منذ انقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي اتخذت السلطة العسكرية التعذيب داخل المعتقلات والسجون والمقرات الأمنية منهجا وبات روتينا يوميا لأفراد الأمن.

خلص إلى ذلك تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش عن أوضاع المعتقلين داخل السجون، قالت فيه إن المعتقلين يتعرضون للتعذيب على أيدي ضباط وأفراد الشرطة بشكل ممنهج بالضرب والصعق بالكهرباء وأحيانا الاغتصاب لإجبارهم على الاعتراف بتهم لم يرتكبوها.

ويوضح التقرير الصادر في 6 سبتمبر 2017 تحت عنوان “التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي” أن قوات الأمن توسعت في الأدوات القمعية التي وصفتها بأنها ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية، مشيرة إلى أن الهدف الرئيسي من هذا القمع هو جماعة الإخوان المسلمين أكبر فصيل سياسي في مصر.

جو ستورك، نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش: قال: إن ” السيسي أعطى ضباط وعناصر الشرطة والأمن الوطني الضوء الأخضر لاستخدام التعذيب كلما أرادوا، ولم يترك الإفلات من العقاب على التعذيب المنهجي أي أمل للمواطنين في تحقيق العدالة”.

وأضاف ستورك: “تسبب الإفلات من العقاب في الماضي في ضرر كبير لمئات المصريين ومهّد لثورة 2011”.

وتوقع ستورك بأن السماح للأجهزة الأمنية بارتكاب هذه الجريمة الشنيعة في جميع أنحاء البلاد قد يسبّب موجة أخرى من الاضطرابات.

ويوثق التقرير كيف تستخدم قوات الأمن، ولا سيما عناصر وضباط الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، التعذيب لإرغام المشتبه بهم على الاعتراف أو الإفصاح عن معلومات، أو لمعاقبتهم.

وأشارت المنظمة إلى انتشار ادعاءات التعذيب بشكل واسع منذ انقلاب الثالث من يوليو عام 2013، حيث بدأ السيسي هجوما واسعا على الحقوق الأساسية، وأشار البيان إلى تفشي التعذيب في الأطر الأمنية والعدلية في مصر، كما أن الانتهاكات الواسعة من قبل قوات الأمن ساعدت على انطلاق الثورة في مختلف أنحاء البلاد عام 2011، التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك بعد قرابة 30 عاما في الحكم.

وقالت إنه بين يوليو/تموز 2013 وديسمبر/كانون الأول 2016، حققت النيابة العامة المصرية رسميا في 40 قضية تعذيب، وهي جزء بسيط من مئات الادعاءات المقدمة، لكن هيومن رايتس ووتش لم تعثر إلا على 6 قضايا فازت فيها النيابة العامة بأحكام إدانة ضد عناصر وضباط من وزارة

الداخلية، ولا تزال جميع هذه الأحكام قيد الاستئناف، وتشمل حالة واحدة فقط ضباطا بالأمن الوطني.

وبحسب التقرير حاول السيسي الوصول إلى الاستقرار السياسي مهما كان الثمن، وهو ما منح المؤسسات الأمنية والجيش الحرية الكاملة لارتكاب الانتهاكات ذاتها التي أشعلت ثورة يناير عام ألفين وأحد عشر.

وأنشأت السلطة المصرية ما لا يقل عن تسعة عشر سجنا جديدا خلال السنوات الأربع الماضية، واعتقلت ستين ألف شخص على الأقل وأخفت قسرا المئات لعدة أشهر في وقت واحد، كما أصدرت أحكاما أولية بالإعدام بحق مئات آخرين، فضلا عن محاكمة آلاف المدنيين أمام محاكم عسكرية.

الأدلة الدامغة التي وثقتها المنظمات الحقوقية على وجود التعذيب لا تمثل إلا جزءا يسيرا من أشكال التعذيب بحق المعتقلين حيث تفرض عليهم سلطات العسكر تعتيما إعلاميا شديدا وتمنع المنظمات الحقوقية من الدخول إلى أماكن الاحتجاز ووصل الأمر إلى اعتقال العاملين في هذا المجال.

وقالت  رايتس ووتش أنها اعتمدت في تقريرها على شهادات تسعة عشر معتقلا سابقا، قالوا إن ما لاقوه داخل السجون والمعتقلات لا يمكن وصفه.

ووفقا للمعتقلين، فإن عناصر الأمن تبدأ جلسة التعذيب بتعريض المحتجز للصدمات الكهربائية وهو معصوب العينين وعار ومقيد اليدين، وإذا لم يقدم المحتجز إجابات مرضية على أسئلتهم الأولية، يزيد التعذيب ليصل إلى الاعتداء الجنسي، وكثيرا ما يضربونهم ويصدمونهم بالكهرباء وهم معلقون وغير قادرين على الدفاع عن أنفسهم.

وقالت المنظمة إن وزارة الداخلية قد طورت سلسلة متكاملة لارتكاب الانتهاكات الخطيرة لجمع المعلومات عن المشتبه في كونهم معارضين وإعداد قضايا ضدهم، غالبا ما تكون ملفقة، ويبدأ ذلك عند الاعتقال التعسفي، ويتطور إلى التعذيب، والاستجواب خلال فترات الاختفاء القسري، وينتهي بالتقديم أمام أعضاء النيابة العامة الذين كثيرا ما يضغطون على المشتبه بهم لتأكيد اعترافاتهم، ويمتنعون بشكل كامل تقريبا عن التحقيق في الانتهاكات.

وبحسب التقرير يمتد تاريخ التعذيب في مصر إلى أكثر من 3 عقود، سجلت هيومن رايتس ووتش لأول مرة الممارسات الموثقة في هذا التقرير منذ عام 1992، مؤكدة أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تخضع لتحقيقين عموميين من قبل “لجنة مناهضة التعذيب” التابعة للأمم المتحدة، والتي كتبت في يونيو/حزيران 2017 أن الوقائع التي جمعتها اللجنة تؤدي “إلى استنتاج لا مفر منه وهو أن التعذيب ممارسة منهجية في مصر”.

يشار إلى أنه وبموجب القانون الدولي يعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون الدولي ويسمح بمقاضاة مرتكبيه في أي مكان كما يلزم الدول بتوقيف أي شخص في أراضيها يشتبه في تورطه بالتعذيب والتحقيق معه.