العدسة – معتز أشرف:
بالإعلان الرسمي السعودي عن تهديد مصالح الامير محمد بن سلمان النفطية في باب المندب ، وتعليقه مؤقتا جميع شحنات النفط التي تمر عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي بالبحر الأحمر بعد هجوم على ناقلتي نفط كبيرتين من قبل جماعة الحوثيين اليمنية ، باتت السيناريوهات المطروحة قلقة ومفتوحة.
“العدسة” يرصد ابرز توابع الاستهداف الحوثي ويسلط الضوء علي أهمية باب المندب.

باب استراتيجي !

سلط بيان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح عن تعليق شحنات النفط مؤقتا عبر باب المندب الضوء على البوابة الاستراتيجية للعالم ، فمعظم الصادرات من الخليج التي تُنقل عبر قناة السويس وخط الأنابيب سوميد تمر عبر مضيق باب المندب.
كما تدفق نحو 4.8 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة عبر هذا الممر المائي في 2016 صوب أوروبا والولايات المتحدة وآسيا ولكن لا يزيد عرض مضيق باب المندب، حيث يلتقي البحر الأحمر بخليج عدن في بحر العرب، على 20 كيلومترا، مما يجعل مئات السفن هدفا سهلا.

ويصل باب المندب البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ويفصل بين جيبوتي في قارة أفريقيا واليمن في قارة آسيا، وتتحكم اليمن وجيبوتي وإريتريا في إدارة المضيق، واكتسب أهميته بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 وربط البحرين الأبيض والأحمر، ما جعله يصبح أحد أهم ممرات النقل والمعابر المائية بين عدد من البلاد الأوروبية، والبحر الأبيض والمحيط الهندي وشرق أفريقيا.
وفقا للمراقبين فإن “أهمية باب المندب جعلت الدول الغربية تتسابق لتقوية حضورها في الدول المجاورة له، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية”، ومع إغلاق اليمن المضيق عام 1973 أثناء حرب أكتوبر، كنوع من الضغط على إسرائيل، وضعت الأخيرة عينها عليه بتقوية نفوذها بالممر من خلال التنسيق مع جيبوتي وإثيوبيا.
وبعد أحداث 11 سبتمبر نشرت الولايات المتحدة الأمريكية بعض قواتها في جيبوتي والصومال للتصدي لأي ضربة محتملة أو استهداف لباب المندب، من أجل “توفير عبور ملاحي آمن للبترول العالمي”.
الحوثيون طبقا لبنك الأهداف المتدوال لهم يهدفون إلى السيطرة على المضيق لتمكين إيران من السيطرة عليه ، لكن الإمارات سعت للسيطرة عليه وتنحية ايران ، وساهمت مشاركتها في التحالف العربي في حضورها البارز في “باب المندب” لمواجهة غريمتها طهران في أي وقت.

” الحديدة” فورا !

القرار السعودي وضع في مقدمة أهدافه تحويل الأنظار مجددا إلى معركة ميناء الحديدة ، والضغط لصرف التدخل الأممي عن اجراءات التحالف المناهضة لحقوق الإنسان في اليمن ، وطبقا لموقع قناة “سكاي نيوز” الأمريكية فإن ” الهجوم الحوثي الأخير على ناقلتي نفط في البحر الأحمر، يجسد الخطر الذي تمثله إيران وميليشياتها الإرهابية على أمن المنطقة، وأهمية كبح جماحها، لاسيما في اليمن عبر تحرير ميناء الحديدة الذي يتخذه الحوثيون قاعدة لتهديد الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب”.
المراقبون الموالون للتحالف السعودي ، دعوا في توقيت متزامن لمحاسبة إيران، وعدم التهاون مع قوات الحوثي التي باتت تشكل خطرا حقيقيا على الملاحة الدولية انطلاقا من ميناء الحديدة ، وطالبوا المجتمع الدولي بدعم جهود التحالف العربي والشرعية اليمنية، الرامية إلى استعادة الميناء والمدينة وعدم الانجرار إلى محاولات الحوثي، وخلفه إيران، لكسب الوقت عبر مناورات سياسية باتت أهدافها مكشوفة.
إيران، بحسب هؤلاء المتابعين، تسعي من خلال إبقاء قوات الحوثي في الحديدة، إلى الإمساك بورقة باب المندب الهامة للضغط على المجتمع الدولي وتنفيذ تهديداتها الإرهابية، لما يمثله هذا المضيق من أهمية على صعيد الملاحة الدولية.

الحرب للتسليم !

السيناريو الأول الذي له مؤشرات تتصاعد وإن كانت ليست قوية ، هو المواجهة العسكرية والسيطرة بالقوة على باب المندب ، لاعادة الاستقرار وفق المنظور الامريكي السعودي له وتسليمه للتحالف العربي .
وجود الاسطول الخامس التابع للبحرية الامريكية والمسئول عن العمليات في باب المندب على وجه التحديد مع خرق الحوثيين لقواعد اللعبة وفق المتابعين قد يرشح للتصعيد خاصة مع تعليق السعودية المؤقت للنفظ لاثارة الغضب لدى القواعد الامريكية.

