كتب- باسم الشجاعي:

لخَّصت الصورة التي ظهرت وسط الفعاليات المناهضة للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في لندن مؤخرًا وهو يجرّ خلفه ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” وولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” من يديهما بعد أن ربطهما كالعبيد.. طبيعة العلاقة التي تجمع أنظمة الخليج بالولايات المتحدة الأمريكية، من وجهة نظر الغرب، وكيف يرونها علاقة تبعية لا يمكن لتلك الأنظمة الفكاك منها أو الابتعاد عنها.

ولِمَ لا؟ فرصيد العلاقات بين الطرفين يسمح بذلك؛ فقد سبق وأن وصف المليادير “دونالد ترامب”، خلال فترة ترشُّحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية السعودية بـ”البقرة الحلوب،” التي تُدِرّ ذهبًا ودولارات، دون اعتراض من الرياض وقتها.

ويعدّ “ترامب” بذلك أول مرشح في تاريخ الانتخابات الأمريكية ينتقد السعودية علانية ويقلّل من شأنها في الأجندة الخارجية الأمريكية.

الرئيس الأمريكي رأى وقتها، أنّه في حال ما جفَّ ضرع هذه البقرة ولم يَعُد يعطي الدولارات والذهب سيَأمُر بذبحها أو سيطلب من غيره بذبحها، ليس هذا وحسب، بل أكد أنه سيساعده.

ويأتي ذلك على عكس السياسة الأمريكية قبل تولّي “ترامب” الرئاسة؛ حيث كان استقرار المنطقة والخليج على رأس أولويات أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، ويشمل ذلك استقرار العلاقات بين هذه الدول، بجانب مظلّة الحماية من “التهديد الإيراني”.

ولكن مع تولّي “ترامب”، ذي العقلية التجارية المَحْضة، تغيّرت الأمور بشكل جذري، وأصبحت سياسة واشنطن فيما يتعلق بالخليج هو تحصيل أكبر قدرٍ ممكن من الأموال كنوع من التعويض الذي يراه الرئيس الأمريكي واجبًا لتصحيح “أخطاء” رؤساء أمريكا السابقين.

وتجسّد ذلك أيضًا في المشهد المهين الذي ظهر في مارس الماضي، حينما عرضَ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، خلال لقائه بولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، في واشنطن، لوحة عليها المبالغ التي سوف تدفعها السعودية لأمريكا، مقابل صفقات الأسلحة التي أبرمت بين الطرفين.

ووجّه “ترامب” حديثه لـ”ابن سلمان”، قائلًا: “هذه المبالغ زهيدة بالنسبة لكم.. السعودية ثرية جدًا وستعطينا جزءًا من هذه الثروة”.

فنتائج تلك السياسات الأمريكية الجديدة في المنطقة شديدة الوضوح للعيان، وهو ما دفع متظاهري لندن لتجسيد صورة ولي العهد السعودي ونظيره الإماراتي كالعبيد في يد “ترامب”.

موقع “العدسة” يرصد في التقرير التالي، كيف أصبح النظامان السعودي والإماراتي في انتظار ما يُمْلِيه “ترامب” والإدارة الأمريكية الجديدة عليهما.

البداية من قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، وإعلان المدينة المحتلة عاصمة لدولة “إسرائيل”؛ حيث اختلف الموقف الرسمي في السعودية والإمارات عن باقي الدولة العربية والإسلامية الرافضة للقرار.

فالقدس والقضية الفلسطينية لم تعُد في الوقت الحالي من أولويات السعودية والإمارات؛ فبحسب وثيقة سعودية مسرَّبة نشرها حساب “العهد الجديد” على موقع تويتر من تقرير مُوجَّه من وزارة الخارجية السعودية إلى الديوان الملكي، حول العلاقات الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة، كاشفة عن موقف ولي العهد من نقل السفارة الأمريكية للقدس وإعلانها عاصمة لـ”إسرائيل”.

الحساب” الذي يصف نفسه بأنّه راصد ومحلّل لمظاهر التغيير في السعودية وقريب من غرف صناعة القرار، قال: إنّ “ولي العهد “محمد بن سلمان” أيّد موضوع نقل السفارة منذ بدايته، إضافة إلى أنه الشخصية العربية الأكثر تواطؤًا بهذا الملف”.

وكشف التقرير أيضًا أن “ابن سلمان” نفسه، كتب رسالة رسمية إلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، تلخص التعهدات السعودية غير المسبوقة بالمشاركة مع مصر والولايات المتحدة في التمسك بالشروط الأمنية لمعاهدة السلام التاريخية بين مصر ودولة الاحتلال.

كما نَجَحت استراتيجية “ترامب” في الحصول على صفقة كبرى مع السعودية بمئات مليارات الدولارات وأكثر من مليون وظيفة للأمريكان، رغم أنَّ الولايات المتحدة ربما لا تحتاج إلى كل هذه الصفقات ولا الرياض تحتاج لكل هذه الأسلحة.

