العدسة: محمد العربي

في تكتُّم شديد يقوم وفد عسكري مصري رفيع المستوى برئاسة مساعد وزير الدفاع بزيارة موسَّعة للولايات المتحدة الأمريكية، في إطار مراجعة العلاقات الثنائية، طبقًا لاتفاق الورقة البيضاء بين الدولتين، وقد عقد الوفد المصري أكثر من 40 لقاءً مع المؤسسات المعنية بالتبادل العسكري، ولقاءات أخرى مع مسؤولين بوزارة الخارجية والبيت الأبيض والأمن القومي، والتقى الوفد كذلك برئيس اللجنة الفرعية للمخصصات المالية بمجلس الشيوخ، والتقوا كذلك بأعضاء في الكونجرس بمجلسيه.

هذه اللقاءات الموسَّعة التي شملت أيضًا عددًا من مراكز الأبحاث وصناعة القرار الأمريكية، تأتي في ظل حدثين هامين للنظام المصري؛ الأول متعلِّق بعدم الممانعة التي أبداها الكونجرس حول إصدار قرار بوضع جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب، أما الثاني فهو القرار المبدئي للجنة المخصصات المالية باستمرار تعليق 300 مليون دولار من المخصصات العسكرية التي تمنحها الولايات المتحدة لمصر.

لماذا المعونة

يظل السؤال المُلِحّ لدى المصريين منذ عهد مبارك وحتى كتابة هذه السطور هو ما سبب إصرار الأنظمة العسكرية التي تولَّت الحكم بمصر خلال السنوات الخمس والثلاثين الأخيرة، والتي مثّلها حسني مبارك (28 عامًا) والمجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي (عام ونصف) ورئيس الانقلاب الحالي عبد الفتاح السيسي (5 سنوات)، على استمرار المعونة الأمريكية، وخاصة العسكرية، والتي استقرَّت عند 1.3 مليار دولار سنويًا حتى عام 2015، بينما تقلصت المعونة غير العسكرية حتى وصلت لـ150 مليون دولار في عام 2015، مع الوضع في الاعتبار أنَّ المعونات العسكرية ليست نقدية، وإنما عينية وهي عبارة عن تسليم مصر لأسلحة ومعدات عسكرية، وتشمل أيضًا تكلفة الخبراء والمستشارين العسكريين، بالإضافة إلى أن تكلفة مناورات النجم الساطع السنوية تخصم من رصيد المعونة، ما يعني في النهاية أنَّ المعونة لا تمثّل قيمة إضافية للموازنة العسكرية المصرية.

وفيما يتعلق بالمعونة غير العسكرية فإن طريقة صرفها لا يختلف كثيرًا عن العسكرية، كما أنها هي الأخرى لا تمثل إضافة للموازنة العامة للدولة، كما أكدت العديد من الدراسات الاقتصادية عن جدوى المعونة الأمريكية في خدمة الاقتصاد المصري.

ويرى المحللون الذين تناولوا بالكتابة والتعليق والبحث هذا الموضوع أنَّ المعونة تمثل أهمية كبرى للأنظمة غير الديمقراطية؛ لأنَّ استمرارها يمثل اعترافًا أمريكيًا بأنَّ هذا النظام تحت الرعاية والحماية الأمريكية وبينهما شراكة سياسية، ومن هنا كان حرص نظام مبارك على استمرار المعونة أيًا كانت الشروط التي تضعها الإدارة الأمريكية، وهو نفس ما تسير عليه إدارة السيسي، الذي مازال يتشكك في قبول الإدارة الأمريكية له رغم إشادة الرئيس الأمريكي ترامب به أكثر من مرة، فضلًا عن الدعم السياسي الذي يحظى به بما مكَّنه من غلق صفحة الانقلاب الذي قام به ضد رئيس منتخب، وهو ما كان يعتبر من المحرَّمات لدى الإدارة الأمريكية.

 

الأسباب الأمريكية

وطبقًا لأرقام الإدارات الأمريكية فإنَّ إجمالي ما حصلت عليه مصر من معونات في الفترة من 1946 وحتى 2013 بلغت 73 مليار دولار، كان معظمها بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، إلا أنَّ الأعوام الماضية شهدت تقليصًا للمعونة في إطار السياسات الأمريكية العامة بتقليص نفقاتها الخارجية، تطبيقًا لبرنامج الرئيس الأمريكي بأنَّ “أموال الأمريكان حق للأمريكان فقط”.

وفي إطار هذه السياسة تتنوَّع أسباب مجلس الشيوخ المعني بإقرار المعونة في تقليص قيمتها سنويًا، ولعلَّ ما أشارت إليه صحيفة «المونيتور» قبل أسابيع بأنَّ نائب رئيس لجنة المخصصات المالية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور باتريك ليهي، قرر تعليق 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر حتى تلتزم القاهرة ببعض الشروط، دليل على ما سبق، ورغم ذلك فإنَّ الإدارة الأمريكية تستغل المعونة في مزيدٍ من الضغط على نظام السيسي للحصول على المزيد من المكتسبات سواء التي تصبّ في صالح الولايات المتحدة أو التي تصب في صالح إسرائيل.

