كتب- باسم الشجاعي:

على غرار “الكويت والإمارات والسعودية”، دخلت مصر مؤخرًا “عصر الصناديق السيادية”، وذلك بعد موافقة مجلس النواب خلال جلسته المنعقدة، في 16 يوليو الجاري، على مشروع قانون مقدم من قِبل الحكومة بإنشاء “صندوق مصر”  والذي لا يخضع للرقابة، برأس مال 200 مليار جنيه (11.2 مليار دولار تقريبًا).

ويمنح الصندوق سلطة ممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، من خلال تأسيس الشركات أو في زيادة رؤوس أموالها، فضلا عن منح رئيس الجمهورية، الحق في نقل ملكية أيّ من الأصول غير المستغلّة، المملوكة ملكية خاصة للدولة، أو لأيّ من الجهات أو الشركات التابعة لها، إلى الصندوق، أو أي من الصناديق التي يؤسسها، والمملوكة له بالكامل، وذلك بمعزل تام عن الجهات الرقابية في الدولة.

دخول مصر نادي الصناديق السيادية، دفع الخبراء والمتخصصون للسؤال حول جدوى تأسيس “صندوق مصر”، ومدى فرص نجاحه، وهل سيتم ادارته بطريقة محترفة، أم أنه سيكون بوابة لبيع أصول مصر عبر “الخصخصة”.

ما هو الصندوق السيادي؟

قبل الخوض في التفاصيل وأراء الخبراءذو الاقتصاديين، لابد من الوقوف على مفهوم “الصناديق السيادية”، وكيف يتم انشائها، وماهي الدوافع لتأسيسه؟.

الـ”صندوق السيادي”، هو صندوق مملوك للدولة، يتكون من أصول متنوعة مثل “العقارات والأسهم والسندات” وغيرها من الاستثمارات، ويعد بمثابة الذراع الاستثمارية للدول ذات الفوائض المالية التي تسعى لتعظيم العائد من تلك الفوائض.

ويعود تاريخ إنشاء الصناديق السيادية إلى عام 1953، وهى مكلفة بإدارة الثروات والاحتياطات المالية للدول النفطية، التي لديها فوائض مالية، ثم تحولت هذه الصناديق إلى الدول الأخرى التي لديها أصول غير مستغلة أو الأصول التي تحتاج إلى تطوير، بحيث تدخل هذه الأصول في شراكة مع الصندوق، ومن الممكن تكوين شراكات مع صناديق فرعية وبالتعاون مع صناديق إقليمية ودولية.

وتعود أهمية الصناديق السيادية إلى استخدامها في مشروعات البنية التحتية، إضافة إلى استثمارات الخدمة الاجتماعية، وتعتبر الصناديق السيادية بمثابة

صناديق استثمار.

ويبلغ إجمالي ثروة الصناديق السيادية في العالم عام 2017 أكثر من 7,1 تريليون دولار، وتأتى النرويج في المرتبة الأولى للدول ذات الصناديق السيادية القوبة بحجم أصول بلغ 922,11 مليار دولار، والامارات بقيمة 828 مليار دولار، والصين بقيمة 813 مليار دولار، والكويت بقيمة 524 مليار دولار، والسعودية بقيمة 514 مليار دولار وسنغافورة بقيمة 350 مليون دولار.

ما علاقة الإمارات والسعودية؟

تضاربت آراء الخبراء المصريين بشأن فرص نجاح الصندوق السيادي؛ حيث عبر البعض عن مخاوفهم من عدم إدارته بطريقة محترفة، فضلا عن أن كل تعاملاته ستكون بالأمر المباشر، ما يفتح الباب لزيادة الشراكات الغامضة “غير المراقبة” بين أجهزة الدولة والجيش والمستثمرين الخليجيين، وتحديدًا الإماراتيين والسعوديين.

ومن الأملاك التي يطمع فيها المستثمرون الأجانب في مصر والخلجيين والتي ستضم لأملاك الصندوق السيادي؛ الأراضي المملوكة لشركات: “الحديد والصلب المصرية” (بقيمة 500 مليون جنيه)، “النصر لصناعة الكوك” و”النصر لصناعة المطروقات”، “الأهلية للإسمنت بأبو زعبل”، “المصرية للجباسات”، “القابضة للغزل والنسيج” وشركاتها في المحافظات، “القابضة للنقل البحري والبري”، “القابضة للتأمين”، “القابضة للتشييد والتعمير”، “القابضة للأدوية”، “القومية للإسمنت” (منها 800 فدان بحلوان).