ولكن السر يَكمُن فيما قاله “ترامب” نفسه منذ 30 عامًا في كتابه الأول والأشهر والأكثر مبيعًا حينها: “طريقتي في التعامل بسيطة‏، أحدّد أهدافي عالية جدًا ثم أحاول جاهدًا تحقيق ذلك”‏.‏

فـ”ترامب” بنجاحه في تلك الصفقات والحصول على كم هائل من أموال السعودية، سنّ سُنة سيئة ستفتح الباب أمام من سيأتي من بعده على استخدام نفس الحيلة والنظر للخليج كلما أراد أن يحصل على أموال، بحسب ما يرى خبراء ومتابعون.

كما استخدم “ترامب” النفط العربي سلاحًا سياسيًا لمصالح أمريكا، وحليفتها المُدلّلة “إسرائيل”؛ حيث سبق وأعلن مُتباهيًا تلبية الملك السعودي “سلمان بن عبدالعزيز” لدعوته بزيادة حصّة المملكة من إنتاج النفط بنسبة مليون برميل سعودي يوميًا.

تصريح “ترامب” الذي أوْرَدَه فور انتهائه من مُكالمة هاتفية مع الملك السعودي بتغريده له على تويتر قال فيه: “تحدّثت للتوّ مع الملك “سلمان”، وأطلب من السعودية زيادة إنتاج النفط، وربما يصل إلى 2,000,000 برميل، لتشكل فرق الأسعار المرتفعة لقد وافق”.

ومن جانبها لم تجد الرياض بدًّا من الإعلان عن هذه المُكالمة مع شعورها بالحرج من الإفصاح صراحة عما اتفق عليه الزعيمان.

ما يعني ذلك أنّ الطلب “الأمر” الأمريكي الموجّه للمملكة- والذي أتى بعد أيام من اتفاق منظّمة “أوبك” على زيادة بالإنتاج بنسبة تصل إلى 700 ألف برميل يوميًا بعد ضغوط أمريكية- جاء لحسابات سياسية بحتة وليس فقط لحسابات اقتصادية أمريكية.

فـ”ترامب” الذي يُعدّ الحاكم الفعلي لمنظمة “أوبك” يضغط على حلفائه لمقاطعة النفط الإيراني والفنزويلي، وأراد بطلبه هذا تجاوز عقبة نقص النفط- المحتمل- بالأسواق العالمية جراء المقاطعة المفترضة، ولم يجد أمامه سوى الشريك السعودي المطيع.

كما رفضت كل من الرياض وأبو ظبي انتقاد قرار “ترامب”، بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية إلى بلاده، وذلك في وقت يواجه فيه هذا القرار انتقادات شديدة داخليًا وعالميًا وعربيًا.

الإعلان عن موقف الرياض من هذه القضية جاء على لسان وزير الطاقة السعودي، “خالد الفالح”، قائلًا: “لكل دولة الحق في القضاء على المخاطر التي يتعرَّض لها شعبها”.

أما وزير الخارجية الإماراتي، “عبد الله بن زايد آل نهيان”، اعتبر قرار “ترامب”، بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية إلى بلاده قرارًا سياديًا للولايات المتحدة، ولا يستهدف دينًا بعينِه.

وهْم الحماية

علاقة “ترامب” مع دول الخليج وخاصة “السعودية” والإمارات” في الآونة الأخير تثير الاستغراب، فضلًا عن العديد من التساؤلات، وخاصة أنَّ الأول لا يألو جهدًا ولا يفوّت فرصة دون الحديث عن الدفع مقابل الخدمات، فضلًا عن كيل الإهانات التي صبّها على الرياض، تحديدًا حينما كان مرشحًا في الانتخابات الرئاسية.

ويعدّ أحد أبرز الدوافع السعودية المعلنة التي تقتضِي عقد صفقات قياسية مع الولايات المتحدة، هي المواجهة مع إيران، فضلًا عن الدعم في الحرب على اليمن التي دخلت عامها الرابع.

ليس هذا وحسب، بل سبق وأن كشف الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، عن أنّ “ترامب” قال صراحة، عقب تولّي “بن سلمان” ولاية العهد: “لقد هندسنا انقلابًا ووضعنا رجلنا على القمة”.

ولعلّ ذلك يوضِّح سبب تعامل إدارة “ترامب” ببرودة مع أزمتي اليمن وقطر.

وإذا كان ذلك هو حال الأداء الأمريكي فيما يتعلق بأزمتي اليمن وقطر، فمن الطبيعي أن يكون أكثر سوءًا فيما يرتبط بملف حقوق الإنسان في السعودية وخارجها.

فسبق لـ”ترامب” أن قال: إنه لا يريد فرض القيم الأمريكية عليها– في إشارة للسعودية- وعلى غيرها من الدول التي تدعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ويعدّ تصريح “ترامب” مجاراةً لوجهة نظر ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” الذي تذرَّع هو الآخر، لدى سؤاله عن الأوضاع الحقوقية خلال زيارته لواشنطن، قائلًا: “قِيمُنا مختلفة عن قِيمكم”.