العدسة – جلال إدريس
على ما يبدو أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قرَّر الهروب من التحقيقات التي تُجْرَى معه في قضايا فساد متعددة، إلى ساحة الحرب في غزة، فشَنَّ مطلع الأسبوع الجاري غارات جوية مكثفة على القطاع المحاصر، تسبَّب في إصابة عشرات الفلسطينيين ووفاة شخصين على الأقل.
وفي محاولة خبيثة لصرف أنظار الداخل الإسرائيلي عن قضايا الفساد التي تلاحقه، أدلى “نتنياهو” بتصريحات نارية عن حرب جديدة في غزة، إلا أنَّ صواريخ المقاومة الفلسطينية سرعان ما ألجمته ودفعته للتوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار سريعًا.
فما هو المشهد الحالي في غزة؟ وماذا فعلت ضربات الاحتلال؟ وكيف ردَّت المقاومة؟ ومن تدخل للتهدئة ووقف إطلاق النار؟ وهل سيواصل “نتنياهو” اللعب بالنار والصواريخ في القطاع المحاصر، هربًا من قضاياه التي تلاحقه، أم أنَّ صواريخ المقاومة لقنته درسًا قاسيًا، ربما تدفعه للتفكير مجددًا قبل شن حرب جديدة على “غزة”؟
الهروب من الفساد
وفقًا لمراقبين فإنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول الهرب من قضايا الفساد التي تلاحقه، عن طريق صرف أنظار الإسرائيليين إلى حرب جديدة في غزة.
وفتحت الشرطة الإسرائيلية مؤخرًا تحقيقًا جنائيًا مع نتنياهو لفحص شبهات متعلقة بالفساد؛ الأول باسم “الملف رقم 1000″، يتضمن اتهام نتنياهو شخصيًا، وزوجته سارة، ونجله الأكبر يائير؛ بتلقّي سجائر فاخرة وشمبانيا، كهدايا ممنوعة، من رجل الأعمال الأمريكي أرنون ميلتشن، الذي يُعدّ أحد أكبر المنتجين في هوليوود، ويملك 9.8 % من أسهم القناة الإسرائيلية العاشرة.
وأطلقت الشرطة على ملف تحقيق آخر يطال مقربين من نتنياهو اسم “الملف رقم 2000″، وهو ملف آخر مرتبط بشبهات الفساد الأولى ضمن التحقيق في “الملف رقم 1000″، ويعود “2000” إلى “شبهات تنسبها الشرطة لنتنياهو بإبرامه صفقة مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، نوني موزس، تتمثل في سعي هذا الأخير لتجميل صورة نتنياهو في صحيفته؛ مقابل سعي نتنياهو لإغلاق صحيفة “يسرائيل هيوم” المنافسة لـ”يديعوت”.
وهناك ملفان إضافيان يحملان رقمي “3000” و”4000″، يتعلق الأول منهما بصفقة الغواصات الألمانية التي اشترتها دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل تعزيز أسطولها الحربي البحري. وأما الملف الآخر فلم تذكر وسائل الإعلام الإسرائيلية أو الشرطة شيئًا عنه.
البالونات والطائرات الورقية
البالونات الحارقة التي يطلقها الفلسطينيون من حدود غزة باتجاه الأراضي المحتلة، أصبحت تمثل أيضًا صداعًا كبيرًا في رأس الصهاينة، خصوصًا بعد أن التهمت تلك البالونات آلاف الأفدنة الزراعية التي يسيطر عليها مستوطنون إسرائيليون وتقع بمحاذاة الحدود مع غزة.
ويطلق شبان فلسطينيون يوميًا عشرات من بالونات الهيليوم مذيلة بفتيل مشتعل غالبًا ما يسقط في أحراش للمستوطنين ويسبّب حرائق كبيرة”.
وتقول مصادر إسرائيلية، إنَّ بالونات الفلسطينيين تسبَّبت في إحراق ما لا يقل عن 10 آلاف فدان، وتسببت في خسائر بملايين الدولارات، في حين أكّد وزير المالية الإسرائيلي موشيه كاهلون، أنهم مضطرون لتعويض المزارعين الذين حُرقت حقولهم”، مطالبًا “باستخدام وسائل أكثر قوة على مطلقي البالونات والطائرات مثل قاذفات الصواريخ”.
وبحسب محللين فقد نجحت الطائرات الورقية الحارقة وبالونات الهيليوم في خلق حالة من الرعب عند الإسرائيليين، الأمر الذي دفع “نتنياهو” لتهديد غزة بالحرب إن لم تتوقف تلك الطائرات.
وقبل ساعات من القصف الإسرائيلي، هدّد جيش الاحتلال حركة حماس بعملية عسكرية واسعة في غزة، إذا استمرّت الهجمات على إسرائيل بالطائرات الورقية والبالونات الحارقة.
وقالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الجمعة الماضية، إنَّ الجيش الإسرائيلي أبلغ حركة حماس في الأيام الأخيرة أنه في حال استمرار هجمات الطائرات الورقية والبالونات الحارقة من قطاع غزة، فإنَّ إسرائيل ستردّ بعملية عسكرية كبرى.
إسرائيل تقصف غزة
وعقب التوتر المتنامي بين تل أبيب وحماس، وإغلاق إسرائيل معبر كرم أبو سالم، المدخل الرئيسي للبضائع إلى غزة، ردًا على الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي تُطلق من القطاع، قامت إسرائيل بالفعل بشنّ غارات مكثفة على القطاع مساء الجمعة الماضية وصباح السبت.
وشنّ سلاح الجوّ الإسرائيلي سلسلة غارات جوية جديدة على قطاع غزة استهدفت مواقع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأفادت وزارة الصحة في قطاع غزة عن استشهاد فلسطينيين هما “محمد ناصر شراب” و”محمد مرشود”، في حين أكدت مصادر فلسطينية إصابة أكثر من 200 فلسطيني جراء الغارات.
وفي جنوبي القطاع، قصفت طائرات حربية هدفًا قرب بوابة صلاح الدين على الحدود المصرية- الفلسطينية.
كما قامت طائرات بدون طيار إسرائيلية بقصف أراضٍ زراعية شرقي حي الزيتون جنوبي شرقي المدينة، وموقعي “قريش” و”أبو جراد” جنوبي المدينة، بالإضافة إلى أرض زراعية أخرى شرقي حي التفاح. وفي شمال القطاع، قصفت طائرات الاحتلال موقعًا للمقاومة قرب القرية البدوية، وآخر شرقي بيت لاهيا بنحو عشرة صواريخ على ثلاث غارات.
واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت سابق أن إسرائيل وجّهت “أقسى ضربة” إلى حركة حماس منذ حرب العام 2014، مهددًا بتكثيف الغارات إذا لزم الأمر، فيما قال مسؤول في سلاح الجو الإسرائيلي إن سلسلة الغارات التي شنّت على قطاع غزة هي الأكبر منذ عملية “الجرف الصامد”، التسمية التي أطلقتها إسرائيل على عمليتها العسكرية على غزة صيف العام 2014.
المقاومة ترد بـ 36 صاروخًا
في المقابل لم تنتظر المقاومة الفلسطينية طويلًا لتردّ على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، لكنها أطلقت عشرات القذائف والصواريخ على مواقع عسكرية إسرائيلية في محيط القطاع، فور القصف الإسرائيلي بدقائق.
وقصفت “المقاومة” عدة مواقع عسكرية تابعة للاحتلال شرق خانيونس ورفح جنوب قطاع غزة، فيما سقطت قذيفة صاروخية في محيط كيرم شالوم دون وقوع إصابات.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، إنَّ وابلًا من قذائف الهاون الثقيل تتساقط على غلاف غزة بأكمله، واعترض نظام القبة الحديدية ست قذائف صاروخية أطلقت من غزة، بينما بلغ عدد القذائف التي استهدفت الأراضي الإسرائيلية 36 قذيفة.
وقال المتحدث باسم حماس فوزي برهوم في بيان: إنّ “التعامل الفوري للمقاومة مع تصعيد العدو والردّ عليه بقوة يعكس حالة الوعي والوضوح الكبير لديها في الرؤية في إدارة الصراع وتوصيل الرسالة”، واعتبر أنّ الهجمات الفلسطينية تهدف إلى “ضمان تشكيل حالة توازن ردع سريعة وكافية لإجبار العدو على وقف التصعيد وعدم التمادي في الاستهداف”، مضيفاً أن “حماية شعبنا والدفاع عنه مطلب وطني وخيار استراتيجي”.
الإسرائيليين دخلوا الملاجئ
وفور إطلاق المقاومة الفلسطينية لصواريخها، أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أوامره للمستوطنين في المستوطنات القريبة من “غلاف غزة”، بالبقاء على بُعد 15 ثانية من الملاجئ، بعدما تجددت الاشتباكات مع الفلسطينيين وسقطت قذيفة في إحدى مستوطنات المجلس الإقليمي “شاعار هنيغيف”، دون أن تَرِد أية أنباء عن وقوع إصابات.
في حين انطلقت صافرات الإنذار في بوابة النقب “شاعار هنيغيف” وعسقلان “أشكول” و”سديروت” وشواطئ “حوف أشكلون”.
من جهة أخرى، منعت قوات ومخابرات الاحتلال الإسرائيلي عقد المؤتمر الأكاديمي الرابع، الذي كان مقررًا في كلية الآداب (هند الحسيني) جامعة القدس بحي الشيخ جراح وسط القدس.
وعقب ساعات من القصف المتبادل بين المقاومة وقوات الاحتلال، أعلنت الفصائل الفلسطينية عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار برعاية مصرية.
وأكد الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مساء السبت، أنه تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة لإنهاء تصاعد العنف عبر الحدود.
وقال فوزي برهوم على حسابه على تويتر، إنَّ الجهود المصرية أسفرت عن اتفاق لوقف موجة التصعيد الراهنة.
فيما أكّد داوود شهاب، الناطق باسم حركة الجهاد الاسلامي، التوصل لوقف إطلاق النار مع إسرائيل بعد اتصالات مصرية مكثفة.
وقال شهاب في اتصال مع بي بي سي، إنَّ حركته ستظل ملتزمة بتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار ما التزمت به إسرائيل.
وأضاف: “بعد اتصالات مكثفة تمّ التوصل إلى تثبيت تفاهمات وقف إطلاق النار والتي دخلت حيز التنفيذ الساعة الثامنة مساء اليوم بتوقيت فلسطين ونحن من جانبنا ملتزمون بهذه التفاهمات طالما التزم بها العدو الإسرائيلي”.
واعتبر مراقبون أنَّ سرعة وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي يعدّ انتصارًا جديدًا للمقاومة الفلسطينية في غزة، التي فاجأت الجميع بسرعة ردّها على ضربات الاحتلال.
كما ذكرت قناة “بمزراح هتيخون” التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أنّ ما حدث هو انتصار لحماس، معلقة على وقف إطلاق النار بقولها: “للمرة الألف، حماس تنجح في هزيمة رئيس الوزراء والمؤسسة العسكرية، إن حماس هي التي تحدد متى تبدأ ومتى تنهي الجولات- هذه جولة أخرى بانتصار ساحق لحماس”.
اضف تعليقا