العدسة – معتز أشرف:
قناة سعودية تسبِّح بحمد التطبيع، وتفضل الارتماء كثيرًا في أحضان ما يسمى بـ”إسرائيل”، بناءً على تعليمات أميرها الذي ينادي بمزاعم بني صهيون، فولدت فضيحة جديدة من سِفاح وحرام جاء في صورة فيلم وُصِف بالوثائقي يتحدث عن نكبة الشعب اليهودي في فلسطين، بديلًا عن نكبة الشعب الفلسطيني المحتلة أراضيه، في مفارقة صارخة.
“العدسة” رصد التاريخ الأسود للقناة التي يفضّل النشطاء تسميتها بالعبرية بدلًا من “العربية”، والذي جاء حاضره متفقًا مع أفكار الأمير المتصهين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
أحدث الفضائح
قبل أيام أعلنت قناة العربية فضيحتها على الملأ، وبثت فيلمًا وثائقيًّا من جزءين حمل اسم “النكبة عرضت فيه رواية “إسرائيل” الكاذبة حول احتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني في الشتات، وأفردت مساحة كبيرة عبر فيلمها لمؤرخين “إسرائيليين” كبار؛ نشروا كل الأكاذيب الممكنة لتشويه حقيقة النكبة الفلسطينية.
وردد الراوي في الفيلم الرواية الصهيونية كاملة، وتحدث باستعطاف مدلّس بحسب ما تابع “العدسة” عمّا وصفه بـ”جرائم النازية بحق اليهود، وتوقيفهم في ألمانيا، ومعاداة السامية”، ويفاجأ المتابع للفيلم أنّ مصطلح “النكبة” يقصد به “نكبة اليهود” الذين اضطروا لإقامة وطن بديل لهم في فلسطين”!!” وليس النكبة الفلسطينية المعروفة.
وأغفل الفيلم الوثائقي عشرات المذابح التي قامت بها العصابات الصهيونية عام 48، وما تخلّلها من مجازر، فيما شارك في الفيلم الشاعر الصهيوني حاييم غوري، الذي أدلى باعترافات سابقة له بأنه شاهد زملاء له من لواء المظليين يقتلون عجائز احتموا بمسجد في بئر السبع في يوليو 1948.
قناة العربية سجلت السقوط على موقعها، وزعمت في عرضها للفيلم أنه “يعيد صياغة قصة ولادة إسرائيل كما يراها العرب والإسرائيليون، من خلال نصّ خالٍ من الأيديولوجية أو التحزب”!! في إخلال كبير بالحقائق، واستخدمت عبارات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بالضبط، حيث قالت في مساواة بين الضحية والجلاد غير مسبوقة: ” في نوفمبر 1947: صوتت الأمم المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين. بالنسبة للبعض أصبح الحلم حقيقة، و بالنسبة لآخرين بداية كارثة، وبعد 70 عامًا من هذا التصويت التاريخي، لا تزال فلسطين جرحًا مفتوحًا وساحة معركة لشعبين مزقهما تاريخهما المشترك، ومصدرًا لتوتر تجاوز تأثيره الشرق الأوسط” !!.
وعرضت القناة النكبة وفق رواية بن سلمان الجديدة الداعمة لأصدقائه في الأراضي المحتلة، موضحة أنَّ الجزء الأول 1897-1948، سيعرض السنوات الثلاث الحاسمة التي شكلت “دولة يهودية في فلسطين”، وسوف تختتم بإعلان استقلال إسرائيل عام 1948” في محو كامل لحقيقة أن هذا الموعد كان لاحتلال فلسطين!!، أما الجزء الثاني 1948-1967، استخدمت القناة عبارة “الجيران” لوصف الحروب بين الاحتلال الصهيوني والعرب، وقالت في عرض الجزء: “ستغطي الحلقة الثانية عقدين أساسيين، تخللتهما الحروب بين إسرائيل وجيرانها”.
الفيلم أثار عاصفة من الغضب العربي والإسلامي في قطاعات الإعلام ومقاومة التطبيع، ودعت جبهات وشخصيات عامة وإعلامية بارزة القناة إلى الاعتذار الفوري، وأدان منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، القناة واتهمها بترويج رواية الاحتلال عن “اغتصاب” فلسطين، واصفًا ذلك بأنه “انزلاق خطير وسقوط مدوٍّ من قناة تحمل اسم “العربية”، ويفترض بها أن تكون في طليعة القنوات الفاضحة لجرائم الاحتلال، والمعبرة عن آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال”.
واستنكر المركز الفلسطيني لمقاومة التطبيع إقدام قناة العربية على تزييف لحقائق تاريخية تتعلق بنشأة الكيان الصهيوني، والتطبيع المجاني، مشددًا على أن “تاريخ القضية الفلسطينية تاريخ حاضر وواضح، ولن تنجح قناة العربية ولا غيرها في تزييف وقائع التاريخ”.
تاريخ مشين!
