كتب- باسم الشجاعي:
قضية “تسييس المناسك” لا تزال واحدة من أبرز القضايا المثيرة للجدل في الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثاني؛ والتي تعمل السعودية على استدعائها بين الحين والآخر؛ بهدف اتهام قطر بالوقوف وراءها.
فمؤخرًا أجرت صحيفة “عكاظ” (السعودية)، حديثًا مع رئيس مجلس علماء باكستان، الدكتور “محمد حافظ طاهر الأشرفي”، والذي بدوره اتهم النظام القطري بتسييس الحج.
“الأشرفي”، تابع قائلًا: “الكل يعلم أن السعودية لم تمنع الإيرانيين من الحج، في دلالة قوية على أنها لا تسعى لتسييس الفريضة، ولا تخلط الحسابات السياسية بالحج، فكيف تمنع القطريين؟!”.
وعلى مدار نحو مائة عام ماضية، عمدت الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية إلى تحديد من يدخل مكة المكرمة ومن يخرج منها.
كما أنها وضعت حصصًا معينة لتحديد عدد الحجاج الوافدين من كل دولة، واستخدمت القوة الناعمة للحرمين الشريفين في اكتساب مكانة عالمية باعتبار فريضة الحج جزءًا من السياسة السعودية.
فهل حقًا قطر هي من تمنع حجاجها من أداء الحج أم أن السعودية هي التي تقف وراء الأمر وتحاول استثمار تلك الورقة لصالحها من أجل فرض مزيد من الحصار الخانق على الدوحة؟.
أمثلة للممنوعين
المتتبع لمشهد “الحج” خلال السنوات الماضية، وخاصة منذ اندلاع الأزمة الخليجية، يدرك تمامًا أن السعودية هي من تُسَيِّس الحج وليست قطر كما يدعي رئيس مجلس علماء باكستان.
فالسعودية هي من تتحكم في أعداد الحجيج وأماكن سكناهم وغير ذلك، كما أنها تمنع في بعض الأحيان ممارسة شعائر الحج والعمرة بناءً على خلافات سياسية وفكرية ومذهبية لا توافق عليها.
فعلى سبيل المثال، منعت السلطات السعودية، “محمد غلام الحاج”، نائب رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية، من أداء مناسك العمرة، في يونيو الماضي، وذلك بحسب ما كتب وقتها على صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك.
“الحاج” ليس الضحية الأولى ولا الأخيرة على مستوى الأفراد؛ حيث سبق وأن كشفت الفنانة التونسية “لطيفة” أنها مُنِعت من أداء مناسك العمرة، وقالت: إنها أُجبرت على مغادرة السعودية بعد وصولها إلى المطار، وإنها محرومة من زيارة البلاد لأداء العمرة.
وفي عام 2016، ضيّقت السعودية على الحجاج الإيرانيين، بعد حادث التدافع بمنى عام 2015، بحجة الحفاظ على أمن الحجيج، وهو العام الذي لم يحج فيه الإيرانيون بعد تعنُّت من قبل السعودية وإيران في آن واحد.
ورغم الضغوط التي مورست على السلطات السعودية للسماح للقطريين والمقيمين فيها لأداء مناسك الحج عام 2017 إلا أن السلطات السعودية رفضت رفضا باتا حيث أعلنت شروطا تعجيزية للسفر كما رفضت دخول بعثة رسمية قطرية أسوة بباقي الدول.
ليس هذا وحسب، بل وثقت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين قيام السعودية بحرمان بعض الدول من الحج العام الماضي.
ففي شهر يناير الماضي، كان هناك جلسة مفاوضات بين الجزائر والسعودية بهدف زيادة حصة الجزائر في الحج الموسم القادم؛ إلا أن الرياض رفضت زيادة تلك الحصص بسبب قدرة الاستقبال.
ولكن موقع “الهيئة” علي الإنترنت، كشف عن السبب الحقيقي وراء ذلك؛ حيث نقل عن مصدر مقرب من الوفد الجزائري المفاوض (لم يسمه)، قوله: إنه “تم تهديد الوفد بشكل غير مباشر بحرمان الجزائر من الحج هذا العام أو عدم زيادة حصتهم من الحج، في حين اتخذت للمملكة موقفًا سياسيًا مخالفًا لها” (في إشارة إلى الأزمة القطرية).
