى بمكافحة الإرهاب الإسلامي.
ويعد أحد الأعضاء الفاعلين في المؤسسة شخص صديق قوي لإسرائيل هو بريان فنالي، وأيضًا إيلين ليبسون، وباري بليشمان، ورسل رموباره، حيث إنَّ كل هؤلاء وغيرهم الكثيرين هم أهم الداعمين للهاملي ومؤسسة تريندز.
فضائح ورشاوى الهاملي
كانت الأمور تسير بالنسبة للهاملي على ما يرام، حتى فتحت الشرطة السويسرية تحقيقات موسَّعة بحق مسؤولي الفيدرالية العربية إثرَ تلقِّيها عدة شكاوى بتورُّطهم في قضايا فساد مالي وتقديم رشاوى، الأمر الذي أدَّى إلى شلل تام في عمل المنظمة.
ووجّهت الاتهامات لـ”الهاملي” بأنه وزع أموالًا غير معلنة، وانتهك القانون السويسري، واستخدم منصة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتمرير أجندة الإمارات والتغطية على جرائم الحرب في اليمن ودول أخرى.
وفي هذا السياق كشف المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط العام الماضي أنَّ الوكلاء الحقوقيين الذين تستخدمهم الإمارات في جنيف في عملياتها القذرة ضد قطر وتركيا، متورطون في جرائم مالية وتبييض أموال وانتهاكات للقانون السويسري.
ولفت المجهر إلى أنَّ هذا اللوبي الحقوقي يمثّل أداة أبوظبي في حربها ضد الدوحة وأنقرة، وفي الدفاع عن سِجلّها المروّع في مجال حقوق الإنسان، فضلًا عن أنشطة استخباراتية أخرى، وأوضح أنَّ أفراد هذا اللوبي مطلوبون لدى الشرطة السويسرية.
وأوضح أنَّ بعضهم قام برشوة منظمات غير حكومية لاستخدام غُرَف لجنة حقوق الإنسان لأغراض سياسية وليس لأغراض حقوقية، وبعضهم وزع أموالًا على نشطاء حقوقيين ومنظمات غير حكومية. كما أنَّ بعض ممثلي المنظمات غير الحكومية باع غرف المجلس مقابل أكثر من 50 ألف فرنك في الساعة الواحدة.
فساد في جنيف
وسبق أيضًا أن كشف تقرير خاص للهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة عن تقديم الإمارات من خلال الفيدرالية رشاوى لمنظمات غير حكومية، وتقويض عمل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.
وأظهر التقرير أنَّ الفدرالية العربية لحقوق الإنسان، وهي إحدى المنظمات المحلية الرئيسية في الإمارات، متورّطة في تقديم رشاوى لأفراد ومنظمات غير حكومية لشنّ حملة ممنهجة ضد دولة قطر.
وقدّر باحثو الهيئة أنَّ إجمالي ما دفعته الفدرالية العربية لحقوق الإنسان من رشاوى وصل لأكثر من 250 ألف دولار، كانت من نصيب أفرادٍ ونشطاء في مجال حقوق الإنسان ينشطون داخل مجلس حقوق الإنسان مقابل التحدث ضد قطر.
كما دفعت المنظمة أيضًا نحو 180 ألف دولار لطالبي اللجوء الأفارقة في جنيف للمشاركة في احتجاجات ضد قطر. وحسب التقرير فمِن مهام الفدرالية تقويض مصداقية أي منظمة تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات مثل هيومن رايتس ووتش أو منظمة العفو الدولية.
كما أقرّت المنظمة الإفريقية للثقافة بتلقِّيها رشاوى مالية من الفيدرالية العربية لاستخدام اسمها من أجل تنفيذ أنشطة وتبنّي مواقف موالية للإمارات.
خلافات بعد الفضائح
وبحسب مصادر حقوقية فإنَّ الخلافات المالية والفضائح التي لاحقت الفيدرالية تسبَّبت في نشوب نزاعات كبيرة بين مسؤوليها والقائمين عليها، خصوصًا بين أحمد ثاني الهاملي رئيس الفيدرالية العربية ونائبه حافظ أبو سعدة، إضافة إلى المنسِّق العام للفيدرالية سرحان الطاهر سعدي.
وبحسب المصادر فإنَّ عمل منظمة الفيدرالية متوقف كليًا منذ اندلاع تلك الخلافات وانكشاف تلك الفضائح، وسط محاولات من القائمين عليها لتغطية ما يواجهونه من قضايا فساد وملاحقات قضائية.
غير أنَّ الهاملي كعادته نفى وقوع أي خلافات، وادعى أن قراره سببه هو “التزاماته المتعددة ورغبته في أن يكمل آخرون ما بدأه في الفيدرالية”.
وقال إنَّه “مشغول بشكل متواصل في قضايا مختلفة، وآن الأوان لأن نتيح الفرصة لوجوه جديدة متفرغة أكثر للعمل الحقوقي، وذلك تعزيزًا لمسيرة الفيدرالية”.
وبعيدًا عما صرَّح به الهاملي، فإنَّ مراقبين أكدوا أنَّ الأجهزة الاستخباراتية الإماراتية أقدمت على إقالة “الهاملي” لتحافظ على ما تبقى من الفيدرالية، وذلك بعد أن فشلت في محاولات التغطية على فضائحها.
اضف تعليقا