العدسة _ أحمد فارس
على مدار الأيام الماضية، خصَّصت أغلب الصحف ووسائل الإعلام الموالية للنظام المصري الحالي مساحات كبيرة للحديث عن دعم الدولة للوقود.
الحملة التي تنشرها الصحف بشكل متواصِل في صفحاتها الأولى، لا يمكن وصفها إلا بـ”الممنهجة”، خاصةً وأنها تنشر بنفس الأرقام في أغلب الصحف، فضلًا عن بثِّها في قنوات فضائية في صورة “فيديوجراف”.
الغريب أنَّ الحملة لم تواكِب زيادة أسعار الوقود مباشرة، ولكنها جاءت متأخِّرة، بما يثير علامات استفهام حول دلالاتها في الوقت الحالي، وما المقصود منها الآن؟
حملة ممنهجة
قبل زيادة أسعار الوقود قادَت الصحف ووسائل الإعلام المملوكة لجهات سيادية في الدولة حملةً للحديث عن زيادة تحمُّل الدولة أعباء الفارق بين الوقود الذي يُباع في السوق، والأسعار العالمية التي تتصاعد.
نفس الأرقام بنفس الترويج لضرورة زيادة أسعار الوقود، لمواكبة السوق العالمي، والزيادات المستمرة خلال الفترة المقبلة، دون الإشارة صراحة إلى أنَّ هذه الزيادات استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي.
وحصلت مصر على قرض صندوق النقد الدولي المقدَّر بـ12 مليار دولار، على شرائح ودفعات، يسبق منح مصر كل دفعة إجراءُ تقييمٍ لإجراءات الحكومة المصرية، ومدَى الالتزام بتوجيهات الصندوق.
اشتراطات قرض صندوق النقد الدولي واضحة منذ البداية، فيما يتعلّق برفع الدعم تدريجيًا عن الطاقة حتى يصل إلى صفر، والذي يفترض أن يحدث بحلول يونيو 2019.
وبخلاف رفع أسعار الوقود، فإنَّ هناك توجيهات ببيع شركات القطاع العام وقطاع الأعمال، وطرح أسهمها في البورصة، وتقليل عدد موظفي الحكومة، وهي الخطة التي يسير فيها النظام الحالي.
الحملة التي يدفع بها النظام الحالي في وسائل الإعلام المختلفة، على مدار الأسبوعين الماضيين، أساسها معلومات وتقارير أُرسلت من جهات رقابية وسيادية، وبعض الدوائر التي تُسَيِّر الأوضاع في الإعلام.
وبحسب ما هو معروف في الأوساط الإعلامية، فإنَّ ثمة تعليمات متواصلة لوسائل الإعلام المختلفة بالحديث عن موضوعات مُعيَّنة في توقيتات من اختيار النظام الحالي.
فمثلًا في مسألة ارتفاع الأسعار الوقود، فإنَّ الأرقام الأخيرة التي توضِّح حجم دعم الدولة للوقود، والأرقام التي تنشر في هذه الحملة، جميعُها مرسلة من جهات مسؤولة عن إدارة المشهد الإعلامي، فضلًا عن مواد صنعتها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء.
امتصاص الغضب!
يمكن تفسير هذه الحملة الممنهجة في إطار محاولة امتصاص الغضب الشعبي، الذي صاحب الزيادات الجديدة في أسعار الطاقة، وتحديدًا زيادة الوقود.
ويترتب على زيادة أسعار الوقود زيادة في أسعار أغلب السلع، خاصة وأنها جميعًا تُنقل، بما يزيد من الأعباء على المواطنين، ويسفِر عن تصاعد حالة الغضب أكثر وأكثر.
وسائل الإعلام حاولت منذ بداية تطبيق الزيادة الجديدة على أسعار الوقود، بث تقارير مع مواطنين يؤكدون خلالها برضاهم عن الزيادة، خاصة وأنها يمكن أن تصبّ في صالحهم وتوجيهها إلى قطاعات خدمية أخرى.
ولكن في الحقيقة ومن خلال مطالعة التعليقات الساخرة من نشر هذه المواد الإعلامية سواء في الصحافة وعبر القنوات الفضائية، فإنَّ هناك خللًا كبيرًا، ونتائج عكسية لبثّ مثل هذه المواد الإعلامية.
