العدسة – معتز أشرف:
مرَّت القمة الإفريقية العادية الـ 31 من سماء العاصمة الموريتانية نواكشوط، عقب مشاركة 24 رئيس دولة، وعدد من رؤساء الحكومات ونواب الرؤساء، لكنها تركت خلفها أزمات وتعقيدات.
“العدسة” رصدت أجواء ما بعد القمة الفاشلة بحسب المراقبين وأزماتها.
غياب القضية الفلسطينية!
غابت القضية الفلسطينية عن اجتماع القمة الإفريقية، خاصة أنها أول قمة تأتي بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاتجاه المحموم لتمرير صفقة القرن، بالتزامن مع غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أوفد وزير الشؤون الخارجية والمغتربين رياض المالكي ممثلًا عنه لحضور القمة الإفريقية الـ31 !!
كلمة فلسطين في القمة الإفريقية والتي ألقاها المالكي، دعت الدول الإفريقية إلى مراجعة علاقاتها مع إسرائيل، مؤكدة ضرورة تعزيز حالة الدعم للشعب الفلسطيني وقيادته من أجل استكمال مسيرة الحرية والاستقلال الوطني، وضمان قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الشرعية الدولية.
المالكي أكد أن القضية الفلسطينية هي أساس في تحقيق حالة الأمن والسلام في المنطقة والعالم، مع تأكيده لرفض القيادة الفلسطينية لأي مخططات تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني في ظل المحاولات المشبوهة لتحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية واختزالها بمشاريع اقتصادية وإنسانية في إشارة إلى صفقة القرن.
ويبدو أنَّ دعوة المالكي التي لم تحظَ بأي تفاعل يذكر في منتديات القمة المنعقدة تحت عنوان: “الانتصار في مكافحة الفساد: مسار مستدام لتحويل إفريقيا”، كانت موجهة بالأساس إلى محور “إسرائيل“– القارة السمراء، الذين سعوا في أواخر أكتوبر الماضي إلى عقد القمة الإفريقية الإسرائيلية، وحالت ضغوطات فلسطينية وعربية دون عقدها، لكن ظهرت تعهدات بضرورة القيام بأعمال تحضيرية تفصيلية لضمان نجاح هذا الحدث مع استمرار المشاورات بين إسرائيل والدول الإفريقية من أجل ضمان النجاح الكامل للقمة، وهو ما يعزِّز مخاوف من انعقادها قريبًا.
المالكي دعا بوضوح كبير في هذا الإطار ووسط هذه المخاوف القادة الإفارقة إلى مراجعة علاقات دولهم مع دولة الاحتلال، تماشيًا مع مبادئ ومواثيق الاتحاد الإفريقي والتي تنبذ وتدين النظم الاستعمارية والعنصرية والتي اعتبرت إسرائيل النموذج الصارخ لها في القرن الواحد والعشرين، ولكن يبدو أن “إسرائيل” ردت الصاع صاعين عقابًا على تأجيل قمتها الإفريقية بالدفع في اتجاه عنوان للمؤتمر لا علاقة له بالقضية الأم التي كانت محور نضال الاتحاد الإفريقي في أوقات سابقة، فضلًا عن النتائج التي لا علاقة لها بما يحدث في الأراضي المحتلة أو غزة.
تعقيد الملف المغاربي
ولم تترك القمة الإفريقية فرصة لتخفيف الاحتقان المغربي، بسبب “جمهورية الصحراء”، حيث زاد ما وصفه مراقبون بالتوتر الصامت بين البلدين، بعد الحفاوة التي حظي بها زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، واستقباله في المطار من قبل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وكذلك الاستقبال الشعبي الذي خصص له وهو في طريقه إلى مقر إقامته بالتزامن مع تخفيض المغرب لمستوى تمثيلها.
وزير الخارجية الصحراوي محمد سالم ولد السالك، شكّل بمفرده منصة قصف من موريتانا ضد المغرب، وهو ما سبب أزمة إضافية، وشدد على أن “حلَّ القضية الصحراوية بيد الاتحاد الإفريقي”، في ردّ حاسم على نظيره المغربي ناصر بوريطة، الذي أكّد أن “المسار الوحيد لحل قضية الصحراء هو المسار الأممي”، نافيًا وجود مسار إفريقي خاص، ومشددًا على أن ”الحلَّ في نيويورك، وليس في أديس بابا”.
