العدسة: محمد العربي

أعاد ظهور المعتقل المصري أشرف حسن إبراهيم بسجن الوادي الجديد منذ أيام، بعد اختفاء استمرَّ خمس سنوات كاملة؛ منذ أحداث المنصة التي سبقت فض اعتصام رابعة العدوية- ملفَ المنسيِّين في السجون المصرية، أو ما يُعرَف بالاختفاء القسري الذي كان أبرز ملامح الانقلاب العسكري الذي جرى بمصر على يد وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو 2013.

ويمثّل الاختفاء القسري أحد أبرز العناوين السيّئة التي يحفل بها ملف حقوق الإنسان المصري، والذي تنوَّعت عناوينه بين التصفيات الجسدية، والحبس خارج إطار القانون، والمحاكمات الجائرة، ومئات أحكام الإعدام التي صدَرَت ضد معارضي السيسي وتم تنفيذ العشرات منها.

شهادات توثيقية

وطبقًا لشهادات وثّقها “العدسة” من أهالي المعتقلين الذين اختفوا قسريًا، فإنَّ الاختفاء يبدأ بالاعتقال الذي يمكن أن يتم من المنزل أو العمل أو من الطرقات والمظاهرات، ووفقًا للقانون المصري فإنّه لا يجوز احتجاز المتهم أكثر من 24 ساعة، ثم يتم عرضه على النيابة العامة لتحديد مصيره، إما بالحبس أو إطلاق سراحه، إلا أنَّ هذه القاعدة الأخيرة لم تحدث مع الآلاف الذين تمّ اعتقالهم وإخفاؤهم لمدد وصلت لعدة شهور وآخرها لعدّة سنوات، كما هو الحال مع المعتقل أشرف حسن إبراهيم.

وحسب المحامين الذين تابعوا حالة إبراهيم فإنَّ السلطات المصرية أنكرت أنه في حوزتها منذ اختفائه بأحداث المنصة التي شهدها محيط ميدان رابعة العدوية في السابع والعشرين من يوليو 2013، ولم يتم التوصل إليه من خلال محاضر النيابة العامة، وفي أكتوبر 2015 قرَّرت إحدى محاكم الجنايات إخلاء سبيل 16 معتقلًا تم القبض عليهم في أحداث المنصة، ليسدل الستار على المذبحة التي راح ضحيتها 80 معتصمًا، إلا أنَّ المفاجأة أنَّ اسم إبراهيم لم يكن بين المعتقلين الـ 16، ولا بين الشهداء الثمانين، مما دفع ذويه للتأكُّد أنَّ نجلهم قد مات ولم يتم الاستدلال على جثمانه، حتى كانت المفاجأة بظهوره بسجن الوادي الجديد بالصحراء الغربية.

أماكن مرعبة

وتشير الشهادات التي حصلنا عليها أنَّ الاختفاء القسري غالبًا ما يكون بمقار الأمن الوطني بمدينة نصر، أو الشيخ زايد؛ حيث يتعرَّض المعتقلون لتعذيب شديد من أجل إجبارهم على الاعتراف بتورطهم في قضايا أو أن يعترفوا على آخرين في قضايا أخرى، وفي كثير من الأحيان فإنَّ عددًا منهم يلقى حتفه نتيجة التعذيب، ولكي تتستر الأجهزة الأمنية على ذلك، ويتم نقلهم لأي شقة أو عشة بالصحراء ليُعْلَن فيما بعد عن تصفيتهم نتيجة الاشتباك معهم، ويتبيَّن بعدها أن أهالي هؤلاء المعتقلين كانوا قد تقدَّموا ببلاغات للنائب العام فور اختفاء أبنائهم مما يفضح روايات الداخلية المصرية.

وبالإضافة لمقار الأمن الوطني يحتلّ السجن الحربي بمحافظة الإسماعيلية والمشهور بـ”العازولي”، مكانة متقدمة في أماكن احتجاز المعتقلين بالشهور، وروى أحد الذين دخلوا هذا السجن لـ”العدسة” أنه اعتقل من منزله بمحافظة الدقهلية، وتم إيداعه مباشرة بالعازولي لمدة تقترب من أربعة أشهر منتصف عام 2014، وكان يتم التحقيق معه من خلال ضباط الأمن الوطني وضباط المخابرات الحربية، وفي بعض الأوقات كان يتم نقله لمقر المخابرات الحربية بمحافظة السويس لمزيدٍ من التحقيقات، وهو ما كان يمثّل له متنفسًا بعيدًا عن التعذيب الذي كان يتعرَّض له طوال اليوم وحتى أثناء التحقيق، مؤكدًا أنه التقى بالعشرات سبقوه للغازولي بشهور كثيرة، ومازالوا في أماكنهم يتعرّضون لتعذيب بشع، ومنهم من مات أمام عينيه نتيجة هذا التعذيب، وتمّ دفن جثمانه بالصحراء كما كان يؤكّد لهم بعض ضباط السجن.

ثغرات قانونية

وطبقًا لدراسات حقوقية عديدة أبرزها دراسة لمنظمة هيومن رايتس مونتور فإنَّ الاختفاء القسري يعدّ سمة مميزة للحكم المصري بعد انقلاب يوليو 2013 بعد أن حلّت الأجهزة الأمنية محلّ الأجهزة القضائية، فيتم اختطاف الشخص وتعذيبه تعذيبًا شديدًا لإجباره على الاعتراف بالتهم الملفقة له، فاذا اعترف ظهر بعد أن يتم تسجيل اعترافاته على التلفاز وإذاعتها بالرغم من ظهور علامات تعذيب واضحة على وجهه وجسده.

وأشارت المنظمة أنَّ النيابة العامة كثيرًا ما تتجاهل آلاف الشكاوى التي تُقدِّمها أسر الضحايا والتي تفيد بكونهم في حوزة السلطات المصرية منذ لحظة القبض عليهم، إلا أنَّ النيابة العامة لا تقوم بدورها؛ فهي لا تنظر في هذه البلاغات ولا تقوم بالتحقيق فيها أو إعطاء عائلات المختفين قسريًا أية معلومة عن ذويهم.

وطبقًا للمنظمة الحقوقية فإنَّ النيابة تعد شريكًا أساسيًا في الجريمة التي تقوم بها السلطات المصرية، فإضافة لتلفيق التهم وتجاهل بلاغات الضحايا وذويهم تقوم بسلبهم جميع حقوقهم القانونية والإنسانية وتودِي بهم ظلمًا إلى الهلاك، واستدلّت المنظمة بقضية عرب شركس التي تم إعدام المعتقلين فيها، وتجاهل المحكمة لإثباتات هيئة الدفاع عن المعتقلين التي تحدثت عن اعتقالهم قبل فترة من حدوث عملية عرب شركس، وأصرَّت على إصدار حكمها بالإعدام ضد المتهمين بسبب انتمائهم السياسي.

جرائم ضد الإنسانية

وفي دراسة قيمة أكّد الحقوقي والمحامي المصري علاء عبد المنصف، المدير التنفيذي لمنظمة السلام لحماية حقوق الإنسان، أنّ جريمة الاختفاء القسري تدخل تحت بند الجرائم ضد الإنسانية، وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المُعتمد في 17 يوليو 1998، والذي حدّد الجرائم ضد الإنسانية بأنها أي فعل من الأفعال متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين.

ورغم أنَّ مصر ليست دولة طرفًا في هاتين الاتفاقيتين إلا أنها طرف في اتفاقيات أخرى تحمل في طياتها حقوقًا تحمي الأفراد من الاختفاء القسري، وأهم هذه الاتفاقيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية5 لسنة 1966، واتفاقية مناهضة التعذيب6 لسنة 1984، موضحًا أنَّ مُصطلح الاختفاء القسري ليس موجودًا بالتشريعات المصرية، رغم أنَّه ظاهرة باتت هي الأصل في التخلص من الخصوم السياسيين للدولة، إلا أنَّ المادة 54 من دستور 2014 نصَّت على: “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبّب يستلزمه التحقيق. ويجب أنُ يبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته”.

وتشير الدراسة أنَّ عشرات الشكاوى تصل يوميًا للمنظمات الحقوقية “المحلية والدولية”، تفيد تعرُّض مواطنين مصريين للاختفاء القسري على يد رجال الأمن، مع تأكيد ذويهم على عدم توصلهم إلى مكان احتجازهم، حتى أصبحت تلك الظاهرة متكررة بشكلٍ يومي، ووصلت لقرابة 3200 حالة قبل مايو 2018.

أرقام 2017

وفي تقرير إحصائي لمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب عن مخالفات حقوق الإنسان في العام 2017 أشار التقرير إلى أنَّ هذا العام وحده شهد 1274 حالة اختفاء قسري، و1237 حالة ظهور بعد الاختفاء، و386 حالة عنف من قبل الدولة، ويؤكد التقرير أنهم لم يرصدوا ظهور أحد من المختفين قسريًا في دولة أخرى بين صفوف داعش، كما ادّعى بعض المسؤولين والإعلاميين وأحد المتحدثين باسم المجلس القومي لحقوق الإنسان، بل ظهروا في النيابات وأقسام الشرطة والمحاكم، وكلها مؤسسات تابعة وخاضعة للدولة.

فئات مختلفة

وقد رصدت التقارير الحقوقية المتعددة أنَّ الاختفاء القسري شمل كل فئات الشعب المصري فمن بينهم صحفيون، كما هو الوضع الحالي مع الصحفي الشاب محمد سعيد، الذي تمّ اعتقاله قبل شهرين وما زال مختفيًا، ومن قبله الصحفي معتز ودنان الذي أجرى الحوار الشهير مع المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق، والذي ظهر بعد أسبوعين من اختفائه، ومن قبلهم كل من الصحفيين حسن القباني وحسام الوكيل، واللذان تم إطلاق سراحهما مؤخرًا.

كما ضمَّت قائمة المختفين قسريًا المحامي والحقوقي عزت غنيم، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والذي تمّ اعتقاله على خلفية الفيلم الوثائقي الشهير لـ bbc الإنجليزية، عن الاختفاء القسري، وظهر بعدها بفترة في نيابة أمن الدولة العليا، وغيره من المحامين، إلا أنَّ الظاهرة التي تستحق التوقف هي حدوث الاختفاء القسري لأسر وعائلات كاملة، كما حدث مع عائلة آل مضر حيث اعتقل الزوج وزوجته ورضيعتهما وشقيق زوجته وأنكرت السلطات المصرية معرفتها بهم ثم ظهروا بعدها بشهر في نيابة أمن الدولة العليا، وتم إلحاقهم بالقضية 441 أمن دولة عليا، مع عدد آخر من الإعلاميين والسياسيين والحقوقيين.