العدسة: محمد العربي

خلال أسبوع واحد صدر تقريران دوليان منفصلان عن العلاقات العسكرية والأمنية بين مصر وفرنسا، واتهم التقريران الحكومة الفرنسية بأنها تلعب دورًا محوريًا في تزويد نظيرتها المصرية بالآلات والمعدات التي يستخدمها نظام عبد الفتاح السيسي في قمع المعارضة منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، وهو الدور الذي رفضت عدد من الدور الغربية القيام به على عكس فرنسا.

المصالح تتحدث

وطبقًا لتقرير نشره موقع “نيوز ري” الروسي فإنّ فرنسا غيرت موقفها من النظام المصري، وتحوَّلت من رافضة لانقلاب السيسي الدموي، لإحدى أهم الدول الداعمة له في مجال التقنيات العسكرية، سواء المستخدمة في التسليح العسكري مثل طائرات الرافال والغواصات البحرية، التي امتلكها الجيش المصري، أو الأخرى التي تستخدمها الشرطة المصرية لقمع المعارضين مثل المدرعات والأسلحة الخفيفة.

ورصد الموقع الروسي تطور العلاقات الفرنسية مع انقلاب السيسي، والتي بدأت برفض علني للانقلاب عن طريق فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي وقتها، والذي دعا لضرورة إعادة الشعب المصري إلى مسار الديمقراطية، وما نتج عن ذلك من تعليق الحكومة الفرنسية لصفقات بيع الأسلحة للنظام المصري بعد فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة في 14 آب/ أغسطس 2013، والذي وصفته حكومة هولاند بالفضّ الدموي.

الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند

الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند

وطبقًا للموقع نفسه فإن تغيرًا جرى من تحت السطح بدعم إماراتي وسعودي أعاد العلاقات مرة أخرى بين باريس والقاهرة، وتحولت فرنسا لواحدة من أهم داعمي القمع ضد معارضي السيسي من خلال بيعها الآلاف من الأسلحة والمعدات التي استخدمها النظام في قمع معارضيه الذين تظاهروا لسنوات في الشوارع والميادين.

واعتمد الموقع على عدة تقارير أخرى لم يسمها تحدثت عن قيمة الصفقات العسكرية التي أبرمها السيسي مع الحكومة الفرنسية والتي ارتفعت من 56 مليون دولار عام 2010 إلى 1.5 مليار دولار في عام 2016.

القمع القاتل

أما التقرير الثاني الذي أصدرته أربعة مراكز حقوقية دولية قبل أيام تزامنًا مع الذكرى الخامسة لانقلاب تموز/ يوليو 2013، والذي حمل عنوان “مصر.. قمع صُنع في فرنسا“، فتحدث عن قرار مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في 21 آب/ أغسطس 2013 الذي قرر فيه موافقة أعضاء المجلس على تعليق تراخيص التصدير إلى مصر لأيّ معدات يمكن أن تستخدم في القمع الداخلي.

وطبقًا للتقرير الذي شارك في إصداره كل من (مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان، والرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان، ومرصد التسلح)، فإنَّ ثماني شركات فرنسية على الأقل وبتشجيع من الحكومات المتعاقبة، استفادت من القمع في مصر حاصدة أرباحًا قياسية، في ظل وجود ما لا يقل عن 60 ألف معتقل سياسي بسجون السيسي منذ 2013 وحتى كتابة التقرير.

ووثّق التقرير قيام بعض الشركات الفرنسية ببيع أسلحة تقليدية للجيش المصري الذي قتل مئات المدنيين بحجة “الحرب على الإرهاب في سيناء ومحافظات أخرى” وشركات فرنسية أخرى باعت عربات مصفّحة وآلات لتصنيع الخرطوش لقوات الشرطة، كما باعت فئة ثالثة من الشركات للأجهزة الأمنية نظمًا تكنولوجية للتجسس على الأفراد والمراقبة الجماعية واعتراض البيانات، وجمع البيانات الشخصية، والسيطرة على الجماهير.

وينقل التقرير عن ديمتريس خريستوبولوس، رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان قوله: “بينما يعلن المجلس الأوروبي عن وقف الصادرات العسكرية ومعدات التجسس للتعبير عن شجبه للانجراف نحو الدكتاتورية في مصر، ربحت فرنسا حصصًا سوقية وسجلت أرقامًا قياسيّة في الصادرات!”

وفي النهاية طالبت المنظمات التي أصدرت التقرير الشركات والسلطات الفرنسية بالإنهاء الفوري لهذه الصادرات المميتة، وفتح تحقيق برلماني في شحنات الأسلحة المصدرة لمصر منذ 2013، كما طالبت بإجراء مراجعة شاملة لنظام التحكّم الفرنسي بصادرات الأسلحة ومعدات المراقبة، وما يتسم به من غموض واعتماد مُفْرِط على الجهاز التنفيذي، بعدما ثبت تورطه في تصدير معدات تساهم في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مصر.