أضف إلى ذلك استغلال المناسك الإسلامية لتحقيق مكاسب مالية؛ حيث أدانت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين ارتفاع تكلفة الحج واستغلال السعودية أموال الحج لتمويل حروبها ضد بلدان إسلامية.
ووصفت “الهيئة”- في بيان لها مطلع الشهر الجاري- هذه الإجراءات السعودية بالجائرة وتؤدي إلى عزوف الآلاف من المسلمين حول العالم عن تأدية الفريضة الإسلامية الخامسة.
العراقيل مستمرة
وعلى الرغم من أن السعودية تعلن من حين لآخر أنها لم تمنع أحدًا عن أداء مناسك الحج أو العمرة، إلا أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر، تؤكد استمرار العراقيل والإجراءات التعسفية التي وُضِعت من قِبل الرياض تجاه المواطنين والمقيمين في الدوحة وتمنعهم من ممارسة الشعائر الإسلامية.
وكان آخره، بيان وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، منتصف رمضان الماضي، الذي قالت فيه: إن “باب العمرة والحج عن طريق البر ما زال مغلقًا تمامًا، والتوجه من مدينة الدوحة إلى مدينة جدةّ مباشرة أيضًا غير متاح، مما يحمّل المعتمرين والحجاج من كبار السن وأصحاب الأمراض مشقّة مضاعفة”.
وجاء بيان وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، ردًا- كما يبدو- على اتهام وزارة الحج والعمرة السعودية السلطات القطرية، “بالتعنت تجاه عدم تمكين المواطنين والمقيمين في قطر من أداء مناسك الحج والعمرة”.
وقالت الوزارة، في بيان سابق نشرته وكالة الأنباء السعودية الشهر الماضي، إنها “ترحب بقدوم الأشقاء القطريين لأداء مناسك العمرة بعد استكمال تسجيل بياناتهم النظامية حال وصولهم إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، وأن يكون قدومهم جوًا عبر ذات المطار، وعن طريق شركات الطيران عدا الخطوط الجوية القطرية، وذلك خلال شهر رمضان المبارك من هذا العام.
فيما دعت المقيمين في قطر الراغبين في أداء العمرة إلى تسجيل بياناتهم في موقع الوزارة الإلكتروني، واستكمال إجراءات التعاقد إلكترونيًا مع شركات العمرة السعودية المصرَّح لها بتقديم الخدمات للمعتمرين، وأن يكون قدومهم جوًا وعن طريق شركات الطيران عدا الخطوط القطرية أيضًا، ولكن في حالة دخولك للتسجيل، تجد أن دولة قطر مازالت مرفوعة من على الموقع.
ماذا وراء اتهام قطر بـ”تسييس المناسك”؟
تسعى السعودية لإلحاق تهمة “تسييس المناسك” بقطر؛ لثلاث نقاط محددة، وفق ما يرى خبراء:
- تريد أن تزيد من شيطنة “قطر” في أعين الذين يتعاطفون مع “الحرمين الشريفين”، ويرفضون إقحامه في المعارك السياسية.
- رغبة السعودية في شن حملة هجوم جديدة على قطر، في تلك الفترة، لشغل أنظار العالم عن الانتقادات الدولية التي تتعرض لها مؤخرًا، وفشلها في تحقيق أهداف الحصار على مدار أكثر من عام.
- تسعى السعودية من خلال إعادة طرح قضية “تسييس المناسك” لفرض مزيد من الخناق والحصار على قطر، بسبب النجاحات الأخيرة التي حققتها الدوحة في إثبات براءتها من التهم المتعلقة بدعم الإرهاب.
خسائر بالجملة
وعلى ما يبدو فإن السعودية لم تسطع تحقيق أي من المكاسب السياسية ضد قطر وراء قضية “تسييس المناسك”، بل وصل الأمر لتحملها خسائر مالية أيضًا.
فالسعودية هي الخاسر الأكبر من هذه القضية؛ حيث تقدر خسائر حملات الحج والعمرة بنحو 300 مليون ريال (82 مليون دولار) لموسمي الحج والعمرة منذ بداية الحصار.
كما تضررت جميع المكاتب العاملة المختصة بتسهيل إجراءات التأشيرات وتوفير حجوزات الطيران والفنادق للحجاج بشكل كبير، وبلغت الخسائر 30.5 مليون ريال (8.4 ملايين دولار).
اضف تعليقا