للقناة سوابق في مساندة الاحتلال الأمريكي للعراق، ثم وقوفها في الاتجاه المعاكس للمقاومة اللبنانية في حرب 2006م، ولكن مع تعليمات بن سلمان الجديدة كانت الفضائح أكثر فجاجة، ففي 27 سبتمبر 2009 ، رصد مراقبون سقوط قناة العربية في تبني الروايات الصهيونية في اقتحام المسجد الأقصي، بطريقة مستفزة لمشاعر العرب والمسلمين، عندما اقتحمت مجموعات صهيونية متطرفة ساحات المسجد الأقصى، واعتدوا على المصلين فيه، ثم جاء الخبر تحت عنوان (قبيل عيد الغفران المقدّس عند اليهود.. إسرائيل تحتوي صدامات بين فلسطينيين ويهود حاولوا اقتحام الأقصى)، وفي المتن، قدم موقع العربية نت من قال: إنهم من مصابي الشرطة الصهاينة على المصابين الفلسطينيين الذي تصدوا للاقتحام، وقال في متن الخبر: “متحدث باسم الشرطة قال إن 9 من رجال الشرطة أصيبوا بجروح طفيفة، وقال مسعفون إنهم نقلوا 13 فلسطينيًا إلى مستشفى في القدس الشرقية للعلاج من إصابات بعد الاشتباك الذي وقع، فيما استعد اليهود للاحتفال بأقدس أيامهم”!!.
وفي هذا الإطار رصد متابعون للشأن الفلسطيني الفارق بين مصطلحات الكتابة في قناتي “الجزيرة” و”العربية” في تغطية العدوان الصهيوني على غزة؛ حيث تسمى قناة العربية التي يطلق النشطاء عليها ” العبرية” شهداء القطاع بالقتلى، وتصف “العدوان الصهيوني” بـ”الهجوم”، وصمود القطاع بـ”ورطة غزة”، وتستبدل ضرب المساجد بعبارة استهداف موقع قريب من المساجد، وبينما تصف قناة الجزيرة استهدف المدنيين العزّل في بيوتهم بأنه “عدوان على الأبرياء العزل “تصنفه قناة العربية بأنه “هجوم على (منزل لقائد قسامي)، وبينما تسمي “الجزيرة ” القصف الجوي على الجامعة الإسلامية بأنه “استهداف للجامعات الإسلامية” تسميه قناة العربية بأنه “هجوم على موقع لصناعة المتفجرات”!!
وتحت عنوان “لتخاذل وجوه كثيرة.. قناة العربية نموذجًا!” رصدت جريدة الوطن الكويتية في يناير 2009، وقوف القناة في صف الصهاينة ضد الفلسطينيين، وأبرزت التصريحات التي تعكس وجهة نظرهم المعارضة لمقاومة المحتل، والمزاعم بأنّ حماس هي من أشعل الموقف، رغم أنّ المقاومة كانت رد فعل، وذكرت أن التغطية الإخبارية التي يحصل عليها القادة السياسيون والعسكريون للعدو اليهودي أكبر وأكثر من التغطية التي يحصل عليها قادة حماس، فيما تستخدم القناة مصطلحات فيها انحياز كامل ضد حماس وأهالي غزة وتحمل أحكامًا مسبقة، فهي مثلًا تستخدم بكثرة عبارة المواجهة بين إسرائيل وحماس كثيرًا، دونما اعتبار للحصار المفروض على غزة ودون النظر إلى المسألة على أنها احتلال واضح لأرض عربية ودون النظر إلى مئات الشهداء من المدنيين والآلاف من الجرحى من أهلنا في غزة.
وفي العدوان على قطاع غزة في العام 2014، واصلت قناة العربية السقوط، ورصد مراقبون استخدام القناة وصف “المواجهات المفتوحة في غزّة”، في نشراتها، ووصفت الشهداء بـ”القتلى”، حتى إنها بدت وكأنها تجاهلت تحدي المقاومة للاحتلال وإخطاره إياه بأنها ستقصف تل أبيب عند التاسعة مساء، فلم تنقل الحدث مباشرةً، وإنما نقلته في سياق نشراتها، فيما عنونت نشرتها التالية: “إسرائيل سترد على مصادر القصف الصاروخي على تل أبيب”، وهو ما اعتبره مراقبون مشاركة في العدوان على غزة ودعمًا للإعلام الصهيوني.
وفي المقابل كانت حملات مقاطعة القناة أحد الأدوات الشعبية لمواجهة التزييف، وتجددت على فترات الدعوات للمقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، وسط اتهامات منها لقناة العربية بأنها” أنشئت ضمن حملة فكرية يهودية لتحسين صورة اليهود عند العرب ودعم المشروع الصهيوني قلبًا وقالبًا”، مؤكدة أنها “أصبحت عربية اللسان عبرية الهوى ويهودية أكثر من اليهود”، ودشّن معارضون لها صفحات تناهضها على موقع التواصل الاجتماعي ووضعوا شعارًا لها :”أن تكذب أكثر”.
كتالوج المتصهين
الفجاجة التي ظهرت بها القناة في فيلمها الأخير، متجاوزة به تاريخها المشين في التطبيع، يعتبر صدى- بحسب مراقبين- لتصريحات ولي العهد السعودي الأمير المتصهين محمد بن سلمان في مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” الشهرية الأمريكية.
الشاب الذي يسعى لنيل الرضا الصهيوني لكسب العرش، اعترف بحق الشعب اليهودي في فلسطين وفق مزاعمه، وردًا على سؤال حول ما إذا كان يعتقد أن الشعب اليهودي “له الحق في دولة قومية على جزء، على الأقل، من وطن أجداده”، أجاب بن سلمان أنه يعتقد أنّ “أي شعب في أي مكان له الحق بسلام، وأن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في أن يكون لكل منهما وطن”، وهو ما ترجمته قناة العربية في فيلمها الوثائقي المزيّف.
اضف تعليقا