العدسة – جلال إدريس
يبدو أنَّ الدرس القاسي الذي تلقته حكومة “أبو ظبي” في الصومال، لم يكن كافيًا بإقناع “الإمارات” أن تكفَّ أذاها عن الصوماليين؛ إذ كشفت تقارير دولية مؤخرًا، أن محمد بن زايد يصرّ على استكمال العبث في الدولة الإفريقية عن طريق دعم قبائل متمردة، وتكوين ميليشيات مسلحة، لتتمكن الإمارات من بسط نفوذها داخل الصومال.
ورغم أنَّ إمارات الديكتاتور محمد بن زايد سقطت في الصومال سقوطًا مهينًا- بحسب مراقبين- حيث اضطرت للخروج من الصومال من “الباب الخلفي”، بعدما تعرَّضت لما يشبه الطرد من قبل الحكومة المركزية الصومالية؛ حيث أعلنت “إنهاء مهمة قواتها التدريبية لبناء الجيش الصومالي، على خلفية حادثة احتجاز السلطات الأمنية الصومالية طائرة مدنية خاصة مسجَّلة في الإمارات بمطار مقديشو، والاستيلاء على المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي ودفع رواتب المتدربين الصوماليين”، إلا أنَّ الإمارات قررت العودة مرة أخرى عن طريق تمويل ودعم ميلشيات مسلحة سرًا.
وفد مخابراتي في الصومال
وبحسب مصادر صومالية فإنَّ هناك معلومات تؤكّد قيام وفد مخابراتي إماراتي بالسفر للصومال قبل أسبوع والالتقاء مع بعض شيوخ القبائل حاملًا معه الهدايا الثمينة تحت غطاء إنساني.
قوات أمن إمارتية
المصادر أكدت أنَّ “الوفد” وعد شيوخ القبائل بتشكيل قوة حماية لزعماء القبائل بتمويل ودعم من الإمارات، مؤكدة أنّ هذه الزيارة تكشف سعي أبوظبي لاستنساخ تجربتها في اليمن، من خلال تأسيس ميليشيات قبلية تابعة لها، وإقامة علاقات وشراكات مع زعماء القبائل لضمان ولائهم لها.
دعم شباب المجاهدين
ووفقًا لما نقلته صحيفة “الشرق القطرية” فقد أكّد المحلل السياسي “فارح مري” أنَّ الإمارات لم تلتزم بقرارات المجتمع الدولي باحترام سيادة الصومال ووحدته، كما أنّها لم تتوقف عن شراء الفحم من مناطق سيطرة حركة الشباب المجاهدين، مما يعني دعمًا غير مباشر للحركة.
كما أنها لم توقف بناء قاعدتها العسكرية في بربرة، في تحدٍّ واضح لقرارات الصومال، علمًا بأنَّ شركة موانئ أبو ظبي المحظورة في الصومال لاتزال تواصل نشاطها في كلٍّ من إدارتي بونت لاند، وصومالي لاند.
وبيّن حقيقة التواجد الإماراتي في إقليم بونت لاند من خلال القوة الأمنية التي أنشأتها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وهي قوة أمنية مهمتها السيطرة على السواحل الشرقية في البلاد، وتعوِّل عليها الإمارات لإحداث الفوضى والقلاقل الأمنية، وكذلك القوة الأمنية التي درَّبتها في القاعدة العسكرية التي أغلقتها الحكومة الفيدرالية، لافتًا إلى أنّ هذه القوة تمثل عامل تهديد مباشر يقوِّض أمن العاصمة.
شباب المجاهدين
وأشار إلى أن قيام الحكومة الصومالية بتفكيك هذه القوة وتوزيعها على ألوية الجيش قلّل من هجمات حركة الشباب المجاهدين، ونتج عنه تراجع ملحوظ في عمليات الحركة، وهذا ما يعزِّز الشكوك بشأن تورُّط الإمارات في دعم حركة الشباب المجاهدين؛ حيث مازالت أصابع الاتهام تشير إلى تورط أبوظبي في التفجير الدموي الذي استهدف سوقًا شعبية في العاصمة الصومالية مقديشو 14 أكتوبر 2017 م.
مساعٍ لزعزعة استقرار الصومال
وعلق المحلل السياسي على تقرير البرلمان الأوروبي الذي اتهم الإمارات بزعزعة الاستقرار في الصومال قائلًا: إن التقرير حثّ أبوظبي على احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه، كما دعاها إلى التوقف فورًا عن كل ما يُسْهِم في زعزعة استقرار الصومال، منوهًا إلى أن حياد الصومال في الأزمة الخليجية دفع بعض الدول التي من أبرزها الإمارات إلى قطع مساعداتها للصومال.
