كتب- باسم الشجاعي:
منذ الإطاحة بالرئيس “الأسبق” “محمد مرسي”، في صيف 2013، بدأ التوظيف السياسي للفتاوى في مصر؛ حيث تحوَّل الأمر إلى “هوس” لدى من يُطلق عليهم على مدار التاريخ “شيوخ السلطان”.
ومؤخرًا أضاف مفتي مصر “السابق” الدكتور “علي جمعة”، فتوى جديدة إلى قائمة فتاويه المثيرة للجدل، والمؤيدة للانقلاب العسكري والداعمة لقائده “عبد الفتاح السيسي”.
وشبّه “جمعة” ما أطلق عليها “ثورة 30 يونيو”– التي مهَّدت للانقلاب على الرئيس “مرسي”- بأنها “من أيام الله”.
وقال، خلال حواره ببرنامج “والله أعلم” المذاع على قناة “سي بي سي” الفضائية، “السبت” الماضي: إنَّ “ثورة 30 يونيو مثل فتح مكة ومثل يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون الله أزاح خلالها الغمة عن تلك الأمة، وأزال دولة الفاسقين الفاسدين المجرمين”.
وأضاف “جمعة” أن “يوم الله هو اليوم الذي انتصر فيه المؤمنون على الكافرين والفاسقين والمفسدين والمجرمين، وكل ذلك تجمع في فئة من البشر أعماهم الحقد ووهم الاستيلاء على الحكم، لكن الله خذلهم عبر 90 عامًا، ولم يوفقهم أبدًا؛ حيث كانوا دائمًا في صراع مع المؤمنين والمسلمين والأوطان”.
وأضاف: “30 يونيو يوم من أيام الله، ويوم الله يعني أنه نصر فيه عبده وأعز فيه جنده، وهزم فيه الأحزاب وحده”.
فتاوى 30 يونيو لـ”علي جمعة”، ليست أول ولا آخر المطاف، في عملية توظيف سياسي للدين في مصر، وخاصة لدعم انقلاب “السيسي”.
موقع “العدسة” يرصد في التقرير التالي، أبرز تلك الفتاوى خلال السنوات الخمس الماضية:
البداية كانت مبكرة وقوية حتى قبل تولي “السيسي” الحكم؛ ففي أكتوبر 2013، حرّض المفتي السابق، “علي جمعة”، علنًا، على قتل المعتصمين في ميدانَي رابعة والنهضة، المؤيدين للرئيس “السابق” “محمد مرسي”، قائلاً: “طوبى لمن قتلهم وقتلوه”.
وفي فبراير 2014، شبّه الدكتور “سعد الدين الهلالي“، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، السيسي وزير الدفاع وقتها ووزير الداخلية “محمد إبراهيم” بالنبي موسى وأخيه هارون، معتبرًا أنهما من رسل الله.
وقال “الهلالي”، خلال حفل تكريم أسر ضحايا الشرطة المصرية: “ما كان لأحد أن يتخيل أن سنة الله تتكرر ويأتي مَن يقول لا إسلام إلا ما نمليه عليكم، ولا دين إلا ما نعرفه لكم (قاصدًا جماعة الإخوان المسلمين)، ويقيّض الله للمصريين مَن يقف في مواجهتهم لكي يحقق أن يكون الدين لله كما أمر الله فابتعث الله أيضًا رجلين، كما ابتعث وأرسل من قبل رجلين موسى وهارون أرسل رجلين وابتعث رجلين ما كان لأحد من المصريين أن يتخيّل أن هؤلاء من رسل الله عز وجل، وما يعلم جنود ربك إلا هو… خرج السيسي ومحمد إبراهيم”.
ومازلنا مع “جمعة“، ففي أغسطس 2015، قال خلال برنامجه “والله أعلم”، على قناة “سي. بي. سي” الفضائية: إنّ “الأمير الآن يمثّله الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويجب طاعته وعدم عصيانه”، مسترشدًا بأحاديث نبوية.
وتعددت تصريحات المشايخ المشيدة بـ”السيسي” والمهاجمة لمعارضيه؛ حيث أجاز أستاذ الشريعة بالأزهر الدكتور “عطية عبد الموجود”، فبراير 2015، للرئيس أن يفقأ عيون المصريين إن كان ينفِّذ في ذلك شرع الله.
وقال “عبدالموجود”، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية “ريهام السهلي” ببرنامج نص الأسبوع على قناة “التحرير” الفضائية: إن “حديث فقء الأعين وتقطيع الأرجل والأيدي، موجود في كتاب الإمام البخاري”، مؤكدًا أن “ذلك أجيز في حق من فعلوا الأمر المُنكر نفسه ضد خيرة قراء المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم”.
وإلى جانب ذلك، أفتى أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور “أحمد كريمة”، بتجريم ترديد شعار “يسقط حكم العسكر”.
وتخطى الأمر كل ما سبق؛ حتى أصبح الطلاق على حسب الهوية؛ حيث أفتى إمام وخطيب مسجد عمر مكرم المشهور والواقع في ميدان التحرير، أيقونة الثورة المصرية في يناير 2012، “مظهر شاهين”، قائلًا: “كل زوج يجد زوجته تابعة للإخوان عليه أن يطلقها”. وذلك على غير دليل من الكتاب والسنة.
