العدسة – معتز أشرف:

هي لقاءات عسكرية متتابعة تحت مظلة التنسيق الأمني، تبدو فيها البحرين كولاية من الولايات المتحدة الأمريكية، يحضر فيها المسؤول الأمني الأمريكي البارز ليسجِّل ويدوِّن ويتابع، ويجلس بين يديه المسؤول البحريني يقدِّم تقارير الإنجاز والكفاءة، بحسب معارضين ومراقبين.

ولكن تصعيد أمريكا المواجهةَ مع إيران كثّف من التعاون الأمني وأفرز لقاءً غامضًا في 9 يوليو الجاري، وهو ما نتوقف عنده.

وصاية أمريكية

الوصاية الأمريكية على البحرين محل ترحيب رسمي واهتمام وترقب واضحين، وهو ما ظهر مباشرة بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئاسة؛ حيث أعلن نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب خليفة الغانم  في نوفمبر 2016 بأنه استمع لتطمينات من السفير الأمريكي بالمنامة بعدم تغيير سياسة بلاده مع البحرين بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب لدخول البيت الأبيض، ونقل الغانم تأكيدًا من السفير بأنَّ العلاقات البحرينية الأمريكية تحكمها مجموعة اتفاقيات ومعاهدات موقّعة منذ سنوات طويلة، ولا يمكن أن تتأثر أو تتغيّر بسبب المستجدات الراهنة في واشنطن.

الفريق راشد بن عبدالله آل خليفة، وزير الداخلية، يُعتَبَر كلمة السر في التنسيق الأمني، وشارك كثيرًا في هذه الترتيبات، وفي آخر اللقاءات المثيرة للجدل، الاثنين 9 يوليو كان تقرير الإنجاز البحريني حاضرًا يلقيه الفريق راشد بنفسه في حضرة أندرو بيك نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى والوفد المرافق له بحضور جاستين سيبيريل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى مملكة البحرين.

العلاقات الوثيقة بين الصديقين تكررت في هذا اللقاء على لسان الوزير بحسب التقارير الإعلامية، لكن الوزير أكد أهمية التعاون والتنسيق بين البلدين الصديقين، خاصة في المجال الأمني، بعد أن تمّ خلال اللقاء، استعراض “العلاقات الثنائية المتميزة “التي تربط مملكة البحرين والولايات المتحدة الأمريكية، وأوجه تعزيز التعاون الأمني بما يخدم مصالح البلدين، كما تمّ بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، التي لم تفصح التقارير الرسمية عنها، إلا أنَّ رائحة التصدي لإيران كانت ظاهرة.

وبالتزامن مع التصعيد مع إيران في البيت الأبيض كانت الاجتماعات الأمنية في البحرين تدور عجلتها؛ ففي 3 مايو الماضي بحث الفريق راشد مع الأدميرال سكوت ستيرني، القائد الجديد للقوات البحرية الأمريكية في القيادة المركزية قائد الأسطول الخامس، العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين ومجالات التعاون والتنسيق الأمني، بالإضافة إلى عددٍ من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وهو ما تكرّر في 19 سبتمبر 2017؛ حيث استقبل الفريق راشد الأدميرال كيفن دونيكان قائد الأسطول الخامس، في نفس الإطار، والملاحظ أن لقاء شهر مايو جاء عقب إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران كما جاء لقاء شهر سبتمبر 2017 بعد شنّ ترامب هجومًا على الاتفاق النووي ووصف طهران بالمستبدة!

البعد الأمني وتسليم البحرين للأمريكان- بحسب ما يرى المتابعون للشأن البحريني- يقف خلفه البُعد الاقتصادي المتأزم في البحرين كأحد الأسباب،  حيث وقعت المملكة والولايات المتحدة الأمريكية  اتفاقات تعاون في العديد من المجالات بلغت قيمتها 10 مليارات دولار، من بينها اتفاقيات مهمة في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والنفط والطيران، إضافة إلى التوقيع على البروتوكول الثالث المعدَّل لاتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وذلك في أواخر 2017.

وفي الجمعة 8 ديسمبر 2017 لم يعطِ الملك حمد بن عيسى آل خليفة فرصة لأحد للحديث عن تسليم بلاده للأمريكان؛ حيث أكّد خلال استقباله في قصر الصافرية الفريق أول جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأمريكية اعتزازه بما يربط مملكة البحرين والولايات المتحدة الأمريكية من علاقات تاريخية وطيدة في كافة المجالات خاصة في مجال التعاون الدفاعي والعسكري!

