العدسة – إبراهيم سمعان

سلط الكاتب جيمس دورسي، الزميل في كلية الدراسات الدولية بجامعة سانت راجارتنام في سنغافورة، الضوء على ما وصفه بالجهود السعودية الإماراتية لنزع السيطرة والنفوذ الديني من الأردن على الأماكن الإسلامية في القدس الشريف، الأمر الذي يعمل زيادة الاختلافات بين مكونات العالم الإسلامي.

وإلى نص المقال

إنَّ الجهود الإماراتية المدعومة من المملكة العربية السعودية، لانتزاع السيطرة الأردنية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، يشير بوضوح للدبلوماسية الدينية السعودية، وسعي المملكة الإقليمي، الأمر الذي ينذر بتعميق الانقسامات في العالم الإسلامي.

وتعمل هذه الجهود أيضًا على دعم خطة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي أدَّت إلى حدوث انقسام بالعالم الإسلامي حتى قبل إعلانها بشكل رسمي؛ حيث غطى عليها اعتراف ترامب بالقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل.

على أقل تقدير، تأمل المملكة العربية السعودية، تعرض الأردن لمخاطر زعزعة الاستقرار- وهو البلد الذي يأوي عشرة ملايين فلسطيني تقريبًا- لإسقاط مقاومتها لمبادرة ترامب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

فتركيز كل من المملكة العربية السعودية والإمارات على “القدس”، له تأثيرات إقليمية ذات نطاق أوسع، في ظل معركتهم ضد استحواذ تركيا على قضية القدس. وحاولت كل من الرياض وأبوظبي التقليل من أهمية القمتين الإسلاميتين اللتين عُقِدتا في إسطنبول، في خطوة من تركيا لمواجهة تحركات ترامب المتعلقة بالقدس.

كما تختلف تركيا أيضًا مع الدولتين الخليجيتين حول المقاطعة الخليجية الاقتصادية والدبلوماسية لقطر وسياستهما تجاه إيران.

وتشكّل القوة والجهود التي تحركها دوافع جيوسياسية، تحولًا ملحوظًا في الدبلوماسية الدينية السعودية التي انخرطت على مدى العقود الأربعة الماضية في حملة دبلوماسية عامة بقيمة100 مليار دولار للترويج للإسلام السني المتشدِّد، فيما سعت المملكة في الآونة الأخيرة إلى إظهار نفسها كمنارة للتسامح، والتحاور بين الأديان، ونمط غير محدد من الإسلام المعتدل.

ولم تعلن السعودية رسميًا عن سعيها لانتزاع السيطرة من الأردن، على الحرم الشريف بالقدس- ثالث أقدس بقعة للمسلمين بعد مكة والمدينة- لكن الأدلة تتراكم على خلفية علاقات أوثق بين إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين.

وعلى سبيل الاستعراض السعودي لعضلات المملكة المالية، أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال القمة العربية التي عُقِدت في الظهران بالتبرع بمبلغ 150 مليون دولار لدعم الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.

ووفقًا للشيخ “كمال الخطيب”، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، فإنّه في صدد منافستها مع تركيا، تسعى الإمارات لشراء العقارات المجاورة للحرم الشريف، مشيرًا إلى التعاون الواضح بين الإمارات وشريكها الفلسطيني محمد دحلان، رئيس الأمن الفلسطيني السابق، والذي يستقر حاليًا في أبوظبي، ولديه طموحات رئاسية.

وقد اشتبكت كل من الأردن والسعودية في ديسمبر الماضي خلال اجتماع للاتحاد العربي، عندما حاولت المملكة تحدّي وصاية الأردن على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.

وتعهدت السعودية والإمارات والكويت بالتبرع بمبلغ 2.5 مليار دولار إلى الأردن بعد أن هزت الاحتجاجات الشعبية المناهضة لإجراءات تقشفية كانت تعتزم الحكومة فرضها، وذلك في محاولة لكسب النفوذ ومنع الأردن من الاستعانة بتركيا للحصول على مساعدات.

ونقلت المونيتور الأمريكية عن رائد دانا، مدير سابق بالوعظ والتوجيه في مديرية القدس الشريف، قوله: إن السعودية دعت شخصيات فلسطينية سرًا، في محاولة منها للحصول على الدعم لكي تستولي الرياض على المناطق المقدسة وفرض نفوذها عليها.

ويعتقد أن مسؤولين سعوديين مارسوا ضغوطًا كبيرة على رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس أبو مازن للسماح بعلماء سعوديين لزيارة فلسطين، وفى زيارة نادرة، قام أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، السعودي، إياد مدني بزيارة إلى القدس في يناير.

وقد استخدمت السعودية والإمارات دولة البحرين الضعيفة ماليًا، كوجهة لبعض من الانفتاح تجاه إسرائيل، حيث منحت البحرين الأسبوع الماضي وفدًا إسرائيليًا الإذن بالدخول للمشاركة في اجتماع لليونسكو، لتكون في طليعة الدبلوماسية الدينية للدول الخليجية ونشر الحوار بين الأديان.

الوجود الرسمي الوحيد لإسرائيل في الخليج هو مكتب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي، وينظر لهذا المكتب على نطاق واسع أنه سفارة الدولة اليهودية في منطقة الخليج.

وقد استضافت البحرين في مايو الماضي في سفارتها في واشنطن الحاخام الأمريكي البارز مارك شناير، والقس جوني مور، وهو زعيم مسيحي إنجيلي وأحد المقربين من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد ترأس مور وفدًا بحرينيًا وقادة أعمال خلال زيارتهم لإسرائيل ديسمبر الماضي بعد أيام من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.

الفلسطينيون يرون أن الجهود السعودية الإماراتية تهدف للحصول على موطئ ديني في القدس بدوافع جيوسياسية، ربما لن تمضي للأمام، فقد منع مقدسيون الوفد البحريني من دخول الحرم الشريف.