وأضاف، أنّه “من غير المعقول أن تكتشف أن زوجتك التي تنام جوارك هي خلية نائمة تابعة للجماعة الإرهابية وأنت لا تعلم”، متابعًا: “لا مانع أن يضحّي الرجل بزوجته إذا كان هذا في مصلحة الوطن؛ فالتضحية بالأشخاص واجب في سبيل الوطن”.
وفي اليوم التالي لهذه الفتوى، خرجت عضو لجنة السياسات في الحزب “الوطني” (المنحل)، عميدة كلية الدراسات الإسلامية بنات في جامعة الأزهر “سابقًا”، الدكتورة “سعاد صالح“، بفتوى تبيح “فسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ومصلحة العائلة والوطن”.
ومن التحريض على قتل المعارضين وتكريس القطيعة المجتمعية، يأتي الداعية السلفي “محمد سعيد رسلان”، ليفتي بحرمانية الترشح أمام “عبدالفتاح السيسي”، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في النصف الأول من العام الجاري (2018)، لافتًا إلى أنه هو “ولي الأمر”.
وقال “رسلان“: “لا تبلغ أي دولة من الدول التي وقعت فيها الفوضى، عشر معشار المكانة التي تحوذها مصر عند أولئك الساعين لانتخابها، وإن هذا التوقيت مقصود منه أن الأمة المصرية تنشغل على حسب ما قرّر دستورها في معركة غير معترك، هي معركة الرئاسة لأن الدستور ينص على بدء الإجراءات الانتخابية قبل انتهاء مدة الرئيس، وهذه المدة ستكون على وجه التحديد، ستكون على أقل تقريب في الأسبوع الأخير من يناير 2018”.
الأزهر متورِّط
من المؤكد أن تلك الفتاوى لها انعكاساتها على الواقع السياسي في مصر؛ حيث ستُزيد حالة الاستقطاب بل تدفع عمليًا إلى استغلال الدين بشكل سيئ في الصراع على السلطة، حسبما يرى خبراء.
كما أنَّ ذلك اللون من الفتاوى السياسية أشد ما يكون غرابة حينما يتصدر المشهد مشايخ السمع والطاعة لولي الأمر؛ إذ إنهم بدل أن يكونوا صوتًا عاقلًا يساهم في إنهاء النزاعات والخلافات بين الدول، تراهم بانحيازهم إلى ولي أمرهم، يكرِّسون واقع الفرقة والشقاق والنزاع.
ولكن المتابع لمسار الأزهر- أعلى سلطة إسلامية في مصر- يرى أنه ليس هناك غضاضة من تمرير الفتاوى السابقة، ولِمَ لا؟ فشيخه الدكتور “أحمد الطيب”، عضو سابق في لجنة السياسات بالحزب الوطني (المنحل)، كما كان من الرافضين لثورة 25 يناير، وأما في 30 يوينو فلم يَتَبَنَّ نفس الموقف، حيث شارك في اجتماع إعلان الانقلاب في الثالث من يوليو 2013، على الرئيس “محمد مرسي“.
تنظيم الفوضى
وبعد حالة فوضى الفتوى التي شهدتها مصر، والضغوط الإعلامية التي مارستها على المؤسسة الدينية، أعدت مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء المصرية قائمة بحوالي خمسين من المشايخ الذين يحق لهم الفتوى على القنوات الفضائية، نهاية العام المنصرم.
وكان الهدف المعلن من هذه الخطوة تقنين إصدار الفتاوى على الفضائيات المصرية، ووضع حد لـ “فوضى الإفتاء عبر شيوخ الفضائيات”.
واقتصرت قائمة الخمسين على عدد من شيوخ الأزهر وعلمائه، ولم تشمل أيًّا من الشيوخ الآخرين، وخاصة الذين لا يرتبطون بعلاقة جيدة مع النظام الحالي.
كما لم تضم القائمة بعض المشايخ الذين ظلوا قريبين من الأنظمة المتعاقبة على الحكم كرئيس جامعة الأزهر “الأسبق”، “أحمد عمر هاشم”، كما خلت من سلفيين لا تزال علاقاتهم جيدة بالنظام كالشيخ ” ياسر برهامي”.
الأمر الذي رأه خبراء أنه يستهدف الهيمنة على الفتوى، ليظل الحدّ بين الحلال والحرام هو ما يراه الحكم العسكري، لتنطق به ألسنة هؤلاء المشايخ ومن يعترض سيحال للتقاعد كمُفْتٍ سابق، وفق ما أكد الشيخ “سلامة عبد القوي”، مستشار وزير الأوقاف “السابق” في تصريحات سابقة.
كما وصف مراقبون تلك الخطوة بأنها بمثابة احتكار من الدولة للخطاب الديني، في إطار سعيها لاستغلال المؤسسات الدينية، وتوجيه خطابها لأجندات سياسية تدعم استقرار سلطتها.
ما الفتوى؟
بحسب بحث فقهي نُشر في مجلة البحوث اﻹسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية واﻹفتاء بالمملكة العربية السعودية فإن الأصل اللغوي لكلمة فتوى يأتي من “الفتى”، وهو الشاب القوي الحدث.
أما من ناحية الفقه اﻹسلامي، فمفهوم الفتوى بحسب ما اجتمعت عليه معظم التعريفات هو “الإخبار عن حكم الشرع لا على وجه الإلزام”.
التعريف ذاته تعتمده دار اﻹفتاء على موقعها.
اضف تعليقا