ويتسق التركيز على التصرّف في الأصول العقارية للدولة من قبل الصندوق الجديد مع توجه نظام قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، في استغلال الأراضي لجذب المستثمرين العرب والأجانب، وهو ما يعيد للأذهان أزمة جزيرة الوراق بمحافظة الجيزة، التي تسعى الإمارات استغلالها، وغيرها من جزر النيل، التي كانت تعتبر منذ عام 1998 محميات طبيعية.

وجاءت، في السياق ذاته، خطوة استثمار أراضي منطقة العلمين بمحافظة مطروح بواسطة شركات استثمار عقاري لما سيسمى بمدينة العلمين الجديدة، وكذلك منح ساحل غرب مدينة بورسعيد للمستثمر العقاري المحلي “عامر جروب” لإقامة مشروع “بورتو سعيد” على أرض كانت مخصصة للنفع العام، وطالما استغلت في عهود سابقة كمصيف شبه مجاني يرتاده الفقراء.

ويشير مراقبون إلى أن الإمارات ربما تسعى للسيطرة على استثمارات في مصر وأماكن حيوية كجزيرة الوراق وغيرها كنوع من استرداد ثمن المساعدات المالية والعينية التي قدمتها لـ” عبد الفتاح السيسي”، خلال السنوات الماضية، وتحديدا بعد الانقلاب على الرئيس “محمد مرسي” في صيف 2013؛ حيث قدمت أبو ظبي للقاهرة مساعدات مالية وعينية تقدر بنحو 18 مليار دولار خلال 3 سنوات.

وبحسب تقارير إعلامية، فإن مكتبا هندسيا يعمل في الإمارات يدعى “آر إس بيه”، اعد مخطط استثماري لمشروع جزيرة الوراق المصرية، يعود إلى عام 2013، بحيث اعتبر تطوير الجزيرة نموذجًا للتنمية المستقبلية في القاهرة، لما تملكه من موقع مذهل على نهر النيل.

ويهدف المخطط إلى تحويل الجزيرة إلى منطقة خدمات مالية، على غرار جزيرة “مانهاتن” في مدينة نيويورك الأميركية، بعد طرد وتهجير سكانها من البسطاء (يتجاوز عددهم المائة ألف نسمة)، ومصادرة أراضيهم بزعم أنها مأخوذة بوضع اليد، على الرغم من امتلاك الأهالي لمستندات ملكية خاصة تثبت أحقيتهم في تلك الأراضي.

مصر تعود للتسعينيات

الدكتور “أحمد النجار”، الخبير الاقتصادى المصري، يرى أن فكرة الصندوق السيادي في مصر ستعود لتجربة الخصخصة، و التي ترتبط بذكريات غير طيبة في أذهان أغلب المصريين.

“النجار”، قال، في تدوينة له على موقعفيسبوك، إن “نشاط الصندوق الأساسي يتعلق بما يسمى “ادارة” الأصول المستغلة وغير المستغلة وهو الإسم الكودي الذي اخترعه صندوق النقد الدولي لـ”الخصخصة” -ذات السمعة والتاريخ السيئين-“.

وتجيز المادة 5 في القانون الذي أقره البرلمان الخاص بالصندوق لرئيس الجمهورية أن ينقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لأي من الجهات أو الشركات التابعة لها إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل وذلك بعد عرض الوزير المختص لهذا النقل.

“وهو ما يمنح الصندوق السيادي الحق في خصخصة الأصول العامة المستغلة وغير المستغلة المملوكة للدولة التي ستؤول له، ويفتح الباب لأوسع برنامج للخصخصة ولبيع الأراضي والموارد الطبيعية العامة بدلا من إصلاح وتحديث القطاع العام”، وفق ما أكد الخبير الاقتصادي المصري.

ولم تكشف الحكومة المصرية تفاصيل شافية عن برنامج الخصخصة منذ إعلانه في 2016، وأبرز ما كشفته حتى الآن هو أنها ستطرح حصصا من 23 شركة لجمع 80 مليار جنيه (نحو 4.5 مليارات دولار) خلال 24 إلى 30 شهرا.