انفجارات سابقة في الصومال
وأكّد أن دعوة الاتحاد الأوروبي للإمارات باحترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه تأتي في ظل سعي إماراتي حثيث لانتهاك سيادة الصومال، من خلال الدخول في اتفاقيات للاستحواذ على الموانئ الاستراتيجية في الصومال، من خلال دخول اتفاقات غير شرعية مع بعض الإدارات المحلية، مما جعل البرلمان الصومالي يصدر قرارًا بإبطال جميع الاتفاقيات التي لم تمرَّ عبر القنوات الرسمية، كما قام بحظر نشاط شركة موانئ أبو ظبي المتورطة في انتهاك سيادة الصومال ومنعها من العمل على تراب الصومال، خاصة بعد تعنُّت الإمارات وإصرارها على الاستحواذ على الموانئ البحرية دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية.
لماذا تدهورت العلاقات؟
ورغم أنَّ “الصومال” كانت تعدّ معقلًا هامًّا من معاقل النفوذ الإماراتي في إفريقيا، إلا أنّها بدأت في فقدان هذا النفوذ بشكل كبير، وصل إلى حد تقديم الصومال شكوى ضد دولة الإمارات في جامعة الدول العربية، بعدما وقّعت “موانئ دبي العالمية” المملوكة لحكومة دبي اتفاقًا ثلاثيًا مع إقليم شمال الصومال الانفصالي لتأجير ميناء بربرة.
وردًّا على ذلك أيضًا، صدّق مجلس الشيوخ الصومالي، في” 15 مارس، على قرار مجلس الشعب بإلغاء الاتفاقيات المبرمة مع “موانئ دبي”.
وبالعودة إلى طبيعة العلاقات بين الإمارات والصومال، يتضح أنها علاقة استغلالية بالمقام الأول؛ حيث سعت الإمارات لإحكام قبضتها على مقاليد الحكم في الصومال، خصوصًا أثناء حكم الرئيس السابق «حسن شيخ محمود»، والذي منح الإمارات نفوذًا كبيرًا في البلاد، تمثل بصورة أساسية في عقود لاستغلال وإدارة عدد من موانئ البلاد، التي تتمتع بموقع إستراتيجي هام لحركة التجارة العالمية.
بن زايد ورئيس الإمارات
بيد أنَّ وصول الرئيس «فرماجو» إلى كرسي الرئاسة، في فبراير2017 رغمًا عن إرادة أبوظبي، دفعها إلى تغيير موقفها منه، استجابة لضغط السعوديين، خاصة بعدما بدأ في مناهضة النفوذ الإماراتي المتصاعد في بلاده.
وحسب مصادر، عَدَّل الإماراتيون من سياستهم تجاه «فرماجو»، بعدما أصبح الرجل أمرًا واقعًا بالنسبة لهم؛ حيث بدأوا في مساعي استمالته بالمال كما فعلوا مع سلفه.
ويحاول حكام الإمارات إغراء «فرماجو» بالمال والمساعدات مقابل مزيدٍ من النفوذ الإماراتي في البلاد، غير أنّه لن يسمح لهم بذلك كسابقه، وفقًا لمصادر صومالية، الأمر الذي جعل الإمارات تُسَخِّر أذرعها الاستخباراتية ضده.
فعلى سبيل المثال، فقد أكّد مراقبون تورُّط الإمارات في تعزيز تقسيم الصومال، ودعم دولة «أرض الصومال» غير المعترف بها دوليًّا.
الأمر لم يقف عند ذلك الحد، بل تسعى الإمارات لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، الواقعة داخل «أرض الصومال».
ومع وقوع الأزمة الخليجية، في يونيو الماضي، رفضت الصومال عرضًا خليجيًّا ماليًّا، قالت مصادر إنّه من الإمارات، لقطع العلاقات مع قطر.
وكشف الكاتب الصحفي «جابر الحرمي»، عن أنّ وزيرًا خليجيًّا (لم يسمِّه) حمل 80 مليون دولار للرئيس الصومالي «فرماجو»، مقابل قطع علاقاته مع قطر، مشيرًا إلى أنه «بعد ساعتين من الإغراءات، رفض “فرماجو” العرض المغري».
كل تلك الأسباب دفعت إلى تدهور وانهيار العلاقة بين الصومال والإمارات لتتلقى “أبوظبي” صفعة إفريقية جديدة داخل الأراضي الإفريقية، الأمر الذي دفعها لدخول الصومال من الأبواب الخلفية.
اضف تعليقا