المتحدث الرسمي باسم التحالف العقيد الركن تركي المالكي حرض بصراحة علي المواجهة العسكرية في بيان نشرته وكالة الانباء السعودية، حيث قال : إن هذا الهجوم الارهابي يشكل تهديداً خطيراً لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية بمضيق باب المندب والبحر الأحمر، واستمرار هذه المحاولات يثبت خطر هذه الميليشيا ومن يقف خلفها على الأمن الإقليمي والدولي، ويؤكد استمرار استخدام ميناء الحديدة كنقطة انطلاق للعمليات الهجومية الإرهابية، داعيا الى تسليمه للتحالف!
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية حذرت في وقت سابق من التلاعب بالمشهد في باب المندب ، وقال حساب الأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية في تغريدة على موقع “تويتر”: “تكلم بهدوء لكن إمسك بيدك عصا غليظة”، لكن موقع قناة الميادين الايراني قال في تقدير موقف له الأربعاء 25 يوليو :” لا تشي التحركات الحالية للبحرية الأميركية إلى وجود أي نشاط استثنائي، ما عدا العودة المبكرة لحاملة الطائرات النووية “ترومان” مع مجموعتها الضاربة إلى قاعدتها في “نورفولك” في ولاية “فيرجينيا”. وفي حين تخضع قطع الأسطولين الخامس والسادس لنشاط تقليدي من تدريبات روتينية وزيارات محلية لموانئ الدول الحليفة، فإن الأسطول السابع هو الأكبر والأنشط حالياً مع وجود 47 قطعة رئيسية فيه، في مشهد يؤكد التقديرات والتحليلات الاستراتيجية التي تقول إن إهتمام إدارة دونالد ترامب حالياً منصبّ على جنوب شرق آسيا والصين والكوريتين تحديداً”.

بدوره ، أشعل قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني التوقعات في المواجهة ، موجها حديثه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد ساعات من استهداف الحوثيين لشاحنات نفط “بن سلمان”، حيث قال:” على ترامب أن يعلم أننا بانتظاره وأننا عشاق شهادة، فقد تبدأ أنت الحرب لكن نحن من سينهيها، فلم يعد هناك اليوم إيمان بالوجود الأمريكي مشدداً و قوات القدس هي الندّ للقوات الأمريكية”.
وكانت القوات المسلحة المصرية أعلنت في جلسة طارئة في أبريل 2015 ، أن قضية باب المندب أمن قومي مصري عربي، فيما ردت الناشطة اليمنية البارزة توكل كرمان على تهديد سابق من الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بضرب باب المندب بقولها :” إن الجيش المصري موجود لرد أي عدوان”.

الغلق المؤقت !

وفي هذه الاوضاع الدرامية في المنطقة ، قد يكون الغلق بأي طريقة سيناريو مرشحا للظهور، خاصة أن ايران عبر المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي أعلنت من أن طهران لن تقف متفرجة اذا ما تم منعها من بيع النفط.

قاسمي قال بوضوح في تصريحات رسمية : نحن لن نسمح بان نقف في زاوية ونشهد انه خلافا للقوانين الدولية تأتي اميركا وتريد ان تطبق قوانينها وتمنع تصدير النفط الايراني، ولذلك اذا ارادت الولايات المتحدة ان تتخذ اجراءات جادة، فانها ستواجه برد مماثل من قبلنا”، دون توضيح .
وتبرز السعودية كمتضرر رئيسي في حال تعليق كامل لمرورها من باب المندب أو في حال غلقه لما لذلك من تكاليف باهظة بحسب المراقبين خصوصاً وأن الناقلات ستضطر للسير في مسارٍ آخر ستزيد من كلفة النقل كثيراً، فيما يعني الأمر لمصر الحليف الأبرز للسعودية صعوبة بالغة ، لأن إغلاق المضيق يعني إغلاق قناة السويس، واستهداف باب المندب يعني استهداف القناة المصرية، فبحسب الإحصاءات أكثر من 98% من السفن التي تدخل إلى قناة السويس تمر عبر باب المندب أما بالنسبة لواشنطن والغرب فإن واشنطن قامت بإنشاء قواعد عسكرية بالقرب من المضيق، وهو ما يتمثل بقاعدة جيبوتي العسكرية والتي تقع من جهة الضفة الغربية للمضيق، ولعل الغلق يكون مقدمة للمواجهة والقصف بحسب المتابعين للشأن اليمني.
في المقابل ، يتحدث مراقبون أن انتشار القواعد العسكرية الأجنبية بالقرب من المضيق خاصة في جيبوتي قد يمنع أي محاولة لغلق باب المندب من الأساس أو إعاقة حركة الملاحة الدولية، فضلا عن ارتباط باب المندب بممرات أخرى مثل قناة السويس في مصر، ومضيق هرمز اللذين تمر من خلالهما ناقلات النفط العملاقة لإمداد أوروبا بالنفط في ظل تزايد الاعتماد على نقط دول الخليج، ولكن يبقى غلق الباب احتمالا موجودا خاصة وأنه حدث في حرب 1973 وفي ظل الأوضاع غير الطبيعية في المنطقة مع حرب اليمن المتصاعدة.