العدسة : محمد العربي

تساؤلات عديدة تصاحب اللقاء الخامس الذي يجمع بين رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي، والرئيس السوداني عمر حسن البشير، بالعاصمة السودانية الخرطوم، وهي التساؤلات التي فرضت نفسها نتيجة التكتم الشديد عن الأهداف الحقيقية للزيارة، خاصة وأنها الأولى للسيسي في ظل ولايته الثانية، فهل هي متعلقة بسد النهضة، أم أنها متعلقة بحرب اليمن، أم أن ترتيبات المنطقة المتقلبة هي المحور الأساسي لهذه الزيارة؟!

تكتم مسبق

السلطات السودانية من جانبها استقبلت الزيارة بإخطار المكاتب الإخبارية لوكالات الأنباء والمحطات الفضائية غير السودانية بأنّ تغطية الزيارة مقصورة على عدد محدّد من وسائل الإعلام الرسمية المصرية والسودانية، ولم تُبْدِ السلطات السودانية أسباب هذا الإجراء، بينما أكدت مصادر متعددة أن هذا الإجراء كان بناءً على طلب من الجانب المصري، خوفًا من إحراج السيسي بأسئلة من وكالات مخالفة لنظامه وأهمها الجزيرة القطرية.

كما أشارت مصادر صحفية سودانية أنَّ الزيارة تأتي استجابة لدعوة من البشير لحضور اتفاق توقيع المصالحة بين أطراف النزاع بدولة جنوب السودان، وهي المصالحة التي ترعاها السودان وتتبناها إثيوبيا، وتراقبها مصر، وطبقًا للمصادر ذاتها فإنّ الفرقاء بجنوب السودان فشلوا الأربعاء الماضي في التوقيع على مسودة الوساطة التي قدمتها الخرطوم حول تقاسم السلطة بجوبا، وهي المسودة التي كان مقررًا أن ترتقي لوثيقة تصالح يتم توقيعها بين حكومة سيلفا كير والمعارضين له بحضور كل من البشير والسيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إلا أنَّ الفشل في التوصل للاتفاق أدَّى لعدم إعلانه للإعلام حتى الآن.

تطور بحذر

وقد امتازت العلاقات المصرية السودانية منذ انقلاب يوليو 2013 بتقلب شديد، وصلت لحدّ التهديد بالحرب وسحب الخرطوم لسفيرها من القاهرة، إلا أنه سرعان ما عادت العلاقات لهدوئها الحذر بين الطرفين مرة أخرى، لتشهد تقدمًا بالعديد من الملفات المشتركة، وقد أرجع العديد من المتابعين هذا التطور لرئيس المخابرات المصري الجديد عباس كامل الذي ليّن كثيرًا من المواقف المشتركة بين البلدين بعد زيارات مكوكية قام بها في الأشهر الأخيرة، إلا أنَّ هذا لا يمنع أن النوايا بين الجانبين ليست طيبة تمامًا، في ظل المصالح المشتركة والمتقلبة التي تجمع الشقيقتين الهامتين.

ورصد المختصون أنَّ زيارة السيسي التي تم الكشف عنها مؤخرًا لم تكن مدرجة بجدول زياراته الخارجية، كما أنها تأتي قبل شهرين من زيارة أخرى على جدول أعمال السيسي للخرطوم للمشاركة في أعمال اللجنة العليا بين البلدين والتي تعقد دورتها القادمة بالخرطوم، وهو ما دفع المراقبين للتأكيد عن أن الزيارة الجارية لها أهداف أخرى غير المعلنة على لسان المتحدث باسم الرئاسة المصرية أو التي صرَّح بها السفير السوداني بالقاهرة، للبحث عن آليات العمل المشتركة بين الدولتين والتباحث حول مقاومة الإرهاب، وما شابه ذلك من تصريحات دبلوماسية.