وأضاف بوريطة في مؤتمر صحفي، على هامش قمة الاتحاد الإفريقي بنواكشوط، أن “تطورات مهمة حصلت في ملف الصحراء الغربية، وهي أن المغرب نجح في تقليص معالجة مجلس السلم والأمن الإفريقي للنزاع على الصحراء من تقرير من أربع صفحات صدر منذ عشر سنوات يتحدث عن مواضيع حقوق الإنسان، وتسوية النزاع والمفاوضات إلى مجرد 3 فقرات، وهو ما يؤكد أن مرجعية الملف هي مجلس الأمن الدولي وقراره الأخير”، لكن مصدرًا رفيعًا بالوفد الصحراوي، قال: “إن تصريحات الوزير المغربي الإعلامية، مجرد محاولة يائسة لتحويل هزيمة دبلوماسية في الاتحاد الإفريقي، إلى نصر وهمي”.
هذا الترحيب الموريتاني بجمهورية الصحراء ومناكفة المغرب ليس ببعيد- وفق مراقبين- عن دولة الاحتلال الصهيوني التي دخلت مع المغرب في مبارزات بعد نشر وزير الاتصالات الصهيوني أيوب قرا صورة الشهر الماضي مع زعيم الدولة الإفريقية المغربية المثيرة للجدل، مما دفع المغرب إلى تقديم شكوى رسمية نادرة إلى إسرائيل.
وبحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل ” فإنّ المغرب قال: إنها لا يمكن أن يتسامح مع هذا الدعم الذي تقدمه إسرائيل لخصمه المجاور”. وردًّا على الاحتجاجات من المغرب، قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن الاجتماعات لم يتم تنسيقها أو الموافقة عليها من قبل مكتب رئيس الوزراء.
العرب وفرنسا!
شكل حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ظل حضور عربي باهت للقمة، علامات تعجب واستفهام كثيرة، ما يكشف بوصلة إفريقية جديدة تستغل غياب العرب في استقدام المستعمر التاريخي للقارة السمراء.
مجلة “جون أفريك” الفرنسية، سلطت الضوء على أبرز الغائبين عن القمة، وجاء في مقدمتهم رئيس النظام المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي، خاصة أنه سيكون رئيس الاتحاد الإفريقي في دورته المقبلة لعام 2019، إضافة إلى غياب ملك المغرب محمد السادس، والجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والتونسي الباجي قايد السبسي، فيما مثّل دولة ليبيا رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، كما غاب عدد كبير من رؤساء الدول الإفريقية منهم رؤساء أنجولا وجنوب إفريقيا والسودان والكاميرون وغينيا وغيرهم.
المصالح وحدها حكمت حضور ماكرون، بينما مصالح العرب الكثيرة في إفريقيا لم تحرِّض بارزين منهم علي الحضور؛ حيث أوضحت المجلة أن الرئيس الفرنسي ماكرون وصل العاصمة نواكشوط لحضور قمة الاتحاد الإفريقي بخطة تهدف لإقناع بعض الدول الإفريقية بقبول فكرة فتح مراكز للإيواء على أراضيها وفرز المهاجرين الذين يعبرون منطقة الصحراء!!.
النتائج الرسمية
في ظل أزمات القارة السوداء الكثيرة احتفى الرئيس الدوري للاتحاد الرئيس الرواندي بول كاغامى بأنّ قمة نواكشوط تميزت بتوقيع خمس دول جديدة على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة القارية، مما يرفع عدد البلدان الموقعة على الاتفاقية إلى 49 بلدًا في انتظار توقيع بقية الدول الأعضاء، واعتبر القرار بأنه “يشكل خطوة عظيمة للوصول إلى إفريقيا التي نريدها”.
وأضاف أن القمة مكّنت من نقاش قضايا ذات أهمية لمستقبل الاتحاد الذي يشهد تقدمًا كبيرًا على مستوى الإصلاح المؤسسي وتطبيق القواعد الذهبية بخصوص تمويله؛ حيث تمكنت القمة من خفض موازنة 2019، كما ناقشت الفساد في إفريقيا الموضوع الرئيسي لها، بالإضافة للأمن والسلم وإصلاح الاتحاد.
ومن أبرز النتائج التي احتفت بها القمة الإفريقية، الموافقة على مقترح قدَّمه رئيس المفوضية الإفريقية موسى محمد فكي بشأن حل النزاع في الصحراء، يقضي بتشكيل لجنة رئاسية لتقديم حل للأزمة يعرض أمام القمة المقبلة للاتحاد الإفريقي، من ثلاثة رؤساء أفارقة، هم الرئيس السابق للاتحاد الإفريقي، والرئيس الحالي والرئيس المقبل، ولكن استبقت المغرب الجميع ورفضت أي حل إفريقي، مما عقّد المشهد ونسف المقترح.
اضف تعليقا