العدسة – معتز أشرف:

في مطالعة دورية لخبراء مركز كارنيجي للدراسات حول أهم القضايا التي تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن، طرح الخبراء إجابات مهمة للسؤال الذي يشغل المنطقة وهو: “هل تمتلك الولايات المتحدة استراتيجية لاحتواء إيران في الشرق الأوسط؟” مؤكدين أن الضباب يسيطر على تفكير إدارة ترامب؛ فلا هي تمارس سياسة الاحتواء كما ينبغي في فكر الاحتواء، ولا هي تمارس المواجهة بطريقة حاسمة، مرجحين أنَّ ترامب يهدف إلى حصار إيران والحصول على أكبر تنازلات منها ليس إلا.

شيء محيّر!

من جانبه يرى فولكر بيرتس، مدير ورئيس مجلس إدارة المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، في المطالعة الدورية التي وصلت “العدسة” أنَّ الولايات المتحدة إذا كانت تمتلك استراتيجية لاحتواء إيران، فهي مخفية بشكل جيد حيث تُعتبر سياستها تجاه إيران تصادمية، لكن من غير الواضح ما الأهداف التي تسعى واشنطن إلى تحقيقها، وكيف ستفعل ذلك، ومن سيشاركها هذه العملية.

وأضاف أن إدارة ترامب سعت من دون شك، عبر الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات، إلى زيادة الضغوط على طهران، ومع ذلك، ليس واضحًا ما إذا كانت هذه الخطوة تهدف إلى إجبار إيران على الدخول في مفاوضات ثنائية أو إلى معاقبتها وزعزعة استقرارها، وبدلًا من الحفاظ على نوع من الوحدة الدولية فيما يتعلق بإيران، أحدثت هذه الخطوة شرخًا عميقًا بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

 

وأشار الى أنَّ الولايات المتحدة تقوم في سوريا بإرباك حلفائها وأعدائها على السواء عبر توجيه رسائل متضاربة حول هدف وجود قواتها في المنطقة ومصيرها، وهو ما يجعل التساؤل هو: هل يرمي هذا الوجود العسكري إلى إنهاء القتال ضد الدولة الإسلامية أو تعطيل جهود إيران الرامية إلى مدّ جسر عبور إلى المشرق؟ فضلًا عن ذلك، يبدو أن واشنطن تدعم الخطاب الإسرائيلي الداعي إلى منع أي تواجد عسكري إيراني في سوريا، بينما تعتمد في الوقت نفسه على روسيا للحيلولة دون اندلاع أعمال عدائية كُبرى بين إسرائيل وإيران.

فولكر بيرتس يرى أنه طبقًا لفكر جورج ف. كينان، الأب الروحي والفكري لسياسة احتواء الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية فإنّ على دونالد ترامب الوعي أن الاحتواء، حين يتجاوز أي نية للحدّ من نفوذ الخصم، يحتاج إلى استراتيجية طويلة الأمد، كما يجب أن تكون هذه الاستراتيجية واضحة، وتشمل أهدافًا محددة جيّدًا، ومستوى معيّنًا من الانخراط مع الخصم (ولو فقط لتجنّب سوء التفاهم)، فضلًا عن التزام بالعمل يدًا بيد مع الحلفاء، لكن السياسات الأمريكية الراهنة لن تتضمن الكثير من خطوات كينان هذه.

ترامب غير واضح!

أما ستيفن هايدمان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث، والخبير في مركز سياسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروكينجز، فيؤكّد أن السياسة الخارجية لإدارة ترامب تتميز بسمات ثلاث؛ هي: الارتباك والتناقض وعدم الاتساق، ومع ذلك، تُعدّ مسألة إيران الاستثناء النادر، حيث صنّف الرئيس دونالد ترامب إيران دون غيرها كخصم للولايات المتحدة وشركائها العرب وإسرائيل، ومنذ تسلّمه سدة الرئاسة، تمثّلت الأهداف المعلنة للسياسة الأمريكية في إجبار إيران على قبول القيود الدائمة على برنامجها النووي، والحدّ من وجودها ونفوذها في المشرق.

وأشار هايدمان إلى الأهداف الرئيسية لهذه السياسة موضحًا أنها تتلخّص بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ودعم حرب السعودية في اليمن، والجهود المبذولة لضمان دعم روسيا في الحدّ من دور طهران في سوريا، لذلك، يمكن القول إن ثمة استراتيجية، لكن الأسئلة الحقيقية تتمثّل فيما إذا كان هذا النهج يصبّ في خانة المصالح الأمريكية طويلة الأمد، وما إذا كان سينجح، وكيف سيكون رد فعل ترامب إذا مُني بالفشل، لكن في جميع هذه الحالات ثمّة دائمًا أسباب وجيهة تدفعنا إلى القلق.