 

وعلى الرغم من وجود القاعدة البحرية الأمريكية الكبيرة، ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها محايدة من قبل كل من القيادة السنية والمعارضة الشيعية، بحسب المراقبين الأمريكيين، ومن أجل إثبات هذه النظرة، لم تدعُ جمعية “الوفاق” المعارضة إلى إغلاق القاعدة.

مواجهة إيران!

في مقابل الحماية والاستثمارات الأمريكية، تظهر في الأفق أسباب كثيرة للتنسيق الأمني العسكري المحموم في الأيام الأخيرة، وفي مقدمتها أن البحرين هي مقر الأسطول البحري الخامس الأمريكي؛ حيث تتلخص مهمته الأساسية في تأمين إمدادات النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية، ومراقبة إيران عن قرب، والإشراف على عمليات في الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي، كما يشارك بشكل مباشر في العمليات العسكرية في كل من العراق وأفغانستان، ومكافحة ما يسمى بالإرهاب والقرصنة في المياه الدولية، وهو ما يرشّح تصدّيه لأي محاولات من إيران لإغلاق مضيق هرمز.

وكان قائد الحرس الثوري الإيراني، أعلن  الخميس 5 يوليو أن قواتهم مستعدة لتنفيذ تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، وذكر اللواء محمد علي جعفري أنه “إذا لم تتمكن إيران من بيع نفطها بسبب ضغط الولايات المتحدة الأمريكية، فلن يتم السماح لأي دولة إقليمية أخرى، وسوف نجعل العدو يفهم أن مضيق هرمز إما أن يكون للجميع أو لا أحد”.

 

تهديد الحرس الثوري جاء ترجمةً سريعةً لتصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني التي هدّد فيها على هامش زيارته لسويسرا، بمنع شحنات النفط من الدول المجاورة إذا ما استجابت الدول لطلب الولايات المتحدة بعدم شراء نفط إيران.

وفي المقابل ردَّت القيادة المركزية الأمريكية، على التهديد، مؤكدة أنها وشركاءها يوفّرون الأمن للمنطقة، وهو ما يجعل للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين الكلمة الأولى ومن هنا يمكن فهم التنسيق الأمني المكثف بين الجانبين في الأيام الماضية بحسب المتابعين للملف.

وقال بيل أوربان، متحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي: إنَّ البحرية الأمريكية مستعدة لضمان حرية الملاحة وتدفق التجارة الحرة، وإنّ الولايات المتحدة وشركاءها توفر الأمن والاستقرار في المنطقة” في إشارة إلى البحرين.

العداء موجود!

العلاقات العدائية بين النظامين البحريني والإيراني ترشّح لأي أعمال عدائية محتملة خاصة من الأسطول الخامس، بحسب ما يرى البعض، فمنذ قطع العلاقات البحرينية في العام 2016، في أعقاب اقتحام محتجين سفارة الرياض في طهران، والتوتر لا يتوقف، وسبق ذلك استدعاء البحرين القائم بالأعمال الإيراني لديها، حميد شفيع زاد، احتجاجًا على تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، التي اعتبرتها المنامة “إساءة للمملكة وشعبها”، رغم أنَّ خامنئي ندَّد بشن الحكومة البحرينية حملة ضد المعارضة في المملكة.

كما تحوَّلت إيران في البحرين إلى متهم أول، وجرى الإعلان عن قضية إرهابية للحرس الثوري الإيراني في المنامة، وإسقاط الجنسية عن عددٍ من البحرينيين “أدينوا بالتآمر مع إيران” لتنفيذ هجمات داخل المملكة، كما حكمت عليهم بالسجن المؤبد، وباتت إيران مسؤولة بتغذية الاضطرابات والاحتجاجات التي ضربت البحرين قبل أعوام، خلال الربيع العربي.

 

وفي إطار الخوف البحريني من النظام الإيراني، منح نظام آل خليفة الأمريكان مزايا كثيرة جعلتهم يتمتعون بوجود عسكري قوي في الدولة الصغيرة حجمًا، حيث هناك تسهيلات عسكرية مختلفة في ميناء سالمان ومطار المحرق وقاعدة الشيخ عيسى الجوية، وتمثل قاعدة الجفير العسكرية، القريبة من المنامة، واحدةً من أهم القواعد العسكرية في الخليج؛ حيث تضم مركز قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، ومركز قيادة القوات الخاصة، فيما يتمركز في البحرين ما بين 860 و1200 عسكري، إضافة إلى وحدة عسكرية بريطانية، وهو ما يشبه احتلالًا غير معلن.