وطبقًا لما نشرته “المونيتور” فإنَّ السيناتور باتريك ليهي أرسل عددًا من الشروط لوزارة الخارجية اﻷمريكية، والتي يرى أنه يتوجب على مصر أن تلتزم بها حتى يتوقف تعليق الأموال، ومن بينها أن تتحمل الحكومة المصرية نفقات علاج المواطنة الأمريكية أبرل كورلي التي أُصيبت أثناء هجوم بالخطأ نفذته طائرات عسكرية مصرية على قافلة سياحية في الصحراء الغربية عام 2015، وأسفرت عن مقتل 12 شخصًا معظمهم مكسيكيون، خصوصًا وأنَّ الطائرات المستخدمة كانت أمريكية الصنع، كما تشمل الشروط أيضًا إلغاء قانون الجمعيات اﻷهلية الجديد، وإلغاء إدانة 43 أمريكيًا ومصريًا عملوا في منظمات للمجتمع المدني وأدانتهم محكمة مصرية في 2011، باﻹضافة لإجراء تحقيق محايد بخصوص مقتل الطالب اﻹيطالي جوليو ريجيني في القاهرة أوائل عام 2016.

ويعد السيناتور ليهي صاحب قانون “ليهي” الذي بموجبه يعلق تقديم مساعدات لقوات أمن دول أجنبية في حال ثبوت تورُّطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كما يُعتبر الرجل طبقًا لـ “المونيتور “من أهم معارضي السيسي في الولايات المتحدة.

ووفقًا لذلك فإنَّ الإدارة الأمريكية عليها أن تلتزم بوقف 15٪، أو ما يعادل 195 مليون دولار من إجمالي المعونة العسكرية لمصر التي تبلغ 1.3 مليار دولار، للعام المالي 2017 والذي ينتهي في سبتمبر 2018،، إذا لم تحرز  الحكومة المصرية تقدمًا في سجل حقوق الإنسان والديمقراطية الخاصة بها، وبحسب القرار الجديد، تُعلق مساعدات بقيمة 105 ملايين دولار إضافية إلى جانب مبلغ 95.7 مليون دولار تمّ تعليقه في أغسطس 2017 بسبب فشل مصر في إحراز تقدُّم بمجال احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية.

 

لماذا الزيارة إذن

يرى الخبراء أن القاهرة التي تريد التأكيد على متانة علاقاتها بالإدارة الأمريكية، وخاصة في الجانب العسكري تحاول إقناع المسؤولين الأمريكان أن يطبقوا على الحالة المصرية الاستثناء الذي منحه قانون المساعدات لوزارة الخارجية الأمريكية.

وطبقًا لقانون المساعدات، فإنّه من حق وزارة الخارجية الأمريكية إصدار قرار بإعفاء القاهرة من الشرط الخاص بحقوق الإنسان، وبالتالي يتم إرسال المعونات العسكرية لمصر إذا كان ذلك لمصلحة الأمن القومي الأمريكي، على أن تلتزم الإدارة الأمريكية بتقديم تقرير للكونجرس بأسباب ذلك الإجراء، وهو الاستثناء الذي فشلت القاهرة في الحصول عليه العام الماضي وتحاول إقراره هذا العام، ومن هنا تتضح أسباب زيارة الوفد العسكري المصري الذي يحاول من خلال لقاءاته بجهات صناعة القرار الأمريكية أن يحصل على هذا الاستثناء قبل الوصول لشهر سبتمبر القادم.

ولم يستبعد المراقبون أن يقوم الوفد باستغلال المرونة التي أبداها مجلس النواب الأمريكي الذي يمثّل عصب الكونجرس في وضع جماعة الإخوان المسلمين المناهضة للسيسي ضمن قوائم الإرهاب، باعتبار أنَّ الجماعة لديها أذرع مسلحة منتشرة في الوطن العربي في مقدمتها حركة حماس، بالإضافة إلى قناعة الكونجرس بأنَّ الأفكار الجهادية المنتشرة مرتبطة بشكل أو بآخر بالإخوان، وهو ما يمكن أن يرتكز عليه الوفد العسكري المصري خلال لقاءاته المتعددة الجارية الآن.

 

انظروا إلينا

من جانبه يبذل النظام المصري مجهودًا كبيرًا لإقناع الإدارة الأمريكية بمنحه مساحة أكبر كالتي كان يحصل عليها نظام مبارك، ويرى السيسي في صفقة القرن السبب القوي لإقناع الإدارة الأمريكية بأن القاهرة مازالت حليفًا قويًا لها في المنطقة، وبالتالي تستمر العملية العسكرية في سيناء لتدخل شهرها السابع لتمهيد الأرض للصفقة التي تتبناها الإدارة الأمريكية الحالية.

ويرى محللون أن تبديل القاهرة لعنوان حملتها العسكرية في سيناء من “الحرب على الإرهاب” إلى “الحرب على داعش” بمثابة مغازلة واضحة للإدارة الأمريكية التي تعتبر تنظيم الدولة الإسلامية الخطر الأكبر الذي يهدد مصالحها في العالم.

ويضاف لذلك الامتيازات التي منحها السيسي للأقباط خلال السنوات الماضية، ومازال يقدِّمها لهم، وهي امتيازات يعتبرها السيسي “عربون محبة” للإدارة الأمريكية التي تعتبر نفسها حامية الأقباط بمصر، وسبق وأن انتقدت ما يتعرّضون له من اضطهاد خلال فترة حكم مبارك، وهي المفاهيم التي يسعى السيسي لتغييرها معتمدًا على بابا الأقباط بمصر، باعتباره أحد أبرز الداعمين لبقاء السيسي في الحكم، فضلًا عن شركات العلاقات العامة بالولايات المتحدة التي يدفع لها نظام السيسي 400 ألف دولار شهريًا من أجل تحسين صورته كنظام منتخب، بينما مازالت الصحف الأمريكية النافذة تصفه بالنظام الديكتاتوري.