مواجهة لا احتواء

بدوره يرى بيار فيمون، الخبير في مركز كارنيجي- أوروبا في بروكسل، أنَّ إدارة ترامب تبحث علنًا في مسألة تغيير النظام في إيران، وترغب، من خلال فرض العقوبات وممارسة الضغوط، إما في أن يغيّر النظام الإيراني سلوكه، أو أن يغيّر الشعب الإيراني نظامه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: هل هذه استراتيجية تهدف إلى احتواء إيران أو على الأقل التشجيع على ذلك؟

وأضاف أنَّ في عملية هلسنكي في أوروبا، لكي يكون الاحتواء فعّالًا، فهو يتطلّب دعمًا قويًا من الشركاء، وليس هذا ما نشهده اليوم؛ إذ إنَّ الدول الأخرى الموقّعة على الاتفاق النووي مع إيران ترفض الموقف الأمريكي. كذلك، يتعيّن أن يوفّر الاحتواء مسارًا إيجابيًا للتعاون ويحثّ الطرف الآخر على التسوية والحوار، وهو الأمر الذي لا تأخذه استراتيجية إدارة ترامب في الحسبان، وأخيرًا، تواجه الخطوات الأمريكية، من خلال جعل الشعب الإيراني رهينة لهذه السياسة برُمّتها، خطر تأجيج النزعة الوطنية والمواقف القوية المناهضة لأمريكا.

وشدد فيمون على أنَّ هذه الاستراتيجية بمثابة مواجهة لا احتواء؛ إذ تشعل فتيل التوترات والأزمات بشكل علني، وقد تؤدّي إلى انحسار النفوذ الإيراني في أماكن عدّة من المنطقة، لكن ذلك ليس هدف هذه السياسة التي تُعد مرحلة مزعجة.

إجراءات واضحة!

من جانبه يرى وانغ سوولاو ، أستاذ مشارك في كلية الدراسات الدولية في جامعة بكين، أنَّ لدى إدارة ترامب استراتيجية لاحتواء إيران، وذلك للأسباب التالية: أوّلًا: انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران. ثانيًا: أعادت فرض العقوبات على إيران. ثالثًا: وجّهت تهديدات إلى الدول التي ستمتنع عن قطع علاقاتها التجارية مع إيران، مثل الصين وروسيا. ورابعًا: عزّزت علاقاتها مع الدول المعادية لإيران، من ضمنها إسرائيل والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، لتطويق إيران واحتوائها.

 

 

وأضاف إيلي ليك، الكاتب في موقع بلومبرج فيو الشهير، أنه إذا حدّد المرء الاحتواء وفقًا للتعريف التقليدي الذي صاغه جورج كينان، وهو أول من اقترح احتواء الاتحاد السوفياتي، فسيكون الجواب “لا”، لكن الأمر يعتمد على ما يقصده المرء بكلمة احتواء، عندما بلور كينان هذا المفهوم، كان ثمة تفاهم على أنَّ الولايات المتحدة لن تخوض حربًا ضد الدول الأعضاء في حلف وارسو في أوروبا الشرقية، وفي هذا الصدد، ارتدى مصطلح “الاحتواء” بعدًا مسالمًا أكثر من الحثّ على التراجع، الذي لم يكن يستبعد احتمال استخدام القوة الأمريكية من أجل تحرير الدول الأسيرة.

وأضاف ليك متسائلًا: “هل تعترف سياسة الولايات المتحدة الآن بدائرة نفوذ إيراني مشابه في الشرق الأوسط؟ كلّا. ومن ناحية أخرى، لم يتم وضع استراتيجية أمريكية تدعو إلى استخدام القوة العسكرية لصدّ إيران في سوريا”، مشيرًا إلى أنه في اليمن، تواصل الولايات المتحدة تزويد دول الخليج بالسلاح ومساعدتها في الصراع مع الحوثيين.

وشدَّد على أن الاستراتيجية الأمريكية في هذه المرحلة هي إعادة فرض العقوبات على إيران وحرمانها من الموارد التي تحتاجها لتتمكّن من البقاء في سوريا واليمن، فقد قال ترامب: إنّ هذا جزء من خطة ترمي إلى الضغط على إيران للعودة إلى المفاوضات حتى يتمكن هو، على الأرجح، من الحصول على صفقة أفضل من سلفه باراك أوباما، وقد درست إدارة ترامب، إلى جانب إسرائيل، ما إذا كان من الممكن دقّ إسفين بين روسيا وإيران من شأنه أن يسمح للرئيس السوري بشار الأسد بالبقاء في سدّة الحكم، لكن يتطلّب من إيران مغادرة سوريا.