وانطلاقًا من ذلك وفي حال حضور السيسي لحفل توقيع اتفاق المصالحة بين الفرقاء الجنوبيين، فإنّ جزءًا من هدف الزيارة يكون قد تكشَّف وهو رغبة الخرطوم بأن تكون مصر حاضرة في الاتفاق الهام الذي تشارك فيه إثيوبيا باعتبارها رئيسة قمة الإيجاد الإفريقية، ومن هنا تأتي رغبة الخرطوم لغلق الباب أمام القاهرة بنقض الاتفاق أو اللعب في ملف جنوب السودان من الأبواب الخلفية، في ظلّ قناعة سودانية معلنة بأنّ القاهرة دَعَمت فصائل الجنوب المنشقة بالسلاح والعتاد لتظل الحدود الجنوبية للسودان مشتعلة، بالإضافة للحدود الغربية في دارفور، ومن هنا يأتي تفهم الزيارة التي لم تكن مدرجة على جدول الأعمال بين البلدين قبل أسبوع من الآن.

الرقم 22

وباللقاء الجاري بين السيسي والبشير يصل عدد اللقاءات المشتركة التي جمعت بينهما 22 لقاءً خلال 4 سنوات، بما يعني أن اللقاءات بينهما هي الأكثر لدى السيسي، وهو ما يطرح تساؤلًا عن تطور العلاقات المصرية السودانية، وهل هي تسير في الطريق الإيجابي أم أنها تسير في الاتجاه المعاكس؟!

الإجابة على هذه التساؤلات تشير إليها تطورات الأحداث بين البلدين والتي امتازت بالتوتر الذي بلغ ذروته في يناير 2018 بسحب السودان لسفيرها بالقاهرة، وكشفها لوجود حشود معادية على حدودها مع إريتريا بدعم مصري وإماراتي، وهي الحشود التي اعتبرتها الخرطوم موجهة لها ولأديس أبابا بسبب موقفهم المتناغم في قضية سد النهضة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب منح السودان ميناء سواكن لتركيا بامتياز طويل الأمد.

إلا أنّ الأمور عادت لهدوئها بعد لقاء ثلاثي جمع بين البشير والسيسي ورئيس وزراء إثيوبيا السابق على هامش أعمال القمة العربية الأخيرة بالسعودية، لتشهد العلاقات الثلاثية انتعاشًا دبلوماسيًا، إلا أنه انتعاش لم يكن له نتائج ملموسة على أرض الواقع في أهم القضايا الخلافية بين الثلاثي الإفريقي وهي قضية سد النهضة.

رجل التوازنات

البشير الذي يعرف برجل التوازنات في القارة السمراء، التقط طرف الخيط الذي ألقاه السيسي وأعاد الدفء للعلاقات المشتركة بين البلدين بإجراءات ملموسة لتهدئة الغضب المصري كان أبرزها إعادة السفير السوداني للقاهرة، ثم إقالة وزير الخارجية إبراهيم الغندور والذي يبدو أنه كان سببًا في شدة الأزمة مع القاهرة، كما اتخذ عدة إجراءات لإنهاء وجود قيادات الإخوان المسلمين الهاربين من نظام السيسي للخرطوم، وهو ما تمثّل في تسليم السلطات السودانية لأحد شباب الإخوان للسلطات المصرية، والذي تم تصفيته على يد الأمن المصري بعد ذلك.

القاهرة من جانبها ردَّت على خطوات الخرطوم بأخرى مماثلة، من خلال التضييق على معارضي النظام السوداني المقيمين بمصر، ولذلك جاء منع الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، وزعيم تيار نداء السودان المعارض من دخول مصر في يونيو الماضي، كخطوة في هذا الإطار.

ويرى المتابعون أنّ هذه الإجراءات من البشير كانت منتظرة في ظل قناعته بأهمية مصر في تخفيف الأزمات الداخلية ببلاده، وهو في هذه الحالة لا يعتمد على مساعدات مصرية لجارتها الجنوبية، ولكن من خلال أن تمنع القاهرة أصابعها التي بدأت تلعب في الجبهة الداخلية بالسودان وهو ما أقلق البشير الذي وجَد نفسه مضطرًا لمقابلة اللواء عباس كامل المرة تلو الأخرى.