وتستهدف الخصخصة بشكل رئيسي قطاعات البنوك والصناعات البترولية، وأهم الشركات المستهدفة هي: “إنبي” للصناعات البترولية والكيميائية التي سيطرح منها ما يصل إلى 24%، وبنك القاهرة، وبنك الإسكندرية، وشركة “ميدور” للتكرير، وشركة “مصر للتأمين”.

ويخشى “النجار” أن يكون برنامج الخصخصة الجديد إعادة لتجربة التسعينيات التي نتج عنها إغلاق العديد من المصانع وتشريد آلاف العمال، كما اقترنت بقضايا فساد وتلاعب وتقارير عن ضياع مليارات الجنيهات من حصيلتها.

وبدأت مصر في الخصخصة في عام 1991، وبلغت ذروتها في السنوات الخمس الأولى من القرن الـ21، وهو ما أدى لبيع أكثر من 400 شركة تقدر بنحو 500 مليار جنيه، لتباع بنحو 50 مليار جنيه فقط (2.8 مليار دولار، بحسب أسعار الصرف الحالية –الدولار الأمريكي يساوي مايقرب من 18 جينها)، ذهبت ما بين سداد ديون هذه الشركات والمشروعات، وسداد جزء من عجز الموازنة، والجزء الأخير ذهب لإعادة الهيكلة بباقي المشروعات العامة لتأهيلها للدخول في الخصخصة.

هل سينجح الصندوق المنتظر؟

الإجابة بالطبع لا، هذا ما أكده الخبير الاقتصادي المصري “عبد الحافظ الصاوي”، وذلك بسبب أزمة مصر التمويلية، وانخفاض معدلات الادخار المحلية لأدنى معدلاتها منذ عقود؛ حيث انخفضت المدخرات المحلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.1% في عام 2016/2017.

“الصاوي”، قال –في مقال سابق له-: “إذا ما افترضنا أن مستهدف تحقيق 3 مليارات دولار من الخصخصة تحقق للحكومة خلال عام، فهو يعادل نحو 52.8 مليار جنيه، وهي لا تكفي لسد الزيادة في بند واحد من بنود العجز المالي، وهي الزيادة المحققة في قيمة الفوائد على الدين العام، والذي توقع له وزير المالية عمرو الجارحي بأن يكون في حدود 500 مليار جنيه خلال العام المالي 2018/2019، والذي يبدأ أول يوليو القادم؛ حيث كانت فوائد الديون تقدر بـ 370 مليارا في 2016/2017، ارتفعت إلى 425 مليارا في 2017/2018، ومن المنتظر أن تقفز إلى نحو نصف تريليون جنيه العام المقل بحسب توقعات المسؤولين”.

هل لـ”صفقة القرن” علاقة؟

تحذير الخبير الاقتصادي “أحمد النجار”، من أن يكون الصندوق السيادي المصري باب خلفي لمشاركة رأس المال الأجنبي يأخذنا إلى خطر ما بثته التقارير الإعلامية عن أن تنمية سيناء سيتم تمويلها من الأمم المتحدة وصناديق ومؤسسات التمويل الدولية، وكأن هذا القانون أحد قوانين البنية التشريعية لمشروع “نيوم” السعودي جوهر “صفقة القرن” لتدويل سيناء اقتصاديًا بجعل حدودها مرنة خاصة في المنطقة (ج أو C) التي يحددها الخط الواصل من غرب “رأس محمد” عند مضيق جزيرة “تيران” من الجنوب التي تنازل “السيسي” عنها للسعودية في أبريل 2016، وحتى شرق “العريش شمالا.

وبما أن القانون لم ينص صراحة على جنسية من يتم اختيارهم في مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية، وبما أنه غير ملزم بالنظم والقواعد الحكومية، فإنه من الممكن أن يتم تعيين أجانب أيًّا كانت جنسيتهم في مجلس الإدارة والجمعية العمومية للصندوق بصفتهم “خبراء”.

ولا يوجد حتى نص صريح يمنع تعيين المنتمين للكيان الصهيوني، وهؤلاء “الخبراء” لن يعملوا لصالح صندوق منافس لصناديقهم الأصلية؛ حيث لم يشترط القانون تفرغهم، بل قد يستغلون مواقعهم في الصندوق وفقا لمنطق السعي وراء أقصى ربح لصالح أنفسهم وصناديقهم الأصلية من خلال تسهيل استحواذها بأبخس الأثمان على الأصول التي ستؤول للصندوق المصري بعد أن يصبحوا أعضاء في مجلس إدارته وجمعيته العمومية.