مكاسب متبادلة

وطبقًا للمتابعين لتطور العلاقات المصرية الفرنسية فإنَّ شهر آيار/ مايو 2014، كان إعلانًا لعودة الدفء مرة أخرى بين القاهرة وباريس من خلال التدريب البحري المصري- الفرنسي المشترك (كليوباترا 2014) الذي بدأ فعالياته في الفترة من (25 مايو 2014 إلى 10 يونيو 2014) ونفذته القوات البحرية المصرية بالتعاون مع القوات البحرية الفرنسية للمرة الأولى فى المياه الإقليمية الفرنسية، ثم جاء شهر آب/ فبراير 2015 ليشهد هذا التعاون تطورًا جديدًا بحضور رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات في مجال التسليح بين الجانبين المصري والفرنسي من أهمها توريد 24 طائرة مقاتلة من طراز “رافال” وفرقاطة متعددة المهام من طراز “فريم” لمصر، فضلًا عن تزويد القوات المسلحة بالأسلحة والذخائر اللازمة للطائرات والفرقاطة، من خلال تمويل خليجي كامل.

سمسرة مصرية

ويبدو السؤال الذي طرحه المتابعون عن أسباب هذه العلاقة المميزة بين مصر وفرنسا، وخاصة في مجال التبادل العسكري، ما دفع بوزير الدفاع المصري الجديد الفريق محمد زكي لأن تكون باريس أولى محطاته الخارجية بعد تولِّيه مهام منصبه منتصف حزيران/ يونيو الماضي، وهل تمثل مقاتلات رافال الفرنسية إضافة للجيش المصري، أم أن للأمور أبعادًا أخرى.

زيارة الفريق محمد فريد وزير الدفاع الجديد لفرنسا

زيارة الفريق محمد فريد وزير الدفاع لفرنسا

وطبقًا لموقع “ديفنس نيوز” الأمريكي المختص بالتسليح فإنَّ طائرات رافال التي تسلَّمتها مصر من فرنسا كانت مخالفة للمواصفات التي تم الاتفاق عليها؛ حيث قررت فرنسا هذا الإجراء بشكل مفاجئ لتقليص قدرة الطائرات القتالية بإزالة المواصفات التي تمكنها من حمل صواريخ نووية.

وأرجع عسكريون مصريون سابقون هذه الخطوة بأنها استجابة فرنسية لمطالب إسرائيلية، مستدلين بما نشره موقع “ديبكا” الإسرائيلي، بأن التعديلات الأساسية التي تم إجراؤها على الطائرات شملت كذلك إلغاء نظام الاتصالات الخاص بحلف شمال الأطلنطي الذي صمّم بالأساس ليكون متوافقًا مع شبكة اللاسكي والمعلومات والرقابة الجوية وأنظمة إدارة المعركة الخاصة بـ“الناتو”.

العسكريون المصريون أكدوا أيضًا أن طائرات الرافال غير مطلوبة دوليًا، ولذلك كان طلبها من قبل القاهرة فرصة لفرنسا للدفع بالرافال بسوق التسليح الدولي، على غير ما يردّده النظام المصري بأن القاهرة فازت بهذه الطائرة التي تخرج للمرة الأولى لمالك غير فرنسي، مؤكدين أيضًا أنه لولا الدعم السعودي والإماراتي والكويتي في تحمل قيمة الصفقة لما أقدمت مصر عليها.

وألمح المختصون بالشأن العسكري لدور آخر تقوم به مصر مع الأسلحة الفرنسية وهو دور “السمسار”؛ حيث تشتري مصر الأسلحة وتقوم بإعادة بيعها للدول المحظور تصدير السلاح لها مثل ليبيا، حيث باعت مصر للقائد العسكري خليفة حفتر عددًا من الطائرات والأسلحة التي حصلت عليها من فرنسا.

وتزامن هذا الطرح مع تأكيدات سابقة عن الدور المشترك الذي كان يقوم به كل من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في تجارة الأسلحة للدول والأنظمة التي منع المجتمع الدولي تصدير السلاح إليهم، ودور هذا الثلاثي في تمويل القذافي بمئات الأطنان من الأسلحة والمعدات العسكرية خلال فترة الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة، وهو ما حدث مع النظام السوداني قبل سنوات أيضًا، وطبقًا لمتابعين فإنَّ كلًا من السيسي وبن زايد يقومان بنفس الدور مع الأنظمة المحظور تصدير السلاح لها، وكذلك الحركات الانفصالية بعددٍ من دول القارة الإفريقية، مثل حركة تحرير دارفور الانفصالية، والمعارضة الإثيوبية المسلحة المتواجدة بإريتريا.