وعلى صعيد آخر فإنَّ السودان باتت مدركة بأن القاهرة ليست مهتمة بإتمام مشروع سد النهضة من عدمه، وبالتالي فهي لن تمارس ضغوطًا على الخرطوم من أجل الاصطفاف الثنائي بينهما ضد أديس أبابا، وانطلاقًا من ذلك فتح البشير الباب أمام السيسي ليشاركه في الدعاية السياسية المعنية بإنهاء الحرب الدائرة بجنوب السودان، وفي نفس الإطار تهدئة مخاوف السيسي من الوجود التركي الملحوظ داخل الأراضي السودانية، وخاصة بمدينة وميناء سواكن المطل على البحر الأحمر، والذي تعتبره القاهرة تهديدًا مباشرًا لها.

ماذا تريد القاهرة

إلا أنَّ التساؤل الذي يبدو مُلِحًا هو عن الاستفادة التي تعود على مصر من هذه الزيارة، وهل السودان ذات تأثير على الملفات المرتبطة بمصر بعد انضمام الخرطوم لصف إثيوبيا في أهم قضية مشتركة وهي سد النهضة.

وطبقًا للمتابعين لملف العلاقات السودانية المصرية، فإنَّ القاهرة لم تستفد حتى الآن من علاقاتها الخارجية باستثناء ما حققته من دعم إماراتي وسعودي لتثبيت أركان الانقلاب الذي قام به السيسي.

وتشير التقديرات أنَّ زيارة السيسي تهدف في الأساس لضمان استمرار الخرطوم ضمن القوات العربية المشاركة في التحالف السعودي والإماراتي باليمن، في ظل تململ الخرطوم من استمرار قواتها نتيجة تعرضها لهجمات من ميليشيا الحوثي من جانب، ومن جانب آخر وجود حالة رفض شعبي وسياسي لاستمرار مشاركة السودان في حرب ليس لها فيها لا ناقة ولا جمل إلا مساعدة الإمارات في فرض سيطرتها على اليمن الذي لم يعُد سعيدًا.

وبالتالي فإنَّ السيسي ربما يحمل في حقيبة أوراقه عرضًا إماراتيًا للخرطوم من أجل الاستمرار ضمن القوات العربية باليمن، وهو ما يمكن أن يربطه السيسي أيضًا بملف سد النهضة في محاولة للحصول على أية مكاسب ممكنة في هذا الملف الشائك.

وانطلاقًا من هذه النقطة الأخيرة فإنَّ المتابعين يرون أن القاهرة تأمل من الخرطوم أن تخفّف من دعمها الكامل لأديس أبابا في موضوع سد النهضة، بما يُمَكّن القاهرة من الضغط على إديس أبابا للقبول بالتفاهمات التي تطرحها حول طريق إدارة السد وسنوات ملئه من مياه النيل بما لا يضر بحصة مصر، وبما يضمن استمرار الاتفاق التاريخي بين القاهرة والخرطوم بأحقية الأولى في نسبة من مياه النيل الخاصة بالأخيرة.

وتشير تحليلات المتابعين أنّ القاهرة تعتمد على رياح التغيير التي تشهدها المنطقة بعد الاتفاق التاريخي بين إثيوبيا واريتريا، لإنهاء الخلاف المسلح بين الدولتين وسحب القوات المعنية بكل دولة من حدود الدولة الأخرى، وهو ما تعتبره القاهرة فرصة جيدة لتفعيل زيادة مخاوف الخرطوم تجاه الدولتين، وبالتالي العمل على تشكيل تحالف ثنائي بين القاهرة والخرطوم أمام التحالف الثنائي بين أديس أبابا وأسمرا.