العدسة: محمد العربي

تعتيم متعمد تعيشه سيناء منذ خمسة أشهر عندما بدأت العملية العسكرية سيناء 2018، والتي صاحبتها دعاية واسعة بأنَّ الجيش المصري يهدف للقضاء على عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذي اتخذ من سيناء ولاية مركزية له بمصر، وعلى الرغم من أنَّ الحملة كان مقدرًا لها 60 يومًا إلا أنها امتدت حتى كتابة هذه السطور لضعفي المدة المقرَّرة، وهي المدة التي شهدت كذلك تغيرات هامة في القوات المسلحة بإقالة وزير الدفاع صدقي صبحي وتعيين بديل له.

إلا أن الملفت للنظر أنَّ الحملة التي بدأت بعنوان الحرب على الإرهاب بشكل كامل، تقلصت للحرب على داعش بشكل محدّد، وبين العنوانين الكثير من التفاصيل المأساوية عما يجري في سيناء.

لماذا سيناء:

تمثل سيناء، حسب المراقبين، أهمية كبرى في تنفيذ صفقة القرن، وهو ما جعل الحرب الدائرة هناك والتي يشارك فيها مختلف الوحدات العسكرية للجيش المصري، حرب ذات وجهين؛ الأول وهو الظاهر ما يعلنه الجيش المصري بأنها حرب على تنظيم داعش، أما الوجه الآخر- وربما كان الحقيقي- فهو تهيئة كل العناصر المعنية بسيناء لصفقة القرن، واستدلَّ أصحاب هذا الرأي بطول الفترة العسكرية وموافقة إسرائيل على وجود كل هذه القوات المسلحة في المناطق الحرجة، وخاصة المنطقة (أ) بعتاد عسكري كان مرفوضًا في السابق مجرد اقترابه من سيناء، وهي الموافقة التي تعني أنَّ مصر تسير وفق مخطط أمريكي وإسرائيلي مشترك لإحداث تغيير ديموجرافي وجيوسياسي داخل المنطقة الأكثر من حيث الصراع والنزاع مع إسرائيل.

وطبقًا لمحللين عسكريين فإنَّ أحد أهم أهداف الحرب في سيناء متعلّق بتغيير العقيدة العسكرية للجيش المصري، خاصة وأنَّ العقيدة التي ترسخت منذ حركة 1952 التي قام بها تنظيم الضباط الأحرار، شكل عقلية الجيش على وجود عدو أساسي بالمنطقة وهو إسرائيل، وأنَّ هذا العدو يهدف للاستيلاء على سيناء التي تعتبر أحد أهم مقدسات العسكرية المصرية، وبالتالي جرت بشأنها وحولها العديد من الحروب، بدءًا من العدوان الثلاثي 1956، ومرورًا بالنكسة الكبرى 1967، ثم انتصار أكتوبر 1973، وبالتالي كانت فكرة التخلي عن سيناء وأن يكون هذا التخلي للعدو الأزلي وهو إسرائيل، بحاجة لتغيير دراماتيكي في العقيدة العسكرية المصرية، وهو ما يحقّقه الآن عبد الفتاح السيسي منذ ظهر على سطح الأحداث بعد ثورة 25 يناير 2011.

وكما يرى المحللون فإنَّ الهدف من الحرب بسيناء هو في الأساس إيصال معنى هام لدى رجال الجيش المصري أنَّ سيناء باتت تمثّل عبئًا عليهم وعلى الدولة، وأنَّ سيناء تحوَّلت لمأوى للإرهابين والمتطرفين الذين يشكلون خطرًا على البشرية كلها، وليس فقط الشعب المصري، وأنَّ الجيش المصري يحارب في سيناء نيابة عن العالم ليخلصهم من شرّ الإرهاب، كما أشار السيسي أكثر من مرة، كما أنَّ سيناء بمواطنيها الخونة والمتعاملين مع داعش يمثلون عائقًا أمام خطط التنمية والتقدم الذي تنشدها مصر في ظل السيسي، ومن هنا فإنّه في حالة طرح أن تكون سيناء جزءًا من تسوية دولية للقضية الفلسطينية فإنَّ الجيش المصري (لذي ظل محتفظًا بمكانته داخل المجتمع لأنّه يحمي سيناء)، يمكن وقتها أن يقبل بالتسوية والتخلي عن أرض الحروب.

على الجانب الآخر فإن المتابعين لمسار العملية العسكرية التي تشهد عزلًا كاملًا لأهالي شمال ووسط سيناء، وتهجير الآلاف من الأسر في رفح والشيخ زويد بالقوة لخلق منطقة معزولة، وحالات التصفية الجسدية التي طالت المئات، والاعتقال العشوائي الذي امتدَّ للآلاف ولم يَعُد يفرق بين رجل وامرأة أو شيخ وطفل، وحالة التجويع المتعمد التي قام بها الجيش ضد الشعب السيناوي تشير إلى أنّها الجزء الثاني من خطة الاستغناء عن أرض الفيروز، وهو ما يعتبره المتابعون تغييرًا ديموجرافيًا في التركيبة السكانية لشبه الجزيرة، والضغط عليهم لقبول التنازل عن أرضهم لإقامة وطن بديل لشعب مظلوم.

كوارث إنسانية متعمدة

النظرية السابقة دعمها التقرير الذي أصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” نهاية آيار/ مايو الماضي، عن الوضع في سيناء؛ حيث أشار التقرير إلى أنَّ الجيش المصري وسّع كثيرًا من أعمال هدم المنازل والبنايات التجارية والأراضي الزراعية بشمال سيناء، منذ عمليته التي بدأت في 9 شباط /فبراير 2018، وقد طالت أعمال الهدم وقت إصدار التقرير مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية وما لا يقل عن 3 آلاف منزل وبناية تجارية، فضلًا عن 600 منزل تمّ هدمهم في كانون الثاني / يناير 2018.

وطبقًا لـ”سارة ليا ويتسن” مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة فإنّ: “تحويل بيوت الأهالي إلى أنقاض هو جزء من نفس الخطة الأمنية المحكومة بالفشل التي ضيَّقت على الإمدادات الغذائية والتنقلات لإيلام سكان سيناء، بزعم أنَّ الجيش المصري يحمِي الناس من المسلحين، لكن من المدهش الاعتقاد بأنَّ تدمير البيوت وتشريد من سكنوا المكان مدى الحياة هي إجراءات ستجعلهم أكثر أمنًا”.

وقد اشتملت أعمال الهدم الأخيرة، طبقًا للتقرير، على بيوت في منطقة أمنية عازلة جديدة حول مطار العريش بعد إعلان تنظيم “ولاية سيناء” مسؤوليته عن هجوم بالصواريخ في 19 كانون الأول / ديسمبر 2017 على قاعدة جوية ومروحية عسكرية، وقالت المنظمة إنها أرسلت خطابات رسمية في 10 و11 مايو/آيار 2018 لوزارة الدفاع المصرية ولمحافظ شمال سيناء عبد الفتاح حرحور وللهيئة العامة للاستعلامات للتقصّي حول أعمال الهدم الجارية، لكن لم يصلها أي رد.

وتشير المنظمة إلى أنها لم تعثر على أية قرارات رسمية تمّت مناقشتها في البرلمان أو نُشرت في الجريدة الرسمية لإضفاء إطار قانوني على قرار السيسي في كانون الثاني/ يناير 2018 بتهيئة منطقة عازلة حول مطار العريش أو فرض تدابير واضحة لتعويض من دمرت السلطات بيوتهم ومزارعهم لعمل المنطقة العازلة.

اعتراف رسمي غير مقصود

من جانبها رفضت الحكومة المصرية من خلال المتحدث باسمها أو المتحدث باسم الجيش الاعتراف بما جاء في تقرير هيومن رايتس وواتش، وغيره من التقارير التي تشير لارتكاب القوات المسلحة مخالفات إنسانية ضد أبناء سيناء، إلا أنه ومن خلال تصريحات رسمية في الرابع من حزيران/ يونيو الماضي، كشفت الحكومة دون أن تدري عن حقيقة ممارستها وتجاوزاتها ضد أبناء سيناء؛ حيث أعلن مدير أمن المحافظة اللواء رفعت خضر، خلال مؤتمر شعبي عقده محافظ شمال سيناء اللواء عبد الفتاح حرحور تسليم آلاف الهواتف المحمولة التي سُحبت من الأهالي مع بدء العملية العسكرية في 9 شباط/ فبراير 2018، وفي نفس المؤتمر أعلن رئيس أركان قطاع تأمين شمال سيناء العميد شريف العرايشى السماح بتموين السيارات بالوقود بعد توقف استمرَّ أربعة أشهر؛ حيث تم السماح بتموين السيارات الملاكي بـ 20 لترًا كل أسبوعين، وسيارات الربع نقل بـ 30 لترًا كل أسبوعين، محذرًا من يخالف ذلك بمعاملته معاملة الإرهابي.

وأعلن محافظ شمال سيناء بنفس المؤتمر السماح للصيادين بالصيد داخل مياه البحر بعمق 500 متر فقط لأول مرة بعد توقف 4 شهور، وصرف 2000 جنيه (112 دولارًا) إعانة عاجلة للصيادين و500 جنيه (28 دولارًا) لأصحاب المهن غير المنتظمة، تعويضًا لهم خلال الفترة التي أعقبت العملية الشاملة من توقف أعمالهم، وهي الإجراءات التي اعتبرها المراقبون تأكيدًا لما جاء في تقرير منظمة هيومين رايتس ووتش عن الأوضاع المأساوية بسيناء وحرب الإبادة التي يشنها الجيش هناك.

أهل الديار يشمون الرائحة

وقد عبر نشاط سيناويون عن عدم قناعتهم بما يعلنه جيش السيسي عن أهدافه في سيناء، مؤكدين أنَّ كل شيء يدور حولهم يشير إلى أن هناك عملية منظمة لتطفيشهم من أجل صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي مؤخرًا، واستدلوا بقرار رئيس الوزراء المصري رقم 215 لعام 2017، الذي سمح للسيسي وللأسباب التي يقدّرها بعد موافقة وزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات العامة ومجلس الوزراء، معاملة من يتمتع بجنسية إحدى الدول العربية ذات المعاملة المقررة للمصريين في المرسوم رقم 14 لسنة 2011، بالنسبة للوحدات بغرض الإقامة في سيناء.