وبدا أنَّ رسم صورة عامة بعدم وجود غضب من ارتفاع أسعار الوقود لم يكن له فائدة بل على العكس، بما جعل التوجُّه نحو استخدام رسائل أخرى لتهدئة الشارع المصري.
هذه الرسائل كان أساسها الحديث عن الضغوط التي تتعرَّض لها الدولة بفعل تحمل الفارق بين الأسعار العالمية التي تتزايد وبين سعر اللتر الواحد في السوق المحلي، بما يؤثِّر سلبًا على قدرة الدولة على الوفاء بالالتزامات تجاه المواطنين.
كما تحمِل الرسائل، تهديدًا مبطنًا للمواطنين، إما اتخاذ هذه الإجراءات، أو “الدمار” وعدم الوفاء بأي التزامات، وهي محاولات لم يتوقف النظام الحالي على تصديرها، في كل الأزمات الاقتصادية، ويبقى المواطن محتجزًا بين اختيار السيئ والأسوأ دائمًا، خوفًا من مصير ومستقبل مجهول.
ولكن رسائل النظام الحالي ليست لتهدئة الغضب الشعبي، ولكنَّها لإثارة الفزع وتخويف المواطنين مع أي تحركات رفضًا لقرارات الحكومة، وهو ما صرَّح به السيسي أكثر من مرة، قائلًا: “التحرك مثل 25 يناير يعني دمار الدولة”.
تمهيد لزيادة جديدة
ولكن أغراض الحملة الممنهجة لا يتوقف فقط على توصيل رسائل بعينها للمواطنين، وإنما أيضًا ربما تكون تمهيدًا لزيادة قريبة في أسعار الوقود.
من فحوى مطالعة ما تتحمله الدولة بين السعر العالمي والمحلي، تظهر وجود رغبة في زيادة الأسعار مرة واحدة على الأقل خلال العام المالي الحالي، قبل الزيادة الأساسية في يونيو المقبل، بحسب توجيهات صندوق النقد الدولي.
وقبل التطرق لزيادة مرتقبة في أسعار الوقود، يجب العودة بالوراء قليلًا إلى نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري؛ إذ انتشرت أخبار تتحدث عن توصيات صندوق النقد الدولي، بضرورة زيادة أسعار الوقود بحدّ أقصى خلال يناير أو فبراير الماضيين، لمواجهة الزيادة الجديدة في الأسعار العالمية.
ولكن رفض النظام الحالي هذه الزيادة، متعللًا بعدم القدرة على اتخاذ مثل هذه الخطوة قبل شهر أو اثنين من الانتخابات الرئاسية الماضية، التي بدأت في مارس الماضي.
ولكن ظلّت مطالبات صندوق النقد الدولي قائمة تمامًا منذ ذلك الحين، وهو ما يفتح الباب أمام إقرار زيادة جديدة في أسعار الوقود بدلًا من تلك التي تأخّرت منذ بضعة أشهر.
وخلال التقييم الأخير لصندوق النقد الدولي للأوضاع الاقتصادية في مصر، فإنَّ ثمة توجيهات جديدة خلال المرحلة المقبلة، يأتي في مقدمتها إنهاء دعم المواد البترولية بحلول يونيو المقبل.
وبحسب تقارير صحفية، نشرت نتائج التقييم، فإنَّ الصندوق طالب بزيادة أسعار الوقود للوصول بها إلى 100% من قيمة التكلفة بحدّ أقصى في 15 يونيو 2019.
ولكن هذه التوجيهات تتناقض مع تصريحات المهندس طارق الملا، وزير البترول، أنَّه سيتم رفع الدعم عن أسعار الوقود نهائيًا خلال عامين أو ثلاثة أعوام كحد أقصى.
وأوضح الملا أنَّ الدولة تسير على نهج واضح وخُطى ثابتة من أجل إلغاء الدعم على المواد البترولية بشكل كامل؛ حيث سيتم تحريك أسعار الوقود على دفعتين أو ثلاث دفعات.
حديث الملا يكشف وجود تباعد كبير بين توصيات صندوق النقد ورؤية الحكومة المصرية، بما يجعل هناك صعوبة في تحقيق رؤية الأخيرة، خاصة وأنَّ دفعات القرض لا تمنح للحكومة، إلا بعد تنفيذ رؤية مسؤولي الصندوق، بما يضع الحكومة في مأزق التنفيذ أولًا لسياسات الصندوق